ولهذا زعمت
القدرية النافية أن الرب ليس قادرا على هدي العباد، وهو خطأ عند أهل السنة، وقد يكون قادرا، فإنه سبحانه لو شاء لآتى كل نفس هداها:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا [سورة يونس:99].
لكن المخلوق قد يعين بعض من أمره لمصلحة له في إعانته، ولا يعين آخر، والرب تعالى قد يعين المؤمنين فيفعلوا ما أمروا به، وأحبه الله منهم، ولا يعين آخرين، لما له في ذلك من الحكمة، فإن الفعل لا يوجد إلا بلوازمه وانتفاء أضداده.
[ ص: 472 ]
وقد يكون في وجود ذلك فوات حكمة له، هي أحب إليه من طاعة أولئك، أو وجود شيء دفعه أحب إليه من حصول معصية أولئك.
وحينئذ فإذا
nindex.php?page=treesubj&link=30491_29428_28683أمر العباد ونهاهم، ليطيعوه ويعبدوه، ويفعلوا ما أحبه، وينالوا كمالهم الذي هو غايتهم التي خلقوا لها، جاز أن يقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله [سورة النساء:64]، وأن يقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [سورة البقرة:185].
وأن يقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم [سورة النساء:26].
وأن يقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم [سورة المائدة:6]، ونحو ذلك.
وإن كان هو لم يخلق ما أمره به، وإذا خلقهم وخلق لهم ما ينتفعون به، ليعبدوه ويطيعوه، ويشكروه ويذكروه، ويبلغوا الغاية المحمودة في حقهم، التي يحبها ويرضاها لهم - صح أن يقال: إنما خلقهم ليعبدوه، وإن كان هو لم يخلق لكل منهم ما به يصير عابدا له، كما جاز أن يقال: وإنما بنيت المسجد ليصلوا فيه، وإنما أعطيتهم المال ليحجوا ويجاهدوا ونحو ذلك، فإنه ليس من شرط من فعل فعلا لغاية يفعلها غيره، أن يكون هو فاعلا لتلك الغاية.
وَلِهَذَا زَعَمَتِ
الْقَدَرِيَّةُ النَّافِيَةُ أَنَّ الرَّبَّ لَيْسَ قَادِرًا عَلَى هَدْيِ الْعِبَادِ، وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ قَادِرًا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَوْ شَاءَ لَآتَى كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=99وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا [سُورَةِ يُونُسَ:99].
لَكِنَّ الْمَخْلُوقَ قَدْ يُعِينُ بَعْضَ مَنْ أَمَرَهُ لِمَصْلَحَةٍ لَهُ فِي إِعَانَتِهِ، وَلَا يُعِينُ آخَرَ، وَالرَّبُّ تَعَالَى قَدْ يُعِينُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ، وَأَحَبَّهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، وَلَا يُعِينُ آخَرِينَ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِلَوَازِمِهِ وَانْتِفَاءِ أَضْدَادِهِ.
[ ص: 472 ]
وَقَدْ يَكُونُ فِي وُجُودِ ذَلِكَ فَوَاتُ حِكْمَةٍ لَهُ، هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَةِ أُولَئِكَ، أَوْ وُجُودِ شَيْءٍ دَفَعَهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ حُصُولِ مَعْصِيَةِ أُولَئِكَ.
وَحِينَئِذٍ فَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=30491_29428_28683أَمَرَ الْعِبَادَ وَنَهَاهُمْ، لِيُطِيعُوهُ وَيَعْبُدُوهُ، وَيَفْعَلُوا مَا أَحَبَّهُ، وَيَنَالُوا كَمَالَهُمُ الَّذِي هُوَ غَايَتُهُمُ الَّتِي خُلِقُوا لَهَا، جَازَ أَنْ يُقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [سُورَةِ النِّسَاءِ:64]، وَأَنْ يُقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [سُورَةِ الْبَقَرَةِ:185].
وَأَنْ يُقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ [سُورَةِ النِّسَاءِ:26].
وَأَنْ يُقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ [سُورَةِ الْمَائِدَةِ:6]، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ هُوَ لَمْ يَخْلُقْ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَإِذَا خَلَقَهُمْ وَخَلَقَ لَهُمْ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، لِيَعْبُدُوهُ وَيُطِيعُوهُ، وَيَشْكُرُوهُ وَيَذْكُرُوهُ، وَيَبْلُغُوا الْغَايَةَ الْمَحْمُودَةَ فِي حَقِّهِمْ، الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا لَهُمْ - صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا خَلَقَهُمْ لِيَعْبُدُوهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ لَمْ يَخْلُقْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا بِهِ يَصِيرُ عَابِدًا لَهُ، كَمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ: وَإِنَّمَا بَنَيْتُ الْمَسْجِدَ لِيُصَلُّوا فِيهِ، وَإِنَّمَا أَعْطَيْتُهُمُ الْمَالَ لِيَحُجُّوا وَيُجَاهِدُوا وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا لِغَايَةٍ يَفْعَلُهَا غَيْرُهُ، أَنْ يَكُونَ هُوَ فَاعِلًا لِتِلْكَ الْغَايَةِ.