قال: (فإن قيل: فكيف يدل غير على الله؟ قيل: إن الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون، والاجتماع والافتراق. وهذه حوادث فيجب أن يكون للجسم محدثا إذ لم يتقدم الحوادث، والدليل على أن الأجسام محدثة هو أن الأجسام محدثة، وكل محدث يحتاج إلى محدث) .
قال: أما الأصل الأول فالغرض به أن يدل على أن الجواهر والأجسام محدثة غير قديمة، ولا [ ص: 34 ] يصح أن تثبت صفة لشيء وتنفى صفة عن شيء إلا وقد عرفنا ما تثبت له الصفة، والصفة التي نثبتها والصفة التي ننفيها. فيجب أن نذكر ما الجوهر وما الجسم وما القديم وما المحدث. ولما كان الوصلة إلى حدوث الجسم هو العرض، الذي هو الحركة والسكون، والكون والاجتماع والافتراق، ولم يصح أن يتوصل بما لا نعرفه، وجب أن نبين ما العرض؟ وما الكون؟ وما الحركة؟ وما السكون؟ وما الاجتماع والافتراق؟ فالجوهر هو الذي يشغل الحيز في وجوده، ويصح أن تحله الأعراض، ومعنى شغله الحيز أن يوجد في جهة ومكان فيحوزه، ويمنع مثله من أن يوجد معه بحيث هو والجسم هو المؤلف، عند قوم: هو الطويل العميق. والقديم هو: الموجود الذي لم يزل، والذي لا أول لوجوده والمحدث هو: الذي لوجوده أول. والعرض هو: ما يعرض في الوجود ولا يكون له لبث كلبث الجواهر والأجسام. وذلك أن ما قل لبثه بالإضافة إلى غيره سموه عارضا. قال الله تعالى: (وهذا الكلام يشتمل على أصلين: أحدهما: أن الأجسام محدثة، والثاني: أن كل محدث يحتاج إلى محدث. هذا عارض ممطرنا [ سورة الأحقاف:24] وذلك نحو الحركة والسكون. والحركة زوال الجسم من مكان إلى مكان، والسكون لبث الجوهر في المكان أكثر من وقت واحد، والكون ما به كون الجوهر في مكان دون مكان، والاجتماع كونا جوهرين متماسين، والافتراق كونا جوهرين غير متماسين) .