الوجه الثالث: أن دعوى المدعي أن الجمهور إنما يلزمهم تجدد الإضافات والأحوال والأعدام، لا تجدد الحادث الذي وجد بعد العدم، ذاتا كان أو صفة، دعوى ممنوعة لم يقم عليها دليلا، بل الدليل يدل على أن أولئك الطوائف يلزمهم قيام أمور وجودية حادثة بذاته، مثال ذلك سبحانه وتعالى يسمع ويرى ما يخلقه من الأصوات والمرئيات.
وقد أخبر القرآن بحدوث ذلك في مثل قوله: [ ص: 240 ] وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون [ سورة التوبة: 105] وقوله تعالى: ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون [ سورة يونس: 14].
وقد أخبر بسمعه ورؤيته في مواضع كثيرة، كقوله لموسى وهارون: إنني معكما أسمع وأرى [ سورة طه: 46] وقوله: الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين [ سورة الشعراء: 218 - 219] وقوله: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء [ سورة آل عمران: 181].
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله [ سورة المجادلة: 1].
وفي الصحيح " عن رضي الله تعالى عنها قالت: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، لقد كانت المجادلة تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب البيت، وإنه ليخفى علي بعض كلامها، فأنزل الله تعالى: عائشة قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله "، ومثل هذا كثير.
فيقال لهؤلاء: أنتم معترفون وسائر العقلاء بما هو معلوم بصريح العقل أن المعدوم لا يرى موجودا قبل وجوده، فإذا وجد فرآه موجودا وسمع كلامه فهل حصل أمر وجودي لم يكن قبل، أو لم يحصل شيء؟ [ ص: 241 ] فإن قيل: لم يحصل أمر وجودي، وكان قبل أن يخلق لا يراه، فيكون بعد خلقه لا يراه أيضا، وإن قيل: حصل أمر وجودي، فذلك الوجودي إما أن يقوم بذات الرب، وإما أن يقوم بغيره، فإن قام بغيره لزم أن يكون غير الله هو الذي رآه، وإن قام بذاته علم أنه قام به رؤية ذلك الموجود الذي وجد، كما قال تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون [ سورة التوبة: 105]، وما سموه إضافات وأحوالا وتعلقات وغير ذلك.
يقال لهم: هذه أمور موجودة أو ليست موجودة؟ فإن لم تكن موجودة فلا فرق بين حاله قبل أن يرى ويسمع وبعد أن يرى ويسمع، فإن العدم المستمر لا يوجب كونه صار رائيا سامعا، وإن قلتم: بل هي أمور وجودية، فقد أقررتم بأن رؤية الشيء المعين لم تكن حاصلة، ثم صارت حاصلة بذاته، وهي أمر وجودي.