قلت: لفظ الاستدلال فيه إجمال، فإن أريد العبارة عن نظم الأدلة والجواب عن الممانعات والمعارضات، فهذا قد يقال: إنه لا يحسنه إلا من يحسن الجدل. وأما الاصطلاح المعين، والترتيب المعين، أو اللفظ المعين، فهذا بمنزلة اللغات، لا يعرفه إلا من يعرف تلك اللغة، وليس هذا واجبا بلا ريب.
وإن أريد به نفس طلب العلم بالشيء بالدليل والنظر فيما يدل على الشيء، فهذا مركوز في فطرة جميع الناس، فإنه ما منهم من أحد إلا وعنده من نوع النظر والاستدلال، بل ومن الجدال، بحسب ما هداه الله إليه من ذلك.
وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54وكان الإنسان أكثر شيء جدلا [سورة الكهف: 54] والإنسان يجادل بالباطل ليدحض به الحق، من غير معرفة بقوانين الجدل، فكيف لا يجادل بالحق؟.
وللناس من النظر والمناظرة في صناعتهم وأمور دنياهم، ما يبين أن النظر والمناظرة مركوز في فطرهم، فكيف في أمور الدين؟
والله سبحانه يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=2الذي خلق فسوى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=3والذي قدر فهدى [سورة الأعلى: 2 ، 3] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى [سورة طه: 50].
[ ص: 440 ]
وهذا الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم هو قول كثير من
nindex.php?page=treesubj&link=28831الأشعرية، فإنهم متنازعون في النظر: هل هو فرض على الأعيان أو على الكفاية؟ وفي الواجب: هل هو المعرفة أو الاعتقاد الجازم المصمم؟ وهل يسمى ذلك علما أم لا؟
قُلْتُ: لَفْظُ الِاسْتِدْلَالِ فِيهِ إِجْمَالٌ، فَإِنْ أُرِيدَ الْعِبَارَةُ عَنْ نَظْمِ الْأَدِلَّةِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْمُمَانَعَاتِ وَالْمُعَارَضَاتِ، فَهَذَا قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ لَا يُحْسِنُهُ إِلَّا مَنْ يُحْسِنُ الْجَدَلَ. وَأَمَّا الِاصْطِلَاحُ الْمُعَيَّنُ، وَالتَّرْتِيبُ الْمُعَيَّنُ، أَوِ اللَّفْظُ الْمُعَيَّنُ، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ اللُّغَاتِ، لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا مَنْ يَعْرِفُ تِلْكَ اللُّغَةَ، وَلَيْسَ هَذَا وَاجِبًا بِلَا رَيْبٍ.
وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نَفْسُ طَلَبِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِالدَّلِيلِ وَالنَّظَرِ فِيمَا يَدُلُّ عَلَى الشَّيْءِ، فَهَذَا مَرْكُوزٌ فِي فِطْرَةِ جَمِيعِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْهُمْ مَنْ أَحَدٍ إِلَّا وَعِنْدَهُ مِنْ نَوْعِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، بَلْ وَمِنَ الْجِدَالِ، بِحَسَبَ مَا هَدَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا [سُورَةَ الْكَهْفِ: 54] وَالْإِنْسَانُ يُجَادِلُ بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضَ بِهِ الْحَقَّ، مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِقَوَانِينِ الْجَدَلِ، فَكَيْفَ لَا يُجَادِلُ بِالْحَقِّ؟.
وَلِلنَّاسِ مِنَ النَّظَرِ وَالْمُنَاظَرَةِ فِي صِنَاعَتِهِمْ وَأُمُورِ دُنْيَاهُمْ، مَا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّظَرَ وَالْمُنَاظَرَةَ مَرْكُوزٌ فِي فِطَرِهِمْ، فَكَيْفَ فِي أُمُورِ الدِّينِ؟
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=2الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=3وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [سُورَةَ الْأَعْلَى: 2 ، 3] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [سُورَةَ طه: 50].
[ ص: 440 ]
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28831الْأَشْعَرِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ مُتَنَازِعُونَ فِي النَّظَرِ: هَلْ هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ أَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ؟ وَفِي الْوَاجِبِ: هَلْ هُوَ الْمَعْرِفَةُ أَوِ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُصَمَّمُ؟ وَهَلْ يُسَمَّى ذَلِكَ عِلْمًا أَمْ لَا؟