قال: (وفي فساد هذه الأقسام التي لا يخلو الأمر منها في التقدم والتأخر، دليل على أن مقدما قدم منها ما قدم، وأخر منها ما أخر) . قال: (وهذا أحد ما يعول عليه في وجوب تعلق الأفعال بفاعل) .
قلت: مضمون هذا الكلام أن يستدل عليه بأن ذلك يتضمن الاختصاص بزمان دون زمان، والتخصيص لا بد له من مخصص، لأنه ترجيح لأحد المتماثلين على الآخر، وترجيح أحد المتماثلين بلا مرجح معلوم الفساد بالضرورة، ولم يحتج بعد هذا أن يستدل على أن الترجيح لا بد له من مرجح، لأن ذلك ترجيح لأحد طرفي الممكن على الآخر، فلا بد له من مرجح، وقد ذكرنا فيما بعد أن هذا هو الطريق الذي سلكه العلم بأن المحدث لا بد له من محدث أبو الحسين، وأبو المعالي، وابن عقيل، وغيرهم: قرروا افتقار المحدث [ ص: 82 ] إلى المحدث بأن ذلك تخصيص بأحد الجائزين، والتخصيص بأحد الجائزين لأنه لا بد له من مخصص، وهذا عندهم مختص بالمحدثات، ولا يتصور عندهم ممكن قديم حتى يستدلوا بافتقار الممكن المتساوي الطرفين إلى مرجح لأحدهما، أو مرجح لوجوده. وابن الزاغوني،
وذكر أن ما ذكر من ضرب المثل باللبن إذا صار بناء، والغزل إذا صار ثوبا، إنما هو لأجل ظهور ذلك في نفوس العامة والخاصة، لا لأن أحدهما مقيس على الآخر. القاضي أبو بكر
وذلك أن كثيرا من المعتزلة، كأبي علي، وأبي هاشم، يقررون ذلك بالقياس على أفعال العباد، فيقولون: كما أن لأن العلة الموجبة افتقار الأصل المقيس عليه إلى الفاعل، هي موجودة في الفرع المقيس، لأن افتقار الأصل إلى الفاعل إنما كان لحدوثه، وهذا موجود في الفرع .. إلى سائر كلامهم المعروف في مثل هذا. الكتابة لا بد لها من كاتب، والبناء لا بد له من بان، فكذلك الجسم المحدث لا بد له من فاعل للقدر المشترك،
فذكر أنه لا حاجة إلى هذا، بل افتقار أحدهما كافتقار الآخر، وقرر الجميع بالطريقة التي ذكرها، وهو قوله: (لأن [ ص: 83 ] الصنعة يستحيل وقوعها إلا من صانع، كما يستحيل في العقول وجود صانع لا صنعة له، وكاتب لا كتابة له، فتعلق الصنعة بالصانع، كتعلق الصانع في كونه صانعا بوجود صنعته) . القاضي أبو بكر
قال: (وهذه النكتة المعتمدة في هذا الدليل) .