فهذا الكلام وأمثاله في كتبه وكتب أئمة أصحابه: يبينون أنهم يعتصمون في مسائل الأصول التي تنازع فيها الناس بالكتاب والسنة والإجماع، وأن دينهم التمسك بالكتاب والسنة، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ثم خصوا بالاتباع والموافقة، لما أظهره من السنة بسبب ما وقع له من المحنة. الإمام أحمد
فأين هذا من قول من لا يجعل الكتاب والسنة والإجماع طريقا إلى معرفة صفات الله، وأمثال ذلك من مسائل الأصول؟ فضلا عمن يدعي تقديم عقله ورأيه على مدلول الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة، ومن يقول: إذا تعارض القرآن وعقولنا قدمنا عقولنا على القرآن. [ ص: 106 ]
ولهذا وأئمة الصحابة من المثبتين لعلو الله بذاته على العالم، الأشعري كما كان ذلك مذهب كان ابن كلاب، والحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي، وأبي بكر الصبغي، وأبي علي الثقفي وأمثالهم.
لكن للبقايا التي بقيت على وأتباعه من بقايا التجهم والاعتزال، كطريقة حدوث الأعراض وتركيب الأجسام، احتاج من سلك طريقهم إلى طرد تلك الأقوال، فاحتاج أن يلتزم ابن كلاب الجهمية والمعتزلة في نفي الصفات الخبرية، ويقدم عقله على النصوص الإلهية، ويخالف سلفه وأئمته قول الأشعرية، وصار ما مدح به وأئمة الصحابة من السنة والمتابعة النبوية عنده من أقوال المجسمة الحشوية، كما أن الأشعري المعتزلة لما نصروا الإسلام في مواطن كثيرة، وردوا على الكفار بحجج عقلية، لم يكن أصل دينهم تكذيب الرسول، ورد أخباره ونصوصه، لكن احتجوا بحجج عقلية: إما ابتدعوها من تلقاء أنفسهم وإما تلقوها عمن احتج بها من غير أهل الإسلام، فاحتاجوا أن يطردوا أصول أقوالهم التي احتجوا بها لتسلم عن النقص والفساد، فوقعوا في أنواع من رد معاني الأخبار الإلهية، وتكذيب الأحاديث النبوية.
وأصل ما أوقعهم في نفي الصفات والكلام والأفعال، والعلو لله على خلقه - هي طريقة حدوث الأعراض وتركيب الأجسام، وعنها لزمهم ما خالفوا به الكتاب والسنة والإجماع في هذا المقام، مع مخالفتهم للمعقولات الصريحة التي لا تحتمل [ ص: 107 ] النقيض، فناقضوا العقل والسمع من هذا الوجه، وصاروا يعادون من قال بموجب العقل الصريح، أو بموجب النقل الصحيح. وهم وإن كان لهم من نصر بعض الإسلام أقوال صحيحة، فهم فيما خالفوا به السنة سلطوا عليهم وعلى المسلمين أعداء الإسلام، فلا للإسلام نصروا، ولا للفلاسفة كسروا. والقول بخلق القرآن، وإنكار الرؤية،