قال: والأشعرية قد نفوا أن يكون المتكلم فعل الكلام؛ لأنهم تخيلوا أنهم إذا سلموا هذا الأصل، وجب أن يعترفوا أن الله فاعل لكلامه، ولما اعتقدوا أن المتكلم هو الذي يقوم الكلام بذاته، ظنوا أنه يلزمهم عن هذين الأصلين أن يكون الله فاعلا للكلام في ذاته، فتكون ذاته محلا للحوادث، فقالوا: المتكلم ليس فاعلا للكلام، وإنما هي صفة قديمة لذاته كالعلم وغير ذلك، وهذا يصدق على كلام النفس، ويكذب على الكلام الذي يدل على ما في النفس، وهو اللفظ.
والمعتزلة لما ظنوا أن الكلام هو ما فعله المتكلم، قالوا: إن الكلام هو اللفظ فقط.
ولهذا قال هؤلاء: إن اللفظ مخلوق.
واللفظ عند هؤلاء من حيث هو فعل، فليس من شرطه أن يقوم بفاعله، والأشعرية تتمسك بأن من شرطه أن يقوم بالمتكلم، وهذا صحيح في الشاهد في الكلامين معا: أعني كلام النفس، واللفظ الدال عليه. وأما في الخالق فكلام النفس هو الذي قام به، فأما الدال عليه فلم يقم به سبحانه. [ ص: 221 ]
والأشعرية لما شرطت بإطلاق أن يكون الكلام قائما بالمتكلم، أنكرت أن يكون المتكلم فاعلا للكلام على الإطلاق،والمعتزلة لما شرطت أن يكون المتكلم فاعلا للكلام بإطلاق أنكروا كلام النفس.
وفي قول كل واحدة من الطائفتين جزء من الحق وجزء من الباطل، على ما لاح لك من قولنا.
فيقال له: ليس فيما ذكرته قول الأشعرية ولا قول المعتزلة ولا جمعا بينهما وبل هو قول المتفلسفة والصابئة، الذين هم شر من اليهود والنصارى.
وذلك أن المعتزلة، وإن قالت: إن الكلام مفعول للرب، فإنها لا تجعلها محدثا في نفس المتكلم، بل يقولون: إنه مفعول في جسم منفصل عن المستمع، وهو آية من آيات الله التي يخلقها، ومن قال بقولك كفرته المعتزلة.