الوجه الثاني
أن يقال: إذا ثبت أن نفس الفطرة مقتضية لمعرفته ومحبته، حصل المقصود بذلك، وإن لم تكن فطرة كل أحد مستقلة بتحصيل ذلك، بل يحتاج كثير منهم في حصول ذلك إلى سبب معين للفطرة: كالتعليم والتخصيص. فإن الله قد بعث الرسل، وأنزل الكتب، ودعوا الناس إلى موجب الفطرة: من معرفة الله وتوحيده، فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة، وإلا استجابت لله ورسله، لما فيها من المقتضي لذلك.
ومعلوم أن قوله: ليس المراد به أنه حين ولدته أمه يكون عارفا بالله موحدا له، بحيث يعقل ذلك. فإن [ ص: 461 ] الله يقول: كل مولود يولد على الفطرة، والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا [سورة النحل :78].
ونحن نعلم بالاضطرار أن الطفل ليس عنده معرفة بهذا الأمر، ولكن ولادته على الفطرة تقتضي أن الفطرة تقتضي ذلك، وتستوجبه بحسبها. فكلما حصل فيه قوة العلم والإرادة، حصل من معرفتها بربها، ومحبتها له، ما يناسب ذلك كما أنه ولد على أنه يحب جلب المنافع ودفع المضار بحسبه، وحينئذ فحصول موجب الفطرة، سواء توقف على سبب، وذلك السبب موجود من خارج، أو لم يتوقف، على التقديرين يحصل المقصود. ولكن قد يتفق لبعضها فوات الشرط أو وجود مانع، فلا يحصل مقصود الفطرة.