وهنا تكلم الناس في وجوب فأوجبه من أوجبه من المتكلمين من إمهال الكافر إذا طلب الإمهال للنظر، المعتزلة، ومن تبعهم على هذه الطريقة، كالقاضي أبي بكر، في "المعتمد" وغيرهما. والقاضي أبي يعلى
وأما الفقهاء أئمة الدين فلا يوجبون ذلك مطلقا. أما في حال المقاتلة فيقاتلون حتى يسلموا أو يقروا بالجزية، إن كانوا من أهلها، فإذا أسر الرجل منهم فهذا لا يتعين قتله. فإذا طلب مثل هذا الإمهال ورجي إسلامه أمهل. وأما وأما المرتد فلا يؤخر عند الجماهير أكثر من ثلاث. من له عهد، فذلك لا يكره على الإسلام، فهو في مهلة النظر دائما.
ولو طلب أهل دار ممتنعين من الإمام أن يمهلهم مدة، ورجا بذلك إسلامهم، ولم يخف مفسدة راجحة، أمهلهم.
والحربي إذا طلب الأمان حتى يسمع القرآن، وينظر في دلائل الإسلام، أمناه.
كما قال تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه [ سورة التوبة : 6].
وأما من قال بالوجوب العقلي، كما هو قول المعتزلة والكرامية، ومن [ ص: 16 ] وافقهم من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم، فهؤلاء هم الذين قالوا ابتداء: أول ما يجب المعرفة أو النظر المؤدي إليها. لكن أخد كلامهم من أراد أن يبنيه على أصوله من وأحمد الأشعرية ونحوهم، فتناقض كلامه.
ومن قال بالوجوب العقلي إذا قال: أول الواجبات المعرفة كان ذلك أقرب، ثم له أن يقول: الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا أوجب الشهادتين ابتداء فقد ضم إلى الواجب العقلي ما يجب بالشرع، وجعل أحدهما شرطا في الآخر، فلا يقبل أحدهما دون الآخر، ومن أدى هذا الواجب أو بعضه لم يخاطبه إلا بفعل ما لم يؤده. وعلى هذا فيكون خطاب الشارع للناس بحسب أحوالهم.
وأول الواجبات الشرعية يختلف باختلاف أحوال الناس، فقد يجب على هذا ابتداء ما لا يجب على هذا ابتداء، فيخاطب الكافر عند بلوغه بالشهادتين، وذلك أول الواجبات الشرعية التي يؤمر بها. وأما المسلم فيخاطب بالطهارة إذا لم يكن متطهرا، وبالصلاة وغير ذلك من الواجبات الشرعية التي لم يفعلها.