والقائلون بالقدماء الخمسة قلت: هؤلاء كالمجوس القائلين بأن له أصلان: النور والظلمة، وهما قديمان، فإن هذا أحد قوليهم، والآخر أن الظلمة محدثة. كديمقراطيس ومن اتبعه، كابن زكريا الطبيب الملحد، يقولون بقدم الباري والنفس والمادة والدهر والخلاء.
فهؤلاء يجعلون الواجب أكثر من واحد، وهم مع هذا يقولون بأن أصله غير معلول، وطينته معلولة.
وأما من جعل المبدع أكثر من اثنين فهذا لا يعرف.
فقوله: منهم من زعم أن أصله وطينته معلولة يتناول هذا القول، [ ص: 258 ] كما يتناوله قول من جعل وجوب الوجود لعدة أشياء، وجعل غير ذلك من ذلك، وقد يحكى عن طائفة من القدماء أنهم قالوا: كانت أجزاء العالم مبثوثة، ثم إن الباري ألفها، لكن هؤلاء قد يقولون: إنها معلولة عن الواجب بنفسه، فإن هذا القول الذي قاله أئمة الفلاسفة وقدماؤهم وأساطينهم، وهو أن مادة العالم قديمة، وصنعته محدثة، لم يذكره ابن سينا، فإن هؤلاء لا يقولون: إن المادة غير معلولة، بل يقولون: هي مبدعة مفعولة للباري.
وهذا القول الذي هو قول أئمة الفلاسفة وأساطينهم لم يتعرض لحكايته، ولا لرده وإبطاله، وليس في كلامه ما يبطله. وقد قالوا: إن أول من قال بقدم صنعة العالم من هؤلاء الفلاسفة هو أرسطو، فهذا كلامه في حكاية مذاهبهم. وأما رده الأقوال التي حكاها بامتناع وجود واجبين فهو بناء على نفي الصفات، وهو توحيده الذي قد علم فساده، وبين ذلك في غير هذا الموضع.
ثم أخذ بعد ذلك في ذكر مقالة من قال بحدوث العالم من نفاة الأفعال القائمة به، ومن قال بقدمه، فلم يذكر إلا هذين القولين مع تلك الأقوال الثلاثة، فكان مجموع ما ذكره خمسة أقوال.