ثم ومثل كلامهم في النجاسة إذا استحالت، مثل أن تصير رمادا أو ملحا ونحو ذلك. فإن كان التغيير لم يزل الاسم فاليمين باقية بلا نزاع بينهم، كما لو حلف لا يكلم هذا الرجل فمرض أو صار شيخا، أو لا يأكل هذه الخبز فصار كسرا، ونحو ذلك. كلامهم في باب الأيمان: فيما إذا حلف على فعل في جسم معين، فتغير ذلك الجسم المعين.
وإن كانت قد استحالت أجزاؤه وتغير اسمه: مثل أن يحلف لا أكلت هذه البيضة فصارت فروجا، أو لا أكلت هذه الحنطة فصارت زرعا. [ ص: 324 ]
قالوا: فهنا لا يحنث، لأنه زال اسمه، وزالت أجزاؤه. وإن تغيرت الصفة مع زوال الاسم: كما إذا حلف لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا، أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا - فإنه يحنث عند جمهورهم: كأبي حنيفة ومالك في المشهور من مذهبه، وهو أحد الوجهين في مذهب وأحمد وكذلك لو حلف لا أكلت من هذا الرطب فصار تمرا. الشافعي.
وتنازعوا فيما إذا أكل مما يصنع من الرطب والعنب من الدبس والخل، فمنهم من قال: يحنث، وهو مذهب وهو المشهور من مذهب مالك، ومنهم من قال: لا يحنث، كما هو مذهب أحمد. أبي حنيفة وطائفة من أصحاب والشافعي. قالوا: لأن اسم المحلوف عليه وصورته زالت فلم يحنث، كما في مسألة البيضة والفروج. أحمد
فقال لهم الأولون: عين المحلوف عليه باقية، فصار كمسألة الحمل، بخلاف البيضة إذا صارت فرخا، فإن أجزاءها استحالت فصارت عينا أخرى، ولم يبق عينها.
مع أن في هذه المسائل كلاما ليس هذا موضعه، إذ كان منهم من يرى اليمين باقية مع استحالة العين لأجل التغيير، ومنهم من يرى أنه بمجرد زوال الاسم تزول اليمين. [ ص: 325 ]
ولكن المقصود هنا أنه من المستقر في عقول الناس الفرق بين استحالة الأعيان وانقلابها، وبين تغير صفاتها مع بقاء عينها وذاتها. ولهذا اتفقوا كلهم على أن العين الخبيثة لا تطهر بمجرد تغير الصفة، فالدم والميتة ولحم الخنزير والخمر: إذا تغيرت صفاته، مثل أن يجمد الدم والخمر، أو يسيل شحم الميتة والخنزير ونحو ذلك، فإنه لا يزول التحريم باتفاقهم.