nindex.php?page=treesubj&link=28658ومعرفة الرب بربوبيته، إذ ربوبيته ظاهرة، لا يدعها جاحد، ولا يقدر أن ينكرها معاند، إذ هو أجل أن يخفى، وأعز أن يقاس، وأعظم أن تشرف عليه العقول، أو يتناوله معقول، ليس في حيز المجهولات فيستدل عليه، ولا مضبوط بالحواس فتصل الأفهام إليه، فعرفناه بما تعرف، ووصفناه بما وصف، إذ به عرفت المعارف، ووجدت الدلائل، فعرفنا نفسه، وعرفنا رسله، بما أظهر على أيديها من المعجزات، والبراهين والآيات، وتعرف إلينا على ألسنتهم كيف نوحده ونشكره ونعبده، إذ لا وصول لنا إلى مراده منا إلا بما أرسل وعلم، لتكون المملكة معذوقة بمالكها، ونوحده بما وحد به نفسه، ونثني عليه
[ ص: 523 ] بثنائه، ونشكره كما علمنا على آلائه، إذ هو الغني عن كل شيء، وكل شيء إليه فقير. قال الله:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=15يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد [سورة فاطر:15]، فلفقرنا لم نعرفه بنا، ولغنائه عنا عرفناه به، وجعل لنا الزيادة في الكسب، والتوصل بالأسباب، ومنه البداية، وإليه المنتهى، فكل من ألزمنا بسبب، عكسنا عليه ذلك السبب، وتسلسل الأمر، وإلى الله ترجع الأمور:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=123وإليه يرجع الأمر كله [سورة هود:123]، فلا مجهول فيستدل عليه، ولا متوقع فيرتقب، فللرسل تأثير في العبادات، وللاستدلال تأثير في المكونات، وللعقول تأثير في المدبرات، وللرياضات تأثير في المكتسبات.
وقد أخبر سبحانه في كتابه فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [سورة الذاريات:56]، وقد روي: ليعرفون. فلأجل ذلك وقعت المعرفة من الجميع ولم تقع العبادة، فأراد ليعرفوه ثم يعبدوه على بساط المعرفة، فما جبرهم عليه من معرفة ربوبيته وقع، وما ردهم فيه إلى الاكتساب وقع من بعض دون بعض، ألا ترى أنه لم يقع من الكفار التعجب والإنكار من أنه سبحانه رب وإله؟ وإنما تعجبت وأنكرت التوحيد بالإلهية، فقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [سورة ص:5]، فما أريد منهم أن يقع بهم علل، وما ألزمهم من معرفة ربوبيته لم يكن لهم سبيل إلى إنكاره وجحده كغيره من المعارف) .
nindex.php?page=treesubj&link=28658وَمَعْرِفَةُ الرَّبِّ بِرُبُوبِيَّتِهِ، إِذْ رُبُوبِيَّتُهُ ظَاهِرَةٌ، لَا يَدَعُهَا جَاحِدٌ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْكِرَهَا مُعَانِدٌ، إِذْ هُوَ أَجَلُّ أَنْ يَخْفَى، وَأَعَزُّ أَنْ يُقَاسَ، وَأَعْظَمُ أَنْ تُشْرِفَ عَلَيْهِ الْعُقُولُ، أَوْ يَتَنَاوَلَهُ مَعْقُولٌ، لَيْسَ فِي حَيِّزِ الْمَجْهُولَاتِ فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ، وَلَا مَضْبُوطٌ بِالْحَوَاسِّ فَتَصِلُ الْأَفْهَامُ إِلَيْهِ، فَعَرَفْنَاهُ بِمَا تَعَرَّفَ، وَوَصَفْنَاهُ بِمَا وَصَفَ، إِذْ بِهِ عُرِفَتِ الْمَعَارِفُ، وَوُجِدَتِ الدَّلَائِلُ، فَعَرَّفَنَا نَفْسَهُ، وَعَرَّفَنَا رُسُلَهُ، بِمَا أَظْهَرَ عَلَى أَيْدِيهَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، وَالْبَرَاهِينِ وَالْآيَاتِ، وَتَعَرَّفَ إِلَيْنَا عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ كَيْفَ نُوَحِّدُهُ وَنَشْكُرُهُ وَنَعْبُدُهُ، إِذْ لَا وُصُولَ لَنَا إِلَى مُرَادِهِ مِنَّا إِلَّا بِمَا أَرْسَلَ وَعَلَّمَ، لِتَكُونَ الْمَمْلَكَةُ مَعْذُوقَةً بِمَالِكِهَا، وَنُوَحِّدُهُ بِمَا وَحَّدَ بِهِ نَفْسَهُ، وَنُثْنِي عَلَيْهِ
[ ص: 523 ] بِثَنَائِهِ، وَنَشْكُرُهُ كَمَا عَلَّمَنَا عَلَى آلَائِهِ، إِذْ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ فَقِيرٌ. قَالَ اللَّهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=15يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [سُورَةِ فَاطِرٍ:15]، فَلِفَقْرِنَا لَمْ نَعْرِفْهُ بِنَا، وَلِغَنَائِهِ عَنَّا عَرَفْنَاهُ بِهِ، وَجَعَلَ لَنَا الزِّيَادَةَ فِي الْكَسْبِ، وَالتَّوَصُّلِ بِالْأَسْبَابِ، وَمِنْهُ الْبِدَايَةُ، وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهَى، فَكُلُّ مَنْ أَلْزَمَنَا بِسَبَبٍ، عَكَسْنَا عَلَيْهِ ذَلِكَ السَّبَبَ، وَتَسَلْسُلَ الْأَمْرِ، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=123وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ [سُورَةِ هُودٍ:123]، فَلَا مَجْهُولٌ فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ، وَلَا مُتَوَقَّعٌ فَيُرْتَقَبُ، فَلِلرُّسُلِ تَأْثِيرٌ فِي الْعِبَادَاتِ، وَلِلِاسْتِدْلَالِ تَأْثِيرٌ فِي الْمُكَوِّنَاتِ، وَلِلْعُقُولِ تَأْثِيرٌ فِي الْمُدَبَّرَاتِ، وَلِلرِّيَاضَاتِ تَأْثِيرٌ فِي الْمُكْتَسَبَاتِ.
وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [سُورَةِ الذَّارِيَاتِ:56]، وَقَدْ رُوِيَ: لِيَعْرِفُونِ. فَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَقَعَتِ الْمُعَرَّفَةُ مِنَ الْجَمِيعِ وَلَمْ تَقَعِ الْعِبَادَةُ، فَأَرَادَ لِيَعْرِفُوهُ ثُمَّ يَعْبُدُوهُ عَلَى بِسَاطِ الْمَعْرِفَةِ، فَمَا جَبَرَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ رُبُوبِيَّتِهِ وَقَعَ، وَمَا رَدَّهُمْ فِيهِ إِلَى الِاكْتِسَابِ وَقَعَ مِنْ بَعْضٍ دُونِ بَعْضٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنَ الْكُفَّارِ التَّعَجُّبُ وَالْإِنْكَارُ مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ رَبٌّ وَإِلَهٌ؟ وَإِنَّمَا تَعَجَّبَتْ وَأَنْكَرَتِ التَّوْحِيدَ بِالْإِلَهِيَّةِ، فَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [سُورَةِ ص:5]، فَمَا أُرِيدَ مِنْهُمْ أَنْ يَقَعَ بِهِمْ عِلَلٌ، وَمَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ رُبُوبِيَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَبِيلٌ إِلَى إِنْكَارِهِ وَجَحْدِهِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمَعَارِفِ) .