وإنما ذكرنا هذا، لأن كثيرا من الجهمية النفاة يقولون: وأمثالها من الأمور الخيرية التي يسمونها هم المشكل والمتشابه، فائدتها عندهم اجتهاد أهل العلم في صرفها عن مقتضاها بالأدلة المعارضة لها حتى تنال النفوس كد الاجتهاد، وحتى تنهض إلى التفكر والاستدلال بالأدلة العقلية المعارضة لها الموصلة إلى الحق، فحقيقة الأمر عندهم أن الرسل خاطبوا الخلق بما لا يبين الحق، ولا يدل على العلم، ولا يفهم منه الهدى، بل يدل على الباطل، ويفهم منه الضلال، ليكون انتفاع الخلق بخطاب الرسول اجتهادهم في رد ما أظهرته الرسل وأفهمته الخلق، وأنهم بسبب ذلك ينظرون نظرا [ ص: 366 ] يؤديهم إلى معرفة الحق، من غير أن ينصب الرسول لهم على الحق دلالة، ولا يبينه لهم بخطابه أصلا، فمثال ذلك عندهم مثل من أرسل مع الحجاج أدلة يدلونهم على طريق فائدة إنزال هذه النصوص المثبتة للصفات، مكة، وأوصى الأدلاء بأن يخاطبوهم بخطاب يدلهم على غير طريق مكة، ليكون ذلك الخطاب سببا لنظرهم واستدلالهم حتى يعرفوا طريق مكة بنظرهم، لا بأولئك الأدلاء، وحينئذ يردون ما فهم من كلام الأدلاء، ويجتهدون في نفي دلالته، وإبطال مفهومه ومقتضاه.
وإذا كان الأمر كذلك، فمن المعلوم أن خلقا كثيرا لا يتبعون إلا الأدلاء الذين يدعون أنهم أعلم بالطريق منهم، وأن ولاة الأمور قد قلدوهم دلالة الحاج، أو تعريفهم الطريق، وأن درك ذلك عليهم فيتبعون الأدلاء.