وأيضا فنفي ذلك معروف بالدلائل العقلية التي لا تقبل النقيض ، كما قد بسط الكلام على ذلك في غير موضع ، وأفردنا الكلام على قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء [سورة الشورى : 11] في مصنف مفرد .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28730الكلام في الجسم والجوهر، ونفيهما أو إثباتهما ، فبدعة ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنة رسوله ، ولا تكلم أحد من السلف والأئمة بذلك، لا نفيا ولا إثباتا .
والنزاع بين المتنازعين في ذلك: بعضه لفظي ، وبعضه معنوي . أخطأ هؤلاء من وجه ، وهؤلاء من وجه. فإن كان النزاع مع من يقول: هو جسم أو جوهر ، إذا قال: لا كالأجسام ولا كالجواهر، إنما هو في اللفظ ، فمن قال: هو كالأجسام والجواهر، يكون الكلام معه بحسب ما يفسره من المعنى .
فإن فسر ذلك بالتشبيه الممتنع على الله تعالى، كان قوله مردودا. وذلك بأن يتضمن قوله إثبات شيء من خصائص المخلوقين لله، فكل قول تضمن هذا فهو باطل .
[ ص: 147 ]
وإن فسر قوله : جسم لا كالأجسام بإثبات معنى آخر، مع تنزيه الرب عن خصائص المخلوقين، كان الكلام معه في ثبوت ذلك المعنى وانتفائه .
فلا بد أن يلحظ في هذا المقام إثبات شيء من خصائص المخلوقين للرب أولا، وذلك مثل أن يقول: أصفه بالقدر المشترك بين سائر الأجسام والجواهر ، كما أصفه بالقدر المشترك بينه وبين سائر الموجودات، وبين كل حي عليم سميع بصير ، وإن كنت لا أصفه بما تختص به المخلوقات ، وإلا فلو قال الرجل: هو حي لا كالأحياء، وقادر لا كالقادرين، وعليم لا كالعلماء، وسميع لا كالسمعاء ، وبصير لا كالبصراء، ونحو ذلك، وأراد بذلك نفي خصائص المخلوقين فقد أصاب .
وإن أراد نفي الحقيقة التي للحياة والعلم والقدرة ونحو ذلك، مثل أن يثبت الألفاظ وينفي المعنى الذي أثبته الله لنفسه ، وهو من صفات كماله، فقد أخطأ .
إذا تبين هذا فالنزاع بين مثبتة الجوهر والجسم ونفاته ، يقع من جهة المعنى في شيئين: أحدهما: أنهم متنازعون في تماثل الأجسام والجواهر على قولين معروفين .
فمن قال بتماثلها، قال: كل من قال: إنه جسم لزمه التمثيل .
ومن قال إنها لا تتماثل، قال: إنه لا يلزمه التمثيل .
[ ص: 148 ]
ولهذا كان أولئك يسمون المثبتين للجسم مشبهة، بحسب ما ظنوه لازما لهم، كما يسمي نفاة الصفات لمثبتيها مشبهة ومجسمة ، حتى سموا جميع المثبتة للصفات مشبهة ومجسمة وحشوية، وغثاء ، وغثراء ، ونحو ذلك، بحسب ما ظنوه لازما لهم .
لكن إذا عرف أن صاحب القول لا يلتزم هذه اللوازم ، لم يجز نسبتها إليه على أنها قول له، سواء كانت لازمة في نفس الأمر أو غير لازمة ، بل إن كانت لازمة مع فسادها، دل على فساد قوله .
وعلى هذا فالنزاع بين هؤلاء وهؤلاء في تماثل الأجسام، وقد بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع ، وبين الكلام على جميع حججهم .
والثاني أن مسمى الجسم في اصطلاحهم قد تنازعوا فيه: هل هو مركب من أجزاء منفردة؟ أو من الهيولى والصورة؟ أو لا مركب لا من هذا ولا من هذا؟
وإذا كان مركبا: فهل هو جزآن ، أو ستة أجزاء، أو ثمانية أجزاء، أو ستة عشر جزءا، أو اثنان وثلاثون؟
هذا كله مما تنازع فيه هؤلاء. فمثبتو التركيب المتنازع فيه في الجسم يقولون لأولئك: إنه لازم لكم، إذا قالوا: هو جسم، وأولئك ينفون هذا اللزوم .
[ ص: 149 ]
وقد يكون في المجسمة من يقول: إنه جسم مركب من الجواهر المنفردة، وينازعهم في امتناع مثل هذا التركيب عليه، ويقول: لا حجة لكم على نفي ذلك إلا ما أقمتموه من الأدلة على كون الأجسام محدثة أو ممكنة ، وكلها أدلة باطلة ، كما بسط في موضعه .
وبينهم نزاع في أمور أخرى ينازعهم فيها من لا يقول: هو جسم ، مثل كونه فوق العالم، أو كونه ذا قدر، أو كونه متصفا بصفات قائمة به . فالنفاة يقولون : هذه لا تقوم إلا بجسم ، وأولئك قد ينازعونهم في هذا أو بعضه ، وينازعونهم في انتفاء هذا المعنى الذي سموه جسما، فهم ينازعون: إما في التلازم، وإما في انتفاء اللازم .
إذا تبين أن هذه الأمور كلها ترجع إلى هذه الأمور الثلاثة، فإن الحجج الثماني التي ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي: أربعة على نفي الجوهر ، وأربعة مختصة بالجسم .
وَأَيْضًا فَنَفْيُ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ النَّقِيضَ ، كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَأَفْرَدْنَا الْكَلَامَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [سُورَةُ الشُّورَى : 11] فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28730الْكَلَامُ فِي الْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ، وَنَفْيِهِمَا أَوْ إِثْبَاتِهِمَا ، فَبِدْعَةٌ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَلَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ بِذَلِكَ، لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا .
وَالنِّزَاعُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ فِي ذَلِكَ: بَعْضُهُ لَفْظِيٌّ ، وَبَعْضُهُ مَعْنَوِيٌّ . أَخْطَأَ هَؤُلَاءِ مِنْ وَجْهٍ ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ وَجْهٍ. فَإِنْ كَانَ النِّزَاعُ مَعَ مَنْ يَقُولُ: هُوَ جِسْمٌ أَوْ جَوْهَرٌ ، إِذَا قَالَ: لَا كَالْأَجْسَامِ وَلَا كَالْجَوَاهِرِ، إِنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظِ ، فَمَنْ قَالَ: هُوَ كَالْأَجْسَامِ وَالْجَوَاهِرِ، يَكُونُ الْكَلَامُ مَعَهُ بِحَسَبِ مَا يُفَسِّرُهُ مِنَ الْمَعْنَى .
فَإِنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِالتَّشْبِيهِ الْمُمْتَنِعِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَانَ قَوْلُهُ مَرْدُودًا. وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَضَمَّنَ قَوْلُهُ إِثْبَاتَ شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ لِلَّهِ، فَكُلُّ قَوْلٍ تَضَمَّنَ هَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ .
[ ص: 147 ]
وَإِنْ فَسَّرَ قَوْلَهُ : جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ بِإِثْبَاتِ مَعْنًى آخَرَ، مَعَ تَنْزِيهِ الرَّبِّ عَنْ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ، كَانَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَانْتِفَائِهِ .
فَلَا بُدَّ أَنْ يَلْحَظَ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِثْبَاتَ شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ لِلرَّبِّ أَوَّلًا، وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَصِفُهُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ سَائِرِ الْأَجْسَامِ وَالْجَوَاهِرِ ، كَمَا أَصِفُهُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ، وَبَيْنَ كُلِّ حَيٍّ عَلِيمٍ سَمِيعٍ بَصِيرٍ ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَصِفُهُ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الْمَخْلُوقَاتُ ، وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ: هُوَ حَيٌّ لَا كَالْأَحْيَاءِ، وَقَادِرٌ لَا كَالْقَادِرِينَ، وَعَلِيمٌ لَا كَالْعُلَمَاءِ، وَسَمِيعٌ لَا كَالسُّمَعَاءِ ، وَبَصِيرٌ لَا كَالْبُصَرَاءِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ فَقَدْ أَصَابَ .
وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ الَّتِي لِلْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِثْلَ أَنْ يُثْبِتَ الْأَلْفَاظَ وَيَنْفِيَ الْمَعْنَى الَّذِي أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ، فَقَدْ أَخْطَأَ .
إِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَالنِّزَاعُ بَيْنَ مُثْبِتَةِ الْجَوْهَرِ وَالْجِسْمِ وَنُفَاتِهِ ، يَقَعُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ مُتَنَازِعُونَ فِي تَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ وَالْجَوَاهِرِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ .
فَمَنْ قَالَ بِتَمَاثُلِهَا، قَالَ: كُلُّ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ جِسْمٌ لَزِمَهُ التَّمْثِيلُ .
وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا لَا تَتَمَاثَلُ، قَالَ: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّمْثِيلُ .
[ ص: 148 ]
وَلِهَذَا كَانَ أُولَئِكَ يُسَمُّونَ الْمُثْبِتِينَ لِلْجِسْمِ مُشَبِّهَةً، بِحَسَبِ مَا ظَنُّوهُ لَازِمًا لَهُمْ، كَمَا يُسَمِّي نُفَاةُ الصِّفَاتِ لِمُثْبِتِيهَا مُشَبِّهَةً وَمُجَسِّمَةً ، حَتَّى سَمَّوْا جَمِيعَ الْمُثْبِتَةِ لِلصِّفَاتِ مُشَبِّهَةً وَمُجَسِّمَةً وَحَشْوِيَّةً، وَغُثَاءً ، وَغَثْرَاءَ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، بِحَسَبِ مَا ظَنُّوهُ لَازِمًا لَهُمْ .
لَكِنْ إِذَا عُرِفَ أَنَّ صَاحِبَ الْقَوْلِ لَا يَلْتَزِمُ هَذِهِ اللَّوَازِمَ ، لَمْ يَجُزْ نِسْبَتُهَا إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا قَوْلٌ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ لَازِمَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ غَيْرَ لَازِمَةٍ ، بَلْ إِنْ كَانَتْ لَازِمَةً مَعَ فَسَادِهَا، دَلَّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِ .
وَعَلَى هَذَا فَالنِّزَاعُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي تَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ، وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَبُيِّنَ الْكَلَامُ عَلَى جَمِيعِ حُجَجِهِمْ .
وَالثَّانِي أَنَّ مُسَمَّى الْجِسْمِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ قَدْ تَنَازَعُوا فِيهِ: هَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ مُنْفَرِدَةٍ؟ أَوْ مِنَ الْهَيُولَى وَالصُّورَةِ؟ أَوْ لَا مُرَكَّبٌ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا؟
وَإِذَا كَانَ مُرَكَّبًا: فَهَلْ هُوَ جُزْآنِ ، أَوْ سِتَّةُ أَجْزَاءٍ، أَوْ ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ، أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ جُزْءًا، أَوِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ؟
هَذَا كُلُّهُ مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ هَؤُلَاءِ. فَمُثْبِتُو التَّرْكِيبِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فِي الْجِسْمِ يَقُولُونَ لِأُولَئِكَ: إِنَّهُ لَازِمٌ لَكُمْ، إِذَا قَالُوا: هُوَ جِسْمٌ، وَأُولَئِكَ يَنْفُونَ هَذَا اللُّزُومَ .
[ ص: 149 ]
وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمُجَسِّمَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ جِسْمٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ، وَيُنَازِعُهُمْ فِي امْتِنَاعِ مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: لَا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ إِلَّا مَا أَقَمْتُمُوهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى كَوْنِ الْأَجْسَامِ مُحْدَثَةً أَوْ مُمْكِنَةً ، وَكُلُّهَا أَدِلَّةٌ بَاطِلَةٌ ، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ .
وَبَيْنَهُمْ نِزَاعٌ فِي أُمُورٍ أُخْرَى يُنَازِعُهُمْ فِيهَا مَنْ لَا يَقُولُ: هُوَ جِسْمٌ ، مِثْلَ كَوْنِهِ فَوْقَ الْعَالَمِ، أَوْ كَوْنِهِ ذَا قَدْرٍ، أَوْ كَوْنِهِ مُتَّصِفًا بِصِفَاتٍ قَائِمَةٍ بِهِ . فَالنُّفَاةُ يَقُولُونَ : هَذِهِ لَا تَقُومُ إِلَّا بِجِسْمٍ ، وَأُولَئِكَ قَدْ يُنَازِعُونَهُمْ فِي هَذَا أَوْ بَعْضِهِ ، وَيُنَازِعُونَهُمْ فِي انْتِفَاءِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي سَمَّوْهُ جِسْمًا، فَهُمْ يُنَازِعُونَ: إِمَّا فِي التَّلَازُمِ، وَإِمَّا فِي انْتِفَاءِ اللَّازِمِ .
إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ كُلَّهَا تَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّ الْحُجَجَ الثَّمَانِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14552الْآمِدِيُّ: أَرْبَعَةٌ عَلَى نَفْيِ الْجَوْهَرِ ، وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْجِسْمِ .