وأما من ظن أن المراد بقوله: سماعون لهم أنهم جواسيس لمن غاب وأخذ حكم الجاسوس من هذه الآية، فقد غلط، فإن ما كان يظهره النبي صلى الله عليه وسلم حتى يسمعه المنافقون واليهود لم يكن مما يكتمه حتى يكون نقله جسا عليه، وإنما المراد أنهم سماعون الكذب: أي يصدقون به، سماعون: أي مستجيبون لقوم آخرين مخالفين للرسول، وهذه حال كل من خرج عن الكتاب والسنة، فإنه لا بد أن يصدق الكذب، فيكون من السماعين للكذب، ولا بد أن يستجيب لغير الله والرسول، فيكون سماعا لقوم آخرين لم يتبعوا الرسول.
وهؤلاء لهم نصيب من قوله تعالى: ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا [سورة الفرقان: 27-29] ، وقوله: يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا [سورة الأحزاب: 66-68] .
فتبين أن هي طريق أهل النفاق والإلحاد وطريق أهل الجهل والارتياب، لا طريق ذي عقل ولا ذي دين. أصل طريق من يعارض النصوص النبوية برأيه [ ص: 263 ] وعقله،
كما قال تعالى: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير [سورة الحج: 8] .
وقال تعالى: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير [سورة الحج: 3-4] .
فإنه قد يقال: هذه حال إذ ذلك المعارض، وإن سماه معقولا، فإنه جهل وضلال، فليس بعلم ولا عقل ولا هدى، إذ لا إيمان عنده ليكون مهتديا، فإن المهتدين الذين على هدى من ربهم هم مؤمنون بما جاء به الرسول، ولا كتاب منير، فإن الكتاب المنير لا يناقض كتاب الله. كل من عارض آيات الله بمعقوله، فإنه لا علم عنده،
وهؤلاء المعارضون ليس عندهم لا علم ولا إيمان ولا قرآن فهم ولا كتاب منير. يجادلون في آيات الله بغير علم ولا هدى
واسم "العلم" يتناول هذا وهذا، لكن هو من باب عطف الخاص على العام، ولهذا ذكر تارة وحذف أخرى.