المسألة السادسة والعشرون : ثم نفيض بعد ذلك في تمامها ، فإنها عظيمة الإشكال لغة لا فقها ، فنقول : إن قيل : " ؟ [ ص: 117 ] كيف قال : فاقطعوا أيديهما ، وإنما هما يمينان قلت : لما توجه هذا السؤال وسمعه الناس لم يحل أحد منهم بطائل من فهمه . أما أهل اللغة فتقبلوه ، وتكلموا عليه ، وتابعهم الفقهاء على ما ذكروه حسن ظن بهم من غير تحقيق لكلامهم ، وذكروا في ذلك خمسة أوجه :
الوجه الأول : أن أكثر ما في الإنسان من الأعضاء اثنان ، فحمل الأقل على الأكثر ; ألا ترى أنك تقول : بطونهما وعيونهما ، وهما اثنان ; فجعل ذلك مثله .
الثاني : أن العرب فعلت ذلك للفصل بين ما في الشيء منه واحد وبين ما فيه منه اثنان ، فجعل ما في الشيء منه واحد جمعا إذا ثني ، ومعنى ذلك أنه وإن جعل جمعا فالإضافة تثنية ، لا سيما والتثنية جمع ، وكان الأصل أن يقال اثنان رجلان ، ولكن رجلان يدل على الجنس والتثنية جميعا ، وذكر كذلك اختصارا ، وكذلك إذا قلت : قلوبهما فالتثنية فيهما قد بينت لك عدد قلب ، وقد قال الشاعر فجمع بين الأمرين :
ومهمهين قذفين مرتين
ظهراهما مثل ظهور الترسينالثالث : قال : إذا كان مفردا قد يجمع إذا أردت به التثنية ، كقول سيبويه العرب : وضعا رحالهما ، وتريد رحلي راحلتيهما ، وإلى معنى الثاني يرجع في البيان الرابع ، ويشترك الفقهاء معهم فيه أنه في كل جسد يدان ، فهي أيديهما معا حقيقة ، ولكن لما أراد اليمنى من كل جسد ، وهي واحدة ، جرى هذا الجمع على هذه الصفة ، وتؤول كذلك . الخامس : أن ذكر الواحد بلفظ الجميع عند التثنية أفصح من ذكره بلفظ التثنية مع التثنية ; فهذا منتهى ما تحصل لي من أقوالهم ، وقد تتقارب وتتباعد ، وهذا كله بناء على ما أشرنا إليه عنهم في الخامس ، من أنهم بنوا الأمر على أن اليمين وحدها هي التي تقطع ، وليس كذلك ; بل تقطع الأيدي والأرجل ، فيعود قوله : أيديهما إلى أربعة ، وهي جمع في الآيتين ، وهي تثنية ; فيأتي الكلام على فصاحته ، ولو قال : فاقطعوا [ ص: 118 ] أيديهم لكان وجها ; لأن السارق والسارقة لم يرد بهما شخصين خاصة ، وإنما هما اسما جنس يعمان ما لا يحصى إلا بالفعل المنسوب إليه ، ولكنه جمع لحقيقة الجمع فيه .