وأما المقدمة الثانية: فلو كان وهؤلاء ظنوا أنه العلم بالوجود بما هو موجود، وظنوا أن العالم أبدي أزلي. فإذا حصل له العلم بالوجود الأزلي الأبدي كملت نفسه. كمال النفس في مجرد العلم، فليس هو أي علم كان بأي معلوم كان، بل هو الذي لا بد منه: العلم بالله.
وعلى هذا بنى أبو يعقوب السجستاني وغيره من شيوخ الفلسفة والباطنية أقوالهم. وكذلك أمثالهم من الفلاسفة وغيره. كالفارابي -وإن كان أقرب إلى الإسلام منهم- ففيه من الإلحاد بحسبه. وابن سينا وإن سلك أحيانا مسلكهم، لكنه لا يجعل العلم بمجرد الوجود موجبا للسعادة، بل يجعل ذلك في العلم بالله، وقد يقول في بعض كتبه: إنه العلم بالأمور الباقية، وهذا كلامهم. وأبو حامد،
فمن قال: إن العالم أزلي أبدي قال بقولهم، ومن قال: إن كل ما سوى الله كان معدوما ثم وجد لم يلزمه ذلك. وابن عربي وابن [ ص: 276 ] سبعين ونحوهما جمعوا بين المسلكين، فصاروا يجعلون كمال النفس هو العلم بالوجود المطلق، ويقولون: إن الله هو الوجود المطلق، فأخذوا من طريقة الصوفية: أنه العلم بالله، وأخذوا من كلام هؤلاء: أنه العلم بالوجود المطلق، وجمعوا بينهما، فقالوا: إن الله هو الوجود المطلق.