الوجه السادس: أن هذا الإجماع حجة عليهم، فإنا إذا عرضنا على العقول موجودين أحدهما يمكنه أن يتكلم ويفعل بمشيئته كلاما وفعلا يقوم به والآخر لا يمكنه ذلك بل لا يكون كلامه إلا غير مقدور له ولا مراد، أو يكون بائنا عنه - لكانت العقول تقضي بأن الأول أكمل موجودين وكذلك إذا عرضنا على العقول [ ص: 340 ] موجودين من المخلوقين، أو موجودين مطلقا، أحدهما يقدر على الذهاب والمجيء والتصرف بنفسه، والآخر لا يمكنه ذلك - لكانت العقول تقضي بأن الأول أكمل من الثاني، كما أنا إذا عرضنا على العقل موجودين من المخلوقين أو موجودين مطلقا، أحدهما حي عليم قدير، والآخر لا حياة له ولا علم ولا قدرة، لكانت العقول تقضي بأن الأول أكمل من الثاني. فنفس ما به يعلم أن اتصافه بالحياة والعلم والقدرة صفة كمال، به يعلم أن اتصافه بالأفعال والأقوال الاختيارية التي تقوم به. التي بها يفعل المفعولات المباينة، صفة كمال.
وهذه الطريقة هي من أعظم الطرق في إثبات الصفات، وكان السلف يحتجون بها، ويثبتون أن من عبد إلها لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم، فقد عبد ربا ناقصا معيبا مؤوفا، ويثبتون أن هذه صفات كمال، فالخالي عنه ناقص. [ ص: 341 ] والعقلاء متفقون على أن الأعيان المتحركة، أو التي تقبل الحركة، أكمل من الأعيان التي لا تقبل الحركة، كما أنهم متفقون على أن الأعيان الموصوفة بالعلم والقدرة والسمع والبصر، أو التي تقبل الاتصاف بذلك أكمل من الأعيان التي لا تتصف بذلك ولا تقبل الاتصاف به.
ومن المعلوم أن كل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه يثبت للمخلوق، فالخالق أحق به، وكل نقص تنزه عنه مخلوق، فالخالق سبحانه أحق بتنزيهه عنه.