ثم بين المشايخية والحسينية ـ أتباع أبي الحسين البصري ـ من التنازع ما هو معروف.
وأما الشيعة فأعظم تفرقا واختلافا من المعتزلة، لكونهم أبعد عن السنة منهم، حتى قيل: إنهم يبلغون اثنتين وسبعين فرقة.
وأما الفلاسفة فلا يجمعهم جامع، بل هم أعظم اختلافا من جميع طوائف المسلمين واليهود والنصارى.
والفلسفة التي ذهب إليها الفارابي إنما هي وابن سينا أرسطو صاحب التعاليم، وبينه وبين سلفه من النزاع والاختلاف ما يطول وصفه، ثم بين أتباعه من الخلاف ما يطول وصفه. فلسفة المشائين أتباع
وأما سائر طوائف الفلاسفة، فلو حكي اختلافهم في علم الهيئة وحده لكان أعظم من اختلاف كل طائفة من طوائف أهل القبلة، والهيئة علم رياضي حسابي هو [ ص: 158 ] من أصح علومهم، فإذا كان هذا اختلافهم فيه فكيف باختلافهم في الطبيعيات أو المنطق؟ فكيف بالإلهيات؟ .
واعتبر هذا بما ذكره أرباب المقالات عنهم في العلوم الرياضية والطبيعية، كما نقله عنهم في كتابه في «مقالات غير الإسلاميين» وما ذكره الأشعري عنهم في كتابه في «الدقائق» فإن في ذلك من الخلاف عنهم أضعاف أضعاف ما ذكره القاضي أبو بكر وأمثاله ممن يحكي مقالاتهم، فكلامهم في العلم الرياضي ـ الذي هو أصح علومهم العقلية ـ قد اختلفوا فيه اختلافا لا يكاد يحصى، ونفس الكتاب الذي اتفق عليه جمهورهم ـ وهو كتاب «المجسطي» الشهرستاني لبطليموس ـ فيه قضايا كثيرة لا يقوم عليها دليل صحيح، وفيه قضايا ينازعه غيره فيها، وفيه قضايا مبنية على أرصاد منقولة عن غيره تقبل الغلط والكذب.
وكذلك كلامهم في الطبيعيات في الجسم، وهل هو مركب من المادة والصورة، أو الأجزاء التي لا تنقسم، أو ليس بمركب لا من هذا ولا من هذا؟
وكثير من حذاق النظار حار في هذه المسائل، حتى أذكياء الطوائف كأبي الحسين البصري، وأبي المعالي الجويني، وأبي عبد الله بن الخطيب ـ حاروا في مسألة الجوهر الفرد، فتوقفوا فيها تارة، وإن كانوا قد يجزمون بها أخرى، فإن الواحد من هؤلاء تارة يجزم بالقولين المتناقضين في كتابين أو كتاب [ ص: 159 ] واحد، وتارة يحار فيها، مع دعواهم أن القول الذي يقولونه قطعي برهاني عقلي لا يحتمل النقيض.