وإذا كان
جبريل نزل به من الله، وأنتم تقولون ليس هنا
جبريل منفصل عن النبي، وإنما
جبريل ما يتخيل في نفسه من الصور النورانية التي تخاطبه، وحينئذ فيكون من خلق في نفسه هذه الأصوات ابتداء قد كلمه الله تكليما، ومن خلقت فيه بواسطة هذه الصورة نزل
جبريل بها، فيكون ما يحصل لآحاد الناس من الأصوات التي يسمعها في نفسه أعظم من القرآن، وهي بأن تكون كلام الله أحق من القرآن، وتكون التوراة أعظم من القرآن.
وقد علم بالاضطرار من دين المسلمين أن
nindex.php?page=treesubj&link=20754_29752جبريل ملك حي متكلم، كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي، ليس هو مجرد ما يتخيل في نفسه.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إنه لقول رسول كريم nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذي قوة عند ذي العرش مكين nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مطاع ثم أمين إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=23ولقد رآه بالأفق المبين [التكوير: 19-23]، فأخبر أنه رسول كريم، ذو قوة عند ذي العرش، وأنه مطاع هناك أمين.
ومن المعلوم أن ما في نفوس البشر من الصور لا يوصف بهذا، وقال تعالى:
[ ص: 218 ] nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة فاستوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وهو بالأفق الأعلى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثم دنا فتدلى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين أو أدنى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11ما كذب الفؤاد ما رأى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=12أفتمارونه على ما يرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=13ولقد رآه نزلة أخرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=14عند سدرة المنتهى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=15عندها جنة المأوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=16إذ يغشى السدرة ما يغشى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17ما زاغ البصر وما طغى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=18لقد رأى من آيات ربه الكبرى [النجم: 5-18]، فأخبر أن معلمه معلم شديد القوى، وأنه ذو مرة.
والناس قد تنازعوا في المرئي مرتين، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة وغيرهما:
nindex.php?page=treesubj&link=30600هو جبريل، رآه على صورته التي خلق عليها مرتين، كما ثبت ذلك في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره: رأى ربه بفؤاده مرتين.
ومن المعلوم أنه إذا كان المرئي
جبريل، وأنه الذي رآه عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، وأنه استوى وهو بالأفق الأعلى -امتنع أن يكون
جبريل ما في نفسه. وإن كان المرئي هو الله، فهو أعظم.
ومن هؤلاء من يقول:
جبريل هو العقل الفعال، ويقول: ليس بضنين: أي ببخيل؛ لأنه فياض.
وهذا جهل؛ لأن قراءة الأكثرين: بظنين؛ أي بمتهم.
وهو المناسب، أي ما هو بمتهم على ما غاب عنا، بل هو أمين في إخباره بالغيب. وإذا قيل: ضنين، بمعنى بخيل، كان ذلك وصفا له بأنه لا يبخل بعلم الغيب، بل يبين الحق. ولهذا قال: على الغيب بظنين.
[ ص: 219 ]
وما يزعمونه من العقل الفعال هو عندهم تفيض منه جميع الأمور المشاهدة، فليس هنا غيب وشهادة.
ثم من المعلوم بالاضطرار من دين المسلمين أن
جبريل لم يبدع الأرض والجبال، والهواء والسحاب، والحيوان والمعدن والنبات. وهم يزعمون أن هذا العقل الفعال أبدع كل ما تحت فلك القمر. وقد بسط الكلام على هذا، وبين أن الملائكة التي وصفها الله في كتابه لا يصح أن تكون هي ما يذكرونه من العقول والنفوس بوجوه كثيرة.
قال: وبهذا باين لفظ القرآن الألفاظ التي ينطق بها في غير القرآن، أعني أن هذه الألفاظ هي فعل لنا بإذن الله.
وَإِذَا كَانَ
جِبْرِيلُ نَزَلَ بِهِ مِنَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ لَيْسَ هَنَا
جِبْرِيلُ مُنْفَصِلٌ عَنِ النَّبِيِّ، وَإِنَّمَا
جِبْرِيلُ مَا يَتَخَيَّلُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الصُّوَرِ النُّورَانِيَّةِ الَّتِي تُخَاطِبُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَنْ خَلَقَ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الْأَصْوَاتَ ابْتِدَاءً قَدْ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا، وَمَنْ خُلِقَتْ فِيهِ بِوَاسِطَةِ هَذِهِ الصُّورَةِ نَزَلَ
جِبْرِيلُ بِهَا، فَيَكُونُ مَا يَحْصُلُ لِآحَادِ النَّاسِ مِنَ الْأَصْوَاتِ الَّتِي يَسْمَعُهَا فِي نَفْسِهِ أَعْظَمَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَهِيَ بِأَنْ تَكُونَ كَلَامُ اللَّهِ أَحَقَّ مِنَ الْقُرْآنِ، وَتَكُونُ التَّوْرَاةُ أَعْظَمَ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20754_29752جِبْرِيلَ مَلَكٌ حَيٌّ مُتَكَلِّمٌ، كَانَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ، لَيْسَ هُوَ مُجَرَّدَ مَا يَتَخَيَّلُ فِي نَفْسِهِ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=23وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ [التَّكْوِيرُ: 19-23]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَسُولٌ كَرِيمٌ، ذُو قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ، وَأَنَّهُ مُطَاعٌ هُنَاكَ أَمِينٌ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ مِنَ الصُّوَرِ لَا يُوصَفُ بِهَذَا، وَقَالَ تَعَالَى:
[ ص: 218 ] nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=12أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=13وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=14عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=15عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=16إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=18لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النَّجْمُ: 5-18]، فَأَخْبَرَ أَنَّ مُعَلِّمَهُ مُعَلِّمٌ شَدِيدٌ الْقُوَى، وَأَنَّهُ ذُو مِرَّةٍ.
وَالنَّاسُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي الْمَرْئِيِّ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمَا:
nindex.php?page=treesubj&link=30600هُوَ جِبْرِيلُ، رَآهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَرْئِيُّ
جِبْرِيلَ، وَأَنَّهُ الَّذِي رَآهُ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، وَأَنَّهُ اسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى -امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ
جِبْرِيلُ مَا فِي نَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمَرْئِيُّ هُوَ اللَّهُ، فَهُوَ أَعْظَمُ.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ:
جِبْرِيلُ هُوَ الْعَقْلُ الْفَعَّالُ، وَيَقُولُ: لَيْسَ بِضَنِينٍ: أَيْ بِبَخِيلٍ؛ لِأَنَّهُ فَيَّاضٌ.
وَهَذَا جَهْلٌ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْأَكْثَرِينَ: بِظَنِينٍ؛ أَيْ بِمُتَّهَمٍ.
وَهُوَ الْمُنَاسِبُ، أَيْ مَا هُوَ بِمُتَّهَمٍ عَلَى مَا غَابَ عَنَّا، بَلْ هُوَ أَمِينٌ فِي إِخْبَارِهِ بِالْغَيْبِ. وَإِذَا قِيلَ: ضَنِينٌ، بِمَعْنَى بَخِيلٍ، كَانَ ذَلِكَ وَصْفًا لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَبْخَلْ بِعِلْمِ الْغَيْبِ، بَلْ يُبَيِّنُ الْحَقَّ. وَلِهَذَا قَالَ: عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ.
[ ص: 219 ]
وَمَا يَزْعُمُونَهُ مِنَ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ هُوَ عِنْدَهُمْ تُفِيضُ مِنْهُ جَمِيعُ الْأُمُورِ الْمُشَاهَدَةِ، فَلَيْسَ هُنَا غَيْبٌ وَشَهَادَةٌ.
ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ
جِبْرِيلَ لَمْ يُبْدِعِ الْأَرْضَ وَالْجِبَالَ، وَالْهَوَاءَ وَالسَّحَابَ، وَالْحَيَوَانَ وَالْمَعْدِنَ وَالنَّبَاتَ. وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا الْعَقْلَ الْفَعَّالَ أَبْدَعَ كُلَّ مَا تَحْتَ فَلَكِ الْقَمَرِ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا، وَبُيِّنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّتِي وَصَفَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هِيَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنَ الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.
قَالَ: وَبِهَذَا بَايَنَ لَفْظُ الْقُرْآنِ الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُنْطَقُ بِهَا فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ، أَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ هِيَ فِعْلٌ لَنَا بِإِذْنِ اللَّهِ.