وهذا قول من يقرب إلى صريح المعقول وصحيح المنقول، من الأوائل والأواخر، ونقل أصحاب المقالات عن غير واحد من أئمتهم القول بإثبات الصفات لله، وبإثبات الأمور الاختيارية القائمة بذاته. كأبي البركات وغيره.
وهؤلاء لم يوافقوا أرسطو وأتباعه، ولا وأمثاله، على أن [ ص: 287 ] الرب وجود بسيط لا صفة له ولا فعل، بل أثبتوا له الصفات القائمة بذاته، وأنه يفعل بإرادات تقوم بذاته: إرادة بعد إرادة. ابن سينا
وهؤلاء أبعدوا أن يمكنهم إقامة الدليل على قدم شيء من العالم، فإن الفاعل الذي يفعل بإرادات قائمة به بذاته شيئا بعد شيء، لا يقوم لهم دليل على أن شيئا من مفعولاته لم يزل مقارنا له، إذ يمكن أنه فعل مفعولا بعد مفعول. وأن هذا العالم خلقه من مادة كانت قبله. كما أخبرت بذلك الرسل. فأخبر الله تعالى في القرآن أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش وأخبر أنه سبحانه: استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم .[سورة فصلت:11 ، 12]
قال في الآية الأخرى: ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم .[سورة البقرة:29]
فأخبر أنه سواهن سبع سماوات في يومين، وأن السماء كانت دخانا، وهو بخار الماء كم جاء تفسيره في عدة آثار: أنه خلق السماء من [ ص: 288 ] بخار الماء، والبخار دخان الماء، كما أن دخان الأرض دخان. وإن أريد بالدخان التراب فقط. أو دخان التراب والماء، فكل ذلك فيه إخبار الله أنه خلق السماوات السبع من مادة أخرى، كما أخبر أنه خلق الإنسان من مادة، وأنه خلق الجان من مادة.
وثبت في الصحيح: صحيح عن مسلم، - رضي الله عنها - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: عائشة . « خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم»
وثبت في صحيح عن مسلم، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: عبد الله بن عمرو، . وفي صحيح « إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء» عن البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: عمران بن حصين وفي رواية صحيحة: « كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض» ، فأخبر أنه كان بين تقديره وبين خلقه للسماوات والأرض خمسين ألف سنة، وهذه أزمنة مقدرة بحركات موجودة قبل وجود الأفلاك والشمس والقمر. وأخبر أنه كان عرش الرب إذ ذاك على الماء. « ثم خلق [ ص: 289 ] السماوات والأرض»