والاعتراضات التي ذكرها هو وغيره على تقريره لامتناع حوادث لا أول لها، قد ذكرها الرازي في "المباحث المشرقية" وذكرها أيضا. ولهذا أريت من يغتر بكلام هؤلاء من طلبة العلم حقيقة أمرهم. وأن هذا التقرير الذي وافقوا فيه شيوخهم المتكلمين، من الآمدي المعتزلة والأشعرية، هم بعينهم قد قدحوا فيه في موضع آخر قدحا لم يجيبوا عنه. فلا يظن الظان أن ما ذكروه مما ينصر دين الإسلام، بل هذا مما يقوي معرفة المسلمين بذم الكلام الذي ذمه السلف والأئمة. وأنه جهل لا علم.
ولا يغتر المغتر بما يجده من كثرة ذكر المصنفين في الكلام لذلك، واتباع آخرين مقلدين لهم في ذلك، فإن الناظر: إما أن يكون ناظرا بنفسه حتى يتبين له الحق، أو يقلد المعصوم، فهذان طريقان علميان، وإما أن يكون محسنا للظن بشيوخ تقدموا، من شيوخ هذا الكلام المحدث، فهؤلاء قد عارضهم من هو أعلم منهم. فالسلف والأئمة عارضوهم، وأتباعهم الحذاق الذين تعقبوا كلامهم عارضوهم وناقضوهم، وأتباعهم الذين تعقبوا كلامهم عارضوهم وناقضوهم، والفلاسفة أيضا عارضوهم وناقضوهم. [ ص: 275 ]
وإذا قال القائل: هذا الأصل قد قرره مثل أبي الهذيل العلاف وأبي إسحاق النظام، ومثل واتبعهم عليه مثل الجهم بن صفوان، أبي علي وأبي هاشم، وعبد الجبار بن أحمد، وأبي الحسين البصري، وغيرهم. ووافقهم على صحة هذه الطريقة - وهو امتناع حوادث لا أول لها - مثل محمد بن كرام، وابن الهيثم وغيرهما، ومثل أبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر، وأبي المعالي، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، وابن الزاغوني، وأبي عبد الله المازري، وغيرهم، بل ومثل والقاضي أبي بكر بن العربي، وأمثاله من شيوخ الشريف المرتضى الشيعة، فهؤلاء - وأضعافهم - يحتج بهذه الطريقة، وإن كان أصلها مأخوذا من الجهم بن صفوان وغيرهما. وأبي الهذيل العلاف
قيل لمن قال هذا القول: الواحد من هؤلاء لم يعظمه من يعظمه من المسلمين، إلا لما قام به من دين الإسلام، الذي كان فيه موافقا لما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإن الواحد من هؤلاء له مساع مشكورة في نصر ما نصره من الإسلام، والرد على طوائف من المخالفين لما جاء به الرسول، وما من أحد من هؤلاء، ومن هو أفضل منهم، إلا وله غلط في مواضع. فحمدهم والثناء عليهم بما لهم من السعي الداخل في طاعة الله ورسوله، وإظهار العلم الصحيح الموافق لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والمظهر لباطل من خالف الرسول،