قال : "الوجه الثالث -يعني في بيان تناقضهم- أن [من] مذهبهم أبو الحسن الآمدي ، وأنه يجوز في الشاهد تعري [ ص: 103 ] الجواهر عن الأقوال والإرادات ، والطعوم والروائح والألوان ، مع جواز اتصافها بها ، وقد أحالوا قيام الألوان والطعوم والروائح بذات الله تعالى ، وجوزوا ذلك في القول والإرادة ، ولو قيل لهم : لم قضيتم بجواز قيام الطعوم والألوان والروائح بذات الله تعالى من غير أن يلزم استحالة التعري عنها ، كما في القول الحادث والإرادة الحادثة ، لم يجدوا إلى الفرق سبيلا" . أن القول الحادث والإرادة الحادثة عرض كاللون والطعم والرائحة
فيقال : ولقائل أن يقول : جوابهم في هذا كجواب الأشعرية والسالمية ، إذا قيل لهم : لم وصفتم الرب بالقول والإرادة ، ولم تصفوه بالطعم واللون والريح؟
فإذا قالوا : لأن القول والإرادة من الصفات المشروطة بالحياة ، وهي صفة كمال، بخلاف الطعم واللون والريح ، أو غير هذا من الفرق -قالت الكرامية نظير ذلك ، فالفرق بين هذا وهذا ليس من خصائص مسألة حلول الحوادث ، فإن نفي ذلك عند من ينفيه واجب ، سواء قال بحلول الحوادث أو لم يقل ، وإنما يفترقان في أن هذا يجوز حدوث ذلك بخلاف الآخر ، فحاصله أنهم لم ينفوا الطعم واللون والريح ، لكونه لو قبلها لم يخل منها ، فإن هذا الأصل عندهم [ ص: 104 ] فاسد ، بل نفوها لما فارقت به صفات الحي .
وأيضا فيقال: الفرق الذي فرقوا به بين اللون والريح وبين القول والإرادة ، إما أن يكون مؤثرا ، وإما أن لا يكون . فإن كان مؤثرا بطل الإلزام ، وإن لم يكن مؤثرا لزم خطؤهم في إحدى الصورتين لا بعينها ، فلم لا يجوز أن يكون الخطأ فيما نفوه لا فيما أثبتوه ، فلا يدل على صحة قول المنازع لهم فيما أثبتوه ، فإن أقام المنازع لهم دليلا عقليا أو سمعيا على نفي اللون والريح ، دون القول والإرادة ، كان ذلك فرقا مؤثرا ، وإن أقام دليلا على نفي حلول الجميع ، كان ذلك حجة كافية دون الإلزام .