ومنهم من يقول: بل هو علة مبدعة فاعلة للأفلاك، كما يقوله وأتباعه، وليس هذا أيضا قولهم. ابن سينا
ولكن كثير من هؤلاء المتأخرين لا يعرفون من مذاهب الفلاسفة إلا ما ذكره ابن سينا، كأبي حامد الغزالي والرازي وغيرهم، ويذكرون ما ذكره والآمدي من حججه، كما ذكره ابن سينا في هذا الموضع، حيث قال: (إن الآمدي . [ ص: 67 ] العلة أو الفاعل لا يفتقر في كونه علة إلى سبق العدم، لأن تأثير العلة في المعلول إنما هو في حال وجود المعلول)
فيقال لهم: ليس في هذا ما يدل على أن المعلول يجوز أن يكون قديما أزليا غير مسبوق بالعدم، بل قولكم: "وإذ ذاك فلا فرق بين أن يكون المعلول وجوده مسبوقا بالعدم، أو غير مسبوق" دعوى مجردة.
فتبين أن ما ذكره وغيره من امتناع الافتراق بين العلة والمعلول في الزمن، ووجوب مقارنتهما في الزمن، من أضعف الحجج، بل ما ذكره لا يدل على جواز الاقتران، فضلا عن أن يدل على وجوب الاقتران، بل غاية ما ذكره أن سبق العدم ليس بشرط في إيجاد العلة، ولا يلزم من كونه ليس بشرط وجوب الاقتران، بل قد يقال بجواز الاقتران، وجواز التأخير. الآمدي
وحينئذ فلقائل أن يقول: هذا الذي ذكرته، وإن كان باطلا، كما قد بسط في غير هذا الموضع، وبين فيه أن للناس في هذا المقام ثلاثة أقوال:
قيل: يجوز أن يقارن المعلول العلة في الزمان، فيقترن الأثر [ ص: 68 ] بالمؤثر في الزمان، كما يقوله ومتابعوه. ابن سينا
وقيل: بل يجب تراخي الأثر عن المؤثر وتأثيره، كما يقوله أكثر المتكلمين.
وقيل: بل الأثر يتعقب التأثير، ولا يكون معه في الزمان، ولا يكون متراخيا عنه، وهذا هو الصواب، كما قال تعالى: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [سورة النحل: 40] ولهذا يقال: طلقت المرأة فطلقت، وأعتقت العبد فعتق، فالعتق والطلاق عقب التطليق والإعتاق، لا يقترن به ولا يتأخر عنه.
وبين أن من قال باقتران الأثر بالمؤثر كما يقوله هؤلاء المتفلسفة، فإن ذلك يستلزم أن لا يكون لشيء من الحوادث فاعل، ويستلزم أن لا يحدث شيء في العالم، ومن قال بالتراخي فقوله يستلزم أن المؤثر التام لا يستلزم الأثر، بل يحدث الحادث بلا سبب حادث، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن هذا الجواب الذي ذكره هو مأخوذ من كلام وهو مع فساده غايته أن المعلول يجوز أن يقارن وجوده وجود [ ص: 69 ] العلة، لا يجب أن يكون مسبوقا بالعدم مع وجود العلة، وليس في هذا بيان أنه يمتنع تأخر وجوده عن وجود العلة. ابن سينا،