الآية الخامسة عشرة :
قوله تعالى : { ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين } .
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى : كان موسى من أعظم الناس غضبا ; لكنه كان سريع الفيئة ، فتلك بتلك . [ ص: 325 ]
قال ابن القاسم : سمعت يقول : كان مالكا موسى إذا غضب طلع الدخان من قلنسوته ، ورفع شعر بدنه جبته ; وذلك لأن الغضب جمرة تتوقد في القلب ، ولأجله { أمر النبي صلى الله عليه وسلم من غضب أن يضطجع ، فإن لم يذهب غضبه فليغتسل ؟ } فيخمدها اضطجاعه ، ويطفئها اغتساله .
وقد روى وغيره عن البخاري عن أبيه وغيره عن ابن طاوس قال : { أبي هريرة ملك الموت إلى موسى ، فلما جاء صكه صكة ففقأ فيها عينه ، فرجع إلى ربه ، فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت . فقال : ارجع إليه ، فقل له يضع يده على متن ثور فله بكل شعرة سنة . قال : أي رب ، ثم ماذا ؟ قال : الموت . قال : فالآن } الحديث . أرسل
وهذا كله من غضب موسى صلى الله عليه وسلم فلذلك ألقى الألواح عند رؤية عبادة العجل ، وما أوقع الغضب هاهنا ، وأخذ برأس أخيه يجره إليه .
فإن قيل : وهي :
المسألة الثانية : ما معنى أخذه برأس أخيه يجره ؟ قلنا في ذلك قولان :
أحدهما : كان ذلك فيما مضى ثم نسخ .
الثاني : أنه ضم أخاه إليه ليعلم ما لديه ، فبين له أخوه أنهم استضعفوه ، وكادوا يقتلونه ; وفي هذا دليل على أن لمن أن يسكت عنه وهي : [ ص: 326 ] خشي القتل عند تغيير المنكر
المسألة الثالثة : هذا دليل على أن ، كما زعمه بعض الناس ; فإن الغضب لا يغير الأحكام موسى لم يغير غضبه شيئا من أفعاله ; بل اطردت على مجراها ، من إلقاء لوح ، وعتاب أخ ، وصك ملك ، وقد استوفينا ذلك في شرح الحديث .