قلت:
nindex.php?page=treesubj&link=34116قبول الإسلام الظاهر يجري على صاحبه أحكام الإسلام الظاهرة: مثل عصمة الدم، والمال، والمناكحة، والموارثة، ونحو ذلك. وهذا يكفي فيه مجرد الإقرار الظاهر، وإن لم يعلم ما في باطن الإنسان.
كما قال صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=670169فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله.
وقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=76666إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم. [ ص: 435 ]
ولهذا يقاتل الكافر حتى يسلم أو يعطي الجزية، فيكون مكرها على أحد الأمرين. ومن قال: لا تؤخذ الجزية من وثني قال: إنه يقاتل حتى يسلم. وأما الإيمان الباطن الذي ينجي من عذاب الله في الآخرة، فلا يكفي فيه مجرد الإقرار الظاهر، بل قد يكون الرجل مع إسلامه الظاهر منافقا، وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منافقون، وقد ذكرهم الله تعالى في القرآن في غير موضع، وميز سبحانه بين المؤمنين والمنافقين في غير موضع.
كما في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=13يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=14ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=15فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير [سورة الحديد: 13 - 15].
وقال تعالى:
[ ص: 436 ] nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون [سورة الحجرات: 14 - 15].
وهؤلاء قد قالت طائفة: إنهم أسلموا ظاهرا مع كونهم منافقين. وقال الأكثرون: بل كانوا مسلمين غير منافقين ولا واصلين إلى حقيقة الإيمان، فإنه قد قال فيهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم [سورة الحجرات: 14].
nindex.php?page=treesubj&link=30564والمنافق عمله حابط لا يتقبله الله، ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652295 "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" وغير ذلك من الأحاديث التي تكلم عليها في غير هذا الموضع، فإن مسألة الإيمان والكفر والنفاق متعلقة بمسألة أول الواجبات، ووجوب النظر، وبالفاسق الملي، وتكفير أهل البدع، وغير ذلك من المسائل التي تكلم عليها الناس.
[ ص: 437 ]
وبهذا أجابوا عن هذه الحجة، فإنه لما قيل لهم: أجمع المسلمون على أن
nindex.php?page=treesubj&link=34116الكافر إذا أراد أن يسلم يكتفى منه بالإقرار بالشهادتين. قالوا: إنما نجتزئ منه بذلك لإجراء الإسلام عليه. فإن صاحب الشرع جعل ذلك أمارة لإجراء الأحكام.
ولو كان ذلك إيمانا حقيقيا لما قال في حق النسوة المهاجرات:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن [سورة الممتحنة: ] ثم يقول: من ترك ملة من الملل وعاد إلى ملتنا، فلا بد له من حامل يحمله عليه، فإن كان الذي يحمله عليه ما علمه من فساد ملته وعقيدته، وصحة دين الإسلام، فهذا القدر كاف من النظر والاستدلال على الجملة، وإن كان الذي يحمله رهبة منا، أو رغبة فيما أعطانا الله من المال وغيره، فهجرته إلى ما هاجر إليه.
قُلْتُ:
nindex.php?page=treesubj&link=34116قَبُولُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرِ يَجْرِي عَلَى صَاحِبِهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةُ: مِثْلَ عِصْمَةِ الدَّمِ، وَالْمَالِ، وَالْمُنَاكَحَةِ، وَالْمُوَارَثَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْإِقْرَارِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَا فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ.
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=670169فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ.
وَقَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=76666إِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَنْ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ. [ ص: 435 ]
وَلِهَذَا يُقَاتَلُ الْكَافِرُ حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يُعْطِيَ الْجِزْيَةَ، فَيَكُونُ مُكْرَهًا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. وَمَنْ قَالَ: لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةَ مِنْ وَثَنِيٍّ قَالَ: إِنَّهُ يُقَاتَلُ حَتَّى يُسْلِمَ. وَأَمَّا الْإِيمَانُ الْبَاطِنُ الَّذِي يُنْجِي مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، فَلَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْإِقْرَارِ الظَّاهِرِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مَعَ إِسْلَامِهِ الظَّاهِرِ مُنَافِقًا، وَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَافِقُونَ، وَقَدْ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَمَيَّزَ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
كَمَا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=13يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=14يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=15فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [سُورَةَ الْحَدِيدِ: 13 - 15].
وَقَالَ تَعَالَى:
[ ص: 436 ] nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [سُورَةَ الْحُجُرَاتِ: 14 - 15].
وَهَؤُلَاءِ قَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّهُمْ أَسْلَمُوا ظَاهِرًا مَعَ كَوْنِهِمْ مُنَافِقِينَ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: بَلْ كَانُوا مُسْلِمِينَ غَيْرَ مُنَافِقِينَ وَلَا وَاصِلِينَ إِلَى حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ فِيهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سُورَةَ الْحُجُرَاتِ: 14].
nindex.php?page=treesubj&link=30564وَالْمُنَافِقُ عَمَلُهُ حَابِطٌ لَا يَتَقَبَّلُهُ اللَّهُ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652295 "لَا يَزَنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ" وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تُكُلِّمَ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَسْأَلَةِ أَوَّلِ الْوَاجِبَاتِ، وَوُجُوبِ النَّظَرِ، وَبِالْفَاسِقِ الْمِلِيٍّ، وَتَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا النَّاسُ.
[ ص: 437 ]
وَبِهَذَا أَجَابُوا عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34116الْكَافِرَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ يُكْتَفَى مِنْهُ بِالْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. قَالُوا: إِنَّمَا نَجْتَزِئُ مِنْهُ بِذَلِكَ لِإِجْرَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ. فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ ذَلِكَ أَمَارَةً لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ.
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ إِيمَانًا حَقِيقِيًّا لَمَا قَالَ فِي حَقِّ النِّسْوَةِ الْمُهَاجِرَاتِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ [سُورَةَ الْمُمْتَحَنَةِ: ] ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ تَرَكَ مِلَّةً مِنَ الْمِلَلِ وَعَادَ إِلَى مِلَّتِنَا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَامِلٍ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ مَا عَلِمَهُ مِنْ فَسَادِ مِلَّتِهِ وَعَقِيدَتِهِ، وَصِحَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ مِنَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَحْمِلُهُ رَهْبَةً مِنَّا، أَوْ رَغْبَةً فِيمَا أَعْطَانَا اللَّهُ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.