فإن قيل: أنتم تعلمون أن كثيرا من السلف رأوا أن الوقف عند قوله: وما يعلم تأويله إلا الله [آل عمران: 6] ، بل كثير من الناس يقول: هذا هو قول السلف، ونقلوا هذا القول عن أبي بن كعب وابن مسعود وعائشة وابن عباس وغير واحد من السلف والخلف، وإن كان القول الآخر ـ وهو أن السلف يعلمون تأويله ـ منقولا عن وعروة بن الزبير أيضا، وهو قول ابن عباس مجاهد ومحمد بن جعفر وابن إسحاق وابن قتيبة وغيرهم، وما ذكرتموه قدح في أولئك السلف وأتباعهم. [ ص: 206 ]
قيل: ليس الأمر كذلك، فإن أولئك السلف الذين قالوا: «لا يعلم تأويله إلا الله» كانوا يتكلمون بلغتهم المعروفة بينهم، ولم يكن لفظ «التأويل» عندهم يراد به معنى التأويل الاصطلاحي الخاص، وهو صرف اللفظ عن المعنى المدلول عليه المفهوم منه إلى معنى يخالف ذلك، فإن تسمية هذا المعنى وحده تأويلا إنما هو اصطلاح طائفة من المتأخرين من الفقهاء والمتكلمين وغيرهم، ليس هو عرف السلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، لا سيما ومن يقول: إن يقول: إنه يحمل اللفظ على المعنى المرجوح لدليل يقترن به، وهؤلاء يقولون: هذا المعنى المرجوح لا يعلمه أحد من الخلق، والمعنى الراجح لم يرده الله. لفظ التأويل هذا معناه
وإنما كان يراد به ما أراده الله بلفظ «التأويل» في مثل قوله تعالى: لفظ التأويل في عرف السلف هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق [الأعراف: 53]، وقال تعالى: ذلك خير وأحسن تأويلا [النساء: 59] ، وقال يوسف: يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل [يوسف: 100]، وقال يعقوب له: ويعلمك من تأويل الأحاديث [يوسف: 6]، وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله [يوسف: 45]، وقال يوسف: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما [يوسف: 37] .
فتأويل الكلام الطلبي: الأمر والنهي، هو نفس فعل المأمور به وترك المنهي عنه، كما قال «السنة تأويل الأمر والنهي»، وقالت [ ص: 207 ] سفيان بن عيينة: عائشة: وقيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن»، فما بال لعروة بن الزبير: كانت تصلي في السفر أربعا؟ قال: تأولت كما تأول عائشة عثمان ونظائره متعددة.
وأما وعن اليوم الآخر فهو نفس الحقيقة التي أخبر عنها، وذلك في حق الله: هو كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره، ولهذا قال تأويل ما أخبر الله به عن نفسه مالك وربيعة وغيرهما: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول».
وكذلك قال ابن الماجشون وغيرهما من السلف يقولون: إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه، وإن علمنا تفسيره ومعناه. وأحمد بن حنبل