والأدلة القياسية الكلية التي يخصها باسم البرهان أهل المنطق ونحوهم، لا تدل إلا على أمر كلي. كقولنا: الإنسان محدث، وكل محدث فله محدث: ينتظم قضيتين كليتين. فقول القائل: الإنسان محدث، يعم كل إنسان، وعلمه بحدوث الإنسان المعين كعلمه بحدوث الإنسان الآخر، ليس علمه بهذه القضية الكلية أكمل من علمه بالواحد المعين، إلا أنه قد يجهل الإنسان حكم المعين، فيستدل عليه بنظيره. [ ص: 279 ]
وكذلك قول القائل: كل محدث فله محدث، فما من محدث يعلم حدوثه إلا وهو يعلم أن له محدثا، كما أنه يعلم أن للمحدث الآخر محدثا، ثم إذا علم أن للمحدث محدثا، فهذا علم مطلق كلي، ليس فيه معرفة بمعين، وليس هذا معرفة بالله تعالى.
وأما الآية فهي مختصة به، لا يشركه فيها غيره، فالإنسان، وغيره من الآيات تدل على عينه نفسه، لا تدل على نوع مطلق؛ إذ الدليل مستلزم للمدلول، وهذه الأدلة مستلزمة لعينه لافتقارها إليه، ليست مستلزمة لأمر مطلق كلي، إذا المطلق الكلي لا وجود له في الخارج.
لكن المستدل قد لا يعلم ابتداء استلزامها لنفسه، بل يعرف المشترك أولا، ثم المختص ثانيا، كمن يرى شخصا من بعيد، فيعلم أنه جسم، ثم يراه متحركا إليه، فيعلم أنه حيوان، ثم يراه منتصبا، فيعلم أنه إنسان، ثم يراه فيعلم أنه زيد مثلا، فكان علمه بعينه بحسب أدلته.
والناس تكلموا في أخص وصفه. والرب تعالى متميز عن غيره بجميع خصائصه.
فقال من قال من المعتزلة: هو القدم. وقال الأشعري وغيره: هو القدرة على الاختراع. وقال من قال من الفلاسفة: هو وجوب الوجود.