قال
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي: "الحجة الرابعة: أنه لو قامت الحوادث بذاته لكان متغيرا ، والتغير على الله محال ، ولهذا قال
الخليل عليه السلام:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76لا أحب الآفلين [سورة الأنعام : 76] ، أي المتغيرين" .
قال: "ولقائل أن يقول: إن أردتم بالتغير حلول الحوادث بذاته ، فقد اتحد اللازم والملزوم ، وصار حاصل المقدمة الشرطية: لو قامت الحوادث بذاته ، لقامت الحوادث بذاته وهو غير مفيد ، ويكون القول بأن: التغير على الله بهذا الاعتبار محال ، دعوى محل
[ ص: 72 ] النزاع فلا يقبل ، وإن أردتم بالتغير معنى آخر وراء قيام الحوادث بذات الله تعالى، فهو غير مسلم ، ولا سبيل إلى إقامة الدلالة عليه" .
قلت : لفظ "التغير" في كلام الناس المعروف هو يتضمن استحالة الشيء، كالإنسان إذا مرض، يقال غيره المرض . ويقال في الشمس إذا اصفرت تغيرت. والأطعمة إذا استحالت يقال لها: تغيرت. قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين [سورة محمد : 15]. فتغير الطعم استحالته من الحلاوة إلى الحموضة، ونحو ذلك .
ومنه قول الفقهاء: إذا وقعت النجاسة في الماء الكثير لم ينجس ، إلا أن يتغير طعمه أو لونه أو ريحه، وقولهم إذا نجس الماء بالتغير زال بزوال التغير. ولا يقولون: إن الماء إذا جرى مع بقاء صفائه أنه تغير، ولا يقال عند الإطلاق للفاكهة والطعام إذا حول من مكان إلى مكان: أنه تغير . ولا يقال للإنسان إذا مشى أو قام أو قعد: قد تغير، اللهم إلا مع قرينة ، ولا يقولون للشمس والكواكب إذا كانت
[ ص: 73 ] ذاهبة من المشرق إلى المغرب: إنها متغيرة ، بل يقولون إذا اصفر لون الشمس: إنها تغيرت، ويقال: وقت العصر ما لم يتغير لون الشمس [ويقولون: تغير الهواء ، إذا برد بعد السخونة ، ولا يكادون يسمون مجرد هبوبه تغيرا ، وإن سمي بذلك فهم يفرقون بين هذا وهذا]، ويقال : قد أمر أهل الذمة بلباس الغيار ، أي اللباس الذي يخالف [لونه] لون لباس المسلمين: وتقول العرب : تغايرت الأشياء، إذا اختلفت، والغيار: البدال .
قال الشاعر :
فلا تحسبني لكم كافرا . . . ولا تحسبني أريد الغيارا
ويقولون: نزل القوم يغيرون: أي يصلحون الرحال .
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=911558لما أتي بأبي قحافة ورأسه ولحيته كالثغامة، فقال: غيروا الشيب ، وجنبوه السواد . أي غيروا لونه إلى لون آخر: أحمر أو أصفر . وتقول العرب: غيرت الشيء فتغير غيرا.
[ ص: 74 ]
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=696457عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره. أي قرب تغيره من الجدب إلى الخصب .
وغار الرجل على أهله يغار ، إذا حصل له غضب أحال صفته من حال إلى حال .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=671183من رأى منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=105398إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه. [ ص: 75 ]
وتغيير المنكر تبديل صفته حتى يزول المنكر بحسب الإمكان ، وإن لم يكن إلا بتغير الإنسان في نفسه غضبا لله .
ولهذا لم يطلق على الصفة الملازمة للموصوف أنها مغايرة له ، لأنه لا يمكن أن يستحيل عنها ولا يزايل .
والغير والتغير من مادة واحدة، فإذا تغير الشيء صار الثاني غير ما كان، فما لم يزل على صفة واحدة لم يتغير، ولا تكون صفاته مغايرة له .
والناس إذا قيل لهم: التغير على الله ممتنع ، فهموا من ذلك الاستحالة والفساد ، مثل انقلاب صفات الكمال إلى صفات نقص ، أو تفرق الذات ، ونحو ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=29442مما يجب تنزيه الله عنه .
وأما كونه سبحانه يتصرف بقدرته ، فيخلق ويستوي ويفعل ما يشاء بنفسه، ويتكلم إذا شاء ، ونحو هذا لا يسمونه تغيرا .
ولكن حجج النفاة مبناها على ألفاظ مجملة موهمة ، كما قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم، حتى يتوهم الجاهل أنهم يعظمون الله ، وهم إنما يقودون قولهم إلى فرية على الله .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14552الْآمِدِيُّ: "الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَوْ قَامَتِ الْحَوَادِثُ بِذَاتِهِ لَكَانَ مُتَغَيِّرًا ، وَالتَّغَيُّرُ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ ، وَلِهَذَا قَالَ
الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 76] ، أَيِ الْمُتَغَيِّرِينَ" .
قَالَ: "وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنْ أَرَدْتُمْ بِالتَّغَيُّرِ حُلُولَ الْحَوَادِثِ بِذَاتِهِ ، فَقَدِ اتَّحَدَ اللَّازِمُ وَالْمَلْزُومُ ، وَصَارَ حَاصِلُ الْمُقَدِّمَةِ الشَّرْطِيَّةِ: لَوْ قَامَتِ الْحَوَادِثُ بِذَاتِهِ ، لَقَامَتِ الْحَوَادِثُ بِذَاتِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ بِأَنَّ: التَّغَيُّرَ عَلَى اللَّهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُحَالٌ ، دَعْوَى مَحَلِّ
[ ص: 72 ] النِّزَاعِ فَلَا يُقْبَلُ ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالتَّغَيُّرِ مَعْنًى آخَرَ وَرَاءَ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ" .
قُلْتُ : لَفْظُ "التَّغَيُّرِ" فِي كَلَامِ النَّاسِ الْمَعْرُوفِ هُوَ يَتَضَمَّنُ اسْتِحَالَةَ الشَّيْءِ، كَالْإِنْسَانِ إِذَا مَرِضَ، يُقَالُ غَيَّرَهُ الْمَرَضُ . وَيُقَالُ فِي الشَّمْسِ إِذَا اصْفَرَّتْ تَغَيَّرَتْ. وَالْأَطْعِمَةُ إِذَا اسْتَحَالَتْ يُقَالُ لَهَا: تَغَيَّرَتْ. قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [سُورَةُ مُحَمَّدٍ : 15]. فَتَغَيُّرُ الطَّعْمِ اسْتَحَالَتُهُ مِنَ الْحَلَاوَةِ إِلَى الْحُمُوضَةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: إِذَا وَقَعَتِ النَّجَاسَةُ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ لَمْ يَنْجُسْ ، إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَقَوْلُهُمْ إِذَا نَجُسَ الْمَاءُ بِالتَّغَيُّرِ زَالَ بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ. وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَاءَ إِذَا جَرَى مَعَ بَقَاءِ صَفَائِهِ أَنَّهُ تَغَيَّرَ، وَلَا يُقَالُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْفَاكِهَةِ وَالطَّعَامِ إِذَا حُوِّلَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ: أَنَّهُ تَغَيَّرَ . وَلَا يُقَالُ لِلْإِنْسَانِ إِذَا مَشَى أَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ: قَدْ تَغَيَّرَ، اللَّهُمَّ إِلَّا مَعَ قَرِينَةٍ ، وَلَا يَقُولُونَ لِلشَّمْسِ وَالْكَوَاكِبِ إِذَا كَانَتْ
[ ص: 73 ] ذَاهِبَةً مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ: إِنَّهَا مُتَغَيِّرَةٌ ، بَلْ يَقُولُونَ إِذَا اصْفَرَّ لَوْنُ الشَّمْسِ: إِنَّهَا تَغَيَّرَتْ، وَيُقَالُ: وَقْتَ الْعَصْرِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُ الشَّمْسِ [وَيَقُولُونَ: تَغَيَّرَ الْهَوَاءُ ، إِذَا بَرُدَ بَعْدَ السُّخُونَةِ ، وَلَا يَكَادُونَ يُسَمُّونَ مُجَرَّدَ هُبُوبِهِ تَغَيُّرًا ، وَإِنْ سُمِّيَ بِذَلِكَ فَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا]، وَيُقَالُ : قَدْ أُمِرَ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِلِبَاسِ الْغِيَارِ ، أَيِ اللِّبَاسُ الَّذِي يُخَالِفُ [لَوْنُهُ] لَوْنَ لِبَاسِ الْمُسْلِمِينَ: وَتَقُولُ الْعَرَبُ : تَغَايَرَتِ الْأَشْيَاءُ، إِذَا اخْتَلَفَتْ، وَالْغِيَارُ: الْبِدَالُ .
قَالَ الشَّاعِرُ :
فَلَا تَحْسَبَنِّي لَكُمْ كَافِرًا . . . وَلَا تَحْسَبَنِّي أُرِيدُ الْغِيَارَا
وَيَقُولُونَ: نَزَلَ الْقَوْمُ يُغَيِّرُونَ: أَيْ يُصْلِحُونَ الرِّحَالَ .
وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=911558لَمَّا أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ، فَقَالَ: غَيِّرُوا الشَّيْبَ ، وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ . أَيْ غَيِّرُوا لَوْنَهُ إِلَى لَوْنٍ آخَرَ: أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ . وَتَقُولُ الْعَرَبُ: غَيَّرْتُ الشَّيْءَ فَتَغَيَّرَ غَيْرًا.
[ ص: 74 ]
وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=696457عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرَهِ. أَيْ قُرْبُ تَغَيُّرِهِ مِنَ الْجَدْبِ إِلَى الْخِصْبِ .
وَغَارَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَغَارُ ، إِذَا حَصَلَ لَهُ غَضَبٌ أَحَالَ صِفَتَهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=671183مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ.
وَقَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=105398إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ. [ ص: 75 ]
وَتَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ تَبْدِيلُ صِفَتِهِ حَتَّى يَزُولَ الْمُنْكَرُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِتَغَيُّرِ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ غَضَبًا لِلَّهِ .
وَلِهَذَا لَمْ يُطْلَقْ عَلَى الصِّفَةِ الْمُلَازِمَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَنَّهَا مُغَايِرَةٌ لَهُ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحِيلَ عَنْهَا وَلَا يُزَايِلَ .
وَالْغَيْرُ وَالتَّغَيُّرُ مِنْ مَادَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا تَغَيَّرَ الشَّيْءُ صَارَ الثَّانِي غَيْرَ مَا كَانَ، فَمَا لَمْ يَزَلْ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَا تَكُونُ صِفَاتُهُ مُغَايِرَةً لَهُ .
وَالنَّاسُ إِذَا قِيلَ لَهُمُ: التَّغَيُّرُ عَلَى اللَّهِ مُمْتَنِعٌ ، فَهِمُوا مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِحَالَةَ وَالْفَسَادَ ، مِثْلَ انْقِلَابِ صِفَاتِ الْكَمَالِ إِلَى صِفَاتِ نَقْصٍ ، أَوْ تَفَرُّقُ الذَّاتِ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=29442مِمَّا يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْهُ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ يَتَصَرَّفُ بِقُدْرَتِهِ ، فَيَخْلُقُ وَيَسْتَوِي وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ بِنَفْسِهِ، وَيَتَكَلَّمُ إِذَا شَاءَ ، وَنَحْوُ هَذَا لَا يُسَمُّونَهُ تَغَيُّرًا .
وَلَكِنَّ حُجَجَ النُّفَاةِ مَبْنَاهَا عَلَى أَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ مُوهِمَةٍ ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ : يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْكَلَامِ، وَيُلَبِّسُونَ عَلَى جُهَّالِ النَّاسِ بِمَا يُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَتَوَهَّمَ الْجَاهِلُ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ اللَّهَ ، وَهُمْ إِنَّمَا يَقُودُونَ قَوْلَهُمْ إِلَى فِرْيَةٍ عَلَى اللَّهِ .