ثم لما ذكر البرهان الذي حكاه ابن رشد عن أبو حامد الفلاسفة على استحالة علل لا نهاية لها، قال (وهذا البرهان الذي حكاه عن ابن رشد: الفلاسفة، أول من نقله إلى الفلسفة على أنه طريق خير من طريق القدماء، لأنه زعم أنه من جوهر الموجود، وأن طرق القوم من أعراض تابعة للمبدأ الأول، وهو طريق أخذه ابن سينا، من ابن سينا المتكلمين، وذلك المتكلمين ترى أن من المعلوم بنفسه أن الموجود ينقسم إلى ممكن وضروري، ووضعوا أن الممكن يجب أن يكون له فاعل، وأن العالم بأسره لما كان ممكنا، وجب أن يكون الفاعل له واجب الوجود وهذا هو اعتقاد أن المعتزلة قبل الأشعرية، وهو قول جيد ليس فيه كذب، إلا ما وضعوه فيه: من أن العالم بأسره ممكن، فإن هذا ليس معروفا بنفسه، فأراد أن يعمم هذه [ ص: 170 ] القضية ويجعل المفهوم من الممكن ما له علة، كما ذكر ابن سينا أبو حامد.
وإذا سومح في هذه القضية، لم تنته به القسمة إلى ما أراد، لأن قسمة الموجود أولا إلى ما له علة، وإلى ما لا علة له، ليس معروفا بنفسه. ثم ما له علة ينقسم إلى ممكن وإلى ضروري، فإن فهمنا منه الممكن الحقيقي، أفضى إلى ممكن ضروري، ولم يفض إلى ضروري لا علة له، وإن فهمنا من الممكن ما له علة وهو ضروري، لم يلزم عن ذلك إلا أن ما له علة فله علة، وأمكن أن نضع أن تلك لها علة، وأن يمر ذلك إلى غير نهاية، فلا ينتهي الأمر إلى موجود لا علة له، وهو الذي يعنونه بواجب الوجود، إلا أن يفهم من الممكن الذي وضعه بإزاء ما لا علة له: الممكن الحقيقي، فإن هذه الممكنات هي التي يستحيل وجود العلل فيها إلى غير نهاية، وأما إن عنى بالممكن ما له علة من الأشياء الضرورية، فلم يتبين بعد ذلك مستحيل بالوجه الذي تبين في الموجودات الممكنة بالحقيقة، ولا يتبين بعد أن ها هنا ضروريا يحتاج إلى علة، فيجب عن وضع هذا أن ينتهي الأمر إلى [ ص: 171 ] ضروري بغير علة، إلى أن يبين أن الأمر في الجملة الضرورية، التي من علة ومعلول، كالأمر في الجملة الممكنة).