قلت: فقد ذكر في بطلان هذا الدليل ثلاثة أوجه: الأرموي
أحدها: الفرق بين صحة أزلية الحدوث وأزلية صحة الحدوث، وسيأتي إن شاء الله الكلام فيه، وبيان أنه فرق فاسد.
لكن يقال: إن صح هذا الفرق بطل الدليل، وإن لم يصح لزم إمكان الحوادث في الأزل، ولزم إمكان وجود المقدور والمقبول في الأزل، وكلاهما يبطل [ ص: 213 ] الدليل، أو يقال: ما كان جوابا لكم عن المقدور كان جوابا لنا عن المقبول، أو يقال: إن صح هذا الفرق بطل الدليل، وإن لم يصح هذا الفرق فاللازم أحد أمرين: إما إمكان دوام الحوادث وإما امتناع دوامها، فإن كان اللازم هو الأول لزم إمكان وجود جنس الحوادث المقبولة في الأزل وبطل الدليل، وإن كان اللازم هو الثاني كان وجودها في الأزل ممتنعا.
وحينئذ فإذا جاز أن يقال: هو قادر عليها مع امتناع وجود المقدور أمكن أن يقال: هو قابل لها مع امتناع وجود المقبول.
وقول والفرق المذكور إن صح أغنى عن الدليل السابق وإلا بقي النقص. قد يقال: أراد به الفرق بين أزلية الصحة وصحة الأزلية. وقد يقال: عنى به الفرق بين القادر والقابل، فإن أراد الأول كان معنى كلامه: إن صح الفرق أمكن أن يكون قابلا لها في الأزل وتكون صحتها أزلية، أي لم تزل ممكنة صحيحة، مع امتناع صحة أزلية الحوادث كما يقولون، إذ لم تزل الحوادث ممكنة صحيحة جائزة مع امتناع كون الحادث أزليا، ويقولون: صحة الجواز وإمكانها أزلي لامتناع انقلابها من الامتناع إلى الإمكان من غير سبب حادث مع امتناع وجودها في الأزل وامتناع أزليتها. الأرموي:
وهذا الفرق ذكره في تهافت الفلاسفة الغزالي والرازي وغيرهما في جواب من قال بأن إمكان وجود المقدورات لا أصل له، فقالوا: نحن نقول: ونقول الشيء المعين بشرط كونه [ ص: 214 ] حادثا لا بداية لأزليته، ولا يلزم من ذلك إمكان وجود شيء من الحوادث في الأزل ؛ لأن كونه حادثا مع كونه أزليا ممتنع. إمكان الحوادث لا بداية لها،
وهذا الفرق عند التحقيق باطل، فإنه مستلزم للجمع بين النقيضين، فإن الحادث يجب أن يكون مسبوقا بالعدم.