[ ص: 123 ] ثم
nindex.php?page=treesubj&link=29615_28840ملاحدة الباطنية يقولون: إن الرسل أرادوا إفهام الناس ما يتخيلونه، وإن لم يكن مطابقا للخارج، ويجعلون ذلك بمنزلة ما يراه النائم، فتفسير القرآن عندهم يشبه تعبير الرؤيا التي لا يفهم تعبيرها من ظاهرها، كرؤيا
يوسف والملك، بخلاف الرؤيا التي يكون ظاهرها مطابقا لباطنها.
وأما المسلمون من أهل الكلام النفاة فهم وإن كانوا يكفرون من يقول بهذا، فإما أن يتأولوا تأويلات يعلم بالضرورة أن الرسول لم يردها، وإما أن يقولوا: ما ندري ما أراد، فهم إما في جهل بسيط أو مركب، ومدار هؤلاء كلهم على أن العقل عارض ما دلت عليه النصوص.
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=29616_28722بين أهل الإثبات أن العقل مطابق موافق لما أخبرت به النصوص، ودلت عليه، لا معارض له، لكن المقصود هنا أن نبين أن القرآن والسنة فيهما من الدلالة على هذا الأصل ما لا يكاد يحصر، فمن له فهم في كتاب الله يستدل بما ذكر من النصوص على ما ترك، ومن عرف حقيقة قول النفاة علم أن القرآن مناقض لذلك مناقضة لا حيلة لهم فيها، وأن القرآن يثبت ما يقدر الله عليه ويشاؤه من أفعاله التي ليست هي نفس المخلوقات وغير أفعاله. ولولا ما وقع في كلام الناس من الالتباس والإجمال لما كان يحتاج أن يقال: الأفعال التي ليست هي
[ ص: 124 ] نفس المخلوقات، فإن المعقول عند جميع الناس أن الفعل المتعدي إلى مفعول ليس هو نفس المفعول، ولكن النفاة عندهم أن المخلوقات هي نفس فعل الله، ليس له فعل عندهم إلا نفس المخلوقات فلهذا احتيج إلى البيان.
ومما يدل على هذا الأصل ما علق بشرط، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2ومن يتق الله يجعل له مخرجا nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3ويرزقه من حيث لا يحتسب [ سورة الطلاق: 2 - 3] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله [ سورة آل عمران: 31] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا [ سورة الأنفال: 29] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا [ سورة الطلاق: 1] وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله [ سورة الكهف: 23، 24] وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=28ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله [ سورة محمد: 28].
وفي الجملة هذا في كتاب الله أكثر من أن يحصر.
[ ص: 123 ] ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29615_28840مَلَاحِدَةُ الْبَاطِنِيَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ الرُّسُلَ أَرَادُوا إِفْهَامَ النَّاسِ مَا يَتَخَيَّلُونَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلْخَارِجِ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ، فَتَفْسِيرُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ يُشْبِهُ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا الَّتِي لَا يُفْهَمُ تَعْبِيرُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، كَرُؤْيَا
يُوسُفَ وَالْمَلِكِ، بِخِلَافِ الرُّؤْيَا الَّتِي يَكُونُ ظَاهِرُهَا مُطَابِقًا لِبَاطِنِهَا.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ النُّفَاةِ فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا يُكَفِّرُونَ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا، فَإِمَّا أَنْ يَتَأَوَّلُوا تَأْوِيلَاتٍ يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُرِدْهَا، وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا: مَا نَدْرِي مَا أَرَادَ، فَهُمْ إِمَّا فِي جَهْلٍ بَسِيطٍ أَوْ مُرَكَّبٍ، وَمَدَارُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ عَارَضَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ.
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=29616_28722بَيَّنَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ أَنَّ الْعَقْلَ مُطَابِقٌ مُوَافِقٌ لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ، لَا مُعَارِضٌ لَهُ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فِيهِمَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَا لَا يَكَادُ يُحْصَرُ، فَمَنْ لَهُ فَهْمٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ يَسْتَدِلُّ بِمَا ذُكِرَ مِنَ النُّصُوصِ عَلَى مَا تُرِكَ، وَمَنْ عَرِفَ حَقِيقَةَ قَوْلِ النُّفَاةِ عَلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَاقِضٌ لِذَلِكَ مُنَاقَضَةً لَا حِيلَةَ لَهُمْ فِيهَا، وَأَنَّ الْقُرْآنَ يُثْبِتُ مَا يَقْدِرُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَشَاؤُهُ مِنْ أَفْعَالِهِ الَّتِي لَيْسَتْ هِيَ نَفْسَ الْمَخْلُوقَاتِ وَغَيْرَ أَفْعَالِهِ. وَلَوْلَا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ النَّاسِ مِنَ الِالْتِبَاسِ وَالْإِجْمَالِ لَمَا كَانَ يُحْتَاجُ أَنْ يُقَالَ: الْأَفْعَالُ الَّتِي لَيْسَتْ هِيَ
[ ص: 124 ] نَفْسَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَإِنَّ الْمَعْقُولَ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ إِلَى مَفْعُولٍ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْمَفْعُولِ، وَلَكِنَّ النُّفَاةَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ هِيَ نَفْسُ فِعْلِ اللَّهِ، لَيْسَ لَهُ فِعْلٌ عِنْدَهُمْ إِلَّا نَفْسَ الْمَخْلُوقَاتِ فَلِهَذَا احْتِيجَ إِلَى الْبَيَانِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [ سُورَةِ الطَّلَاقِ: 2 - 3] وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهَ [ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: 31] وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [ سُورَةِ الْأَنْفَالِ: 29] وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [ سُورَةِ الطَّلَاقِ: 1] وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [ سُورَةِ الْكَهْفِ: 23، 24] وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=28ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [ سُورَةِ مُحَمَّدٍ: 28].
وَفِي الْجُمْلَةِ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ.