وأصل الكلام المحدث، المخالف للكتاب والسنة، المذموم عند السلف والأئمة، كان أئمة الجهمية والمعتزلة وأمثالهم، والمعتزلة قدرية جهمية، وأتباعه وجهم جهمية مجبرة، ثم كان منهم، ولما فارقهم وكشف فضائحهم، وبين تناقضهم، وسلك مسالك الأشعري وأمثاله، ناقضهم غاية المناقضة في مسائل القدر والوعيد والأسماء والأحكام، كما ناقضهم في ذلك أبي محمد بن كلاب الجهمية والضرارية والنجارية ونحوهم. [ ص: 462 ]
وكان أعظم مباينة لهم في ذلك من الأشعري الضرارية، حتى مال إلى قول [في ذلك]، لكنه كان عنده من الانتساب إلى السنة والحديث وأئمة السنة، كـ جهم وغيره. ونصر ما ظهر من أقوال هؤلاء، ما ليس عند أولئك الطوائف. الإمام أحمد
ولهذا كان هو وأمثاله يعدون من متكلمة أهل الحديث، وكانوا هم خير هذه الطوائف، وأقربها إلى الكتاب والسنة، ولكن خبرته بالحديث والسنة كانت مجملة، وخبرته بالكلام كانت مفصلة، فلهذا بقي عليه بقايا من أصول المعتزلة، ودخل معه في تلك البقايا وغيرها طوائف من المنتسبين إلى السنة والحديث، من أتباع الأئمة من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد.
وعامة هؤلاء يقولون الأقوال المتناقضة، ويقولون القول ولا يلتزمون لوازمه. ومن أسباب ذلك أنهم يقولون القول المأثور عن الصحابة والسلف، الموافق للكتاب والسنة، ولصريح المعقول، ويسلكون في الرد على بعض الكفار، أو بعض أهل البدع، مسلكا سلكته المعتزلة ونحوهم، وذلك المسلك لا يوافق أصول أهل السنة، فيحتاجون إلى التزام لوازم ذلك المسلك المعتزلي، وإلى القول [ ص: 463 ] بموجب نصوص الكتاب والسنة، والمعقول الموافق لذلك، فيحصل التعارض والتناقض.
وهكذا المعتزلة ردوا على كثير من الكفار ردا بطرق سلكوها، متى التزموا لوازمها عارضت حقا آخر معلوما بالشرع أو العقل.
ومن تدبر هذه الأبواب رأى عجائب، وما ثم ما يثبت على السبر والتقسيم ويسلم عن التناقض، إلا ما جاء من عند الله.
كما قال تعالى: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [سورة النساء: 82].
ويذكر من تناقض أقوال غيره، ومخالفتها للنصوص والمعقول، ما يكون له من الأقوال في ذلك الباب ما هو من جنس تلك الأقوال، أو أضعف منها، أو أقوى منها. وكثير من هذه الطوائف يتعصب على غيره، ويرى القذاة في عين أخيه، ولا يرى الجذع المعترض في عينه،
والله تعالى يأمر بالعلم والعدل ويذم الجهل والظلم.
كما قال تعالى: وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما [سورة الأحزاب: 72 - 73]. [ ص: 464 ]
وقال تعالى: وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا [سورة الأنعام: 115].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: . رواه أهل السنن. القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، فرجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار
ومعلوم أن الحكم بين الناس في عقائدهم وأقوالهم أعظم من الحكم بينهم في مبايعهم وأموالهم.
وقد قال تعالى: فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير [سورة الشورى: 15].