(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=32007_28989نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ( 13 )
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ( 14 )
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=15هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( 15 )
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ( 16 ) )
[ ص: 140 ]
من هاهنا شرع في بسط القصة وشرحها ، فذكر تعالى أنهم فتية - وهم الشباب - وهم أقبل للحق ، وأهدى للسبيل من الشيوخ ، الذين قد عتوا وعسوا في دين الباطل ؛ ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم شبابا . وأما المشايخ من
قريش ، فعامتهم بقوا على دينهم ، ولم يسلم منهم إلا القليل . وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابا .
قال
مجاهد : بلغني أنه كان في آذان بعضهم القرطة يعني الحلق فألهمهم الله رشدهم وآتاهم تقواهم . فآمنوا بربهم ، أي : اعترفوا له بالوحدانية ، وشهدوا أنه لا إله إلا هو .
(
nindex.php?page=treesubj&link=19881_19878_28650وزدناهم هدى ) : استدل بهذه الآية وأمثالها غير واحد من الأئمة كالبخاري وغيره ممن ذهب إلى زيادة الإيمان وتفاضله ، وأنه يزيد وينقص ؛ ولهذا قال تعالى : ( وزدناهم هدى ) كما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=17والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) [ محمد : 17 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا ) [ التوبة : 124 ] ، وقال ) ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) [ الفتح : 4 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك .
وقد ذكر أنهم كانوا على دين
عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، والله أعلم - والظاهر أنهم كانوا قبل ملة النصرانية بالكلية ، فإنه لو كانوا على دين النصرانية ؛ لما اعتنى أحبار اليهود بحفظ خبرهم وأمرهم ؛ لمباينتهم لهم . وقد تقدم عن
ابن عباس : أن قريشا بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء ، وعن خبر
nindex.php?page=showalam&ids=15873ذي القرنين ، وعن الروح ، فدل هذا على أن هذا أمر محفوظ في كتب أهل الكتاب ، وأنه متقدم على دين النصرانية ، والله أعلم .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=28989وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض ) يقول تعالى : وصبرناهم على مخالفة قومهم ومدينتهم ، ومفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد والسعادة والنعمة ، فإنه قد ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم ، وأنهم خرجوا يوما في بعض أعياد قومهم ، وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون فيه في ظاهر البلد ، وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت ، ويذبحون لها ، وكان لهم ملك جبار عنيد يقال له : "
دقيانوس " ، وكان يأمر الناس بذلك ويحثهم عليه ويدعوهم إليه . فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك ، وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم ، ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم ، عرفوا أن هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها ، لا ينبغي إلا لله الذي خلق السموات والأرض . فجعل كل واحد
[ ص: 141 ] منهم يتخلص من قومه ، وينحاز منهم ويتبرز عنهم ناحية . فكان أول من جلس منهم [ وحده ] أحدهم ، جلس تحت ظل شجرة ، فجاء الآخر فجلس عنده ، وجاء الآخر فجلس إليهما ، وجاء الآخر فجلس إليهم ، وجاء الآخر ، وجاء الآخر ، وجاء الآخر ، ولا يعرف واحد منهم الآخر ، وإنما جمعهم هناك الذي جمع قلوبهم على الإيمان ، كما جاء في الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تعليقا ، من حديث
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16693عمرة ، عن
عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821919 " الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف " . وأخرجه
مسلم في صحيحه من حديث
سهيل عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والناس يقولون : الجنسية علة الضم .
والغرض أنه جعل كل أحد منهم يكتم ما هو فيه عن أصحابه ، خوفا منهم ، ولا يدري أنهم مثله ، حتى قال أحدهم : تعلمون - والله يا قوم - إنه ما أخرجكم من قومكم وأفردكم عنهم ، إلا شيء فليظهر كل واحد منكم ما بأمره . فقال آخر : أما أنا فإني [ والله ] رأيت ما قومي عليه ، فعرفت أنه باطل ، وإنما الذي يستحق أن يعبد [ وحده ] ولا يشرك به شيء هو الله الذي خلق كل شيء السموات والأرض وما بينهما . وقال الآخر : وأنا والله وقع لي كذلك . وقال الآخر كذلك ، حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة ، فصاروا يدا واحدة وإخوان صدق ، فاتخذوا لهم معبدا يعبدون الله فيه ، فعرف بهم قومهم ، فوشوا بأمرهم إلى ملكهم ، فاستحضرهم بين يديه فسألهم عن أمرهم وما هم عليه فأجابوه بالحق ، ودعوه إلى الله عز وجل ؛ ولهذا أخبر تعالى عنهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها ) و " لن " لنفي التأبيد ، أي : لا يقع منا هذا أبدا ؛ لأنا لو فعلنا ذلك لكان باطلا ؛ ولهذا قال عنهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لقد قلنا إذا شططا ) أي : باطلا وكذبا وبهتانا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28989هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين ) أي : هلا أقاموا على صحة ما ذهبوا إليه دليلا واضحا صحيحا ؟ ! ) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) يقولون : بل هم ظالمون كاذبون في قولهم ذلك ، فيقال : إن ملكهم لما دعوه إلى الإيمان بالله أبى عليهم وتهددهم وتوعدهم ، وأمر بنزع لباسهم عنهم الذي كان عليهم من زينة قومهم ، وأجلهم لينظروا في أمرهم ، لعلهم يراجعون دينهم الذي كانوا عليه . وكان هذا من لطف الله بهم ، فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه ، والفرار بدينهم من الفتنة .
وهذا هو
nindex.php?page=treesubj&link=30202المشروع عند وقوع الفتن في الناس ، أن يفر العبد منهم خوفا على دينه ، كما جاء في
[ ص: 142 ] الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821920 " يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنما يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن " ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس ، ولا تشرع فيما عداها ؛ لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع .
فلما وقع عزمهم على الذهاب والهرب من قومهم ، واختار الله تعالى لهم ذلك ، وأخبر عنهم بذلك في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله ) أي : وإذا فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير الله ، ففارقوهم أيضا بأبدانكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ) أي : يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16ويهيئ لكم من أمركم ) [ أي ] الذي أنتم فيه ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16مرفقا ) أي : أمرا ترتفقون به . فعند ذلك خرجوا هرابا إلى الكهف ، فأووا إليه ، ففقدهم قومهم من بين أظهرهم ، وتطلبهم الملك فيقال : إنه لم يظفر بهم ، وعمى الله عليه خبرهم . كما فعل بنبيه [
محمد ] صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق ، حين لجأ إلى غار ثور ، وجاء المشركون من قريش في الطلب ، فلم يهتدوا إليه مع أنهم يمرون عليه ، وعندها قال النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى جزع الصديق في قوله : يا رسول الله ، لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821921 " يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ " ، وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ) [ التوبة : 40 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30670فقصة هذا الغار أشرف وأجل وأعظم وأعجب من قصة أصحاب الكهف ، وقد قيل : إن قومهم ظفروا بهم ، وقفوا على باب الغار الذي دخلوه ، فقالوا : ما كنا نريد منهم من العقوبة أكثر مما فعلوا بأنفسهم . فأمر الملك بردم بابه عليهم ليهلكوا مكانهم ففعل [ لهم ] ذلك . وفي هذا نظر ، والله أعلم ؛ فإن الله تعالى قد أخبر أن الشمس تدخل عليهم في الكهف بكرة وعشية ، كما قال تعالى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=32007_28989نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ( 13 )
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ( 14 )
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=15هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ( 15 )
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ( 16 ) )
[ ص: 140 ]
مِنْ هَاهُنَا شَرَعَ فِي بَسْطِ الْقِصَّةِ وَشَرْحِهَا ، فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ فِتْيَةٌ - وَهُمُ الشَّبَابُ - وَهُمْ أَقْبَلُ لِلْحَقِّ ، وَأَهْدَى لِلسَّبِيلِ مِنَ الشُّيُوخِ ، الَّذِينَ قَدْ عَتَوْا وَعَسَوْا فِي دِينِ الْبَاطِلِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا . وَأَمَّا الْمَشَايِخُ مِنْ
قُرَيْشٍ ، فَعَامَّتُهُمْ بَقُوا عَلَى دِينِهِمْ ، وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ . وَهَكَذَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِتْيَةً شَبَابًا .
قَالَ
مُجَاهِدٌ : بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ فِي آذَانِ بَعْضْهِمُ الْقِرَطَةُ يَعْنِي الْحَلَقَ فَأَلْهَمَهُمُ اللَّهُ رُشْدَهُمْ وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ . فَآمَنُوا بِرَبِّهِمْ ، أَيْ : اعْتَرَفُوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، وَشَهِدُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ .
(
nindex.php?page=treesubj&link=19881_19878_28650وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) : اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَتَفَاضُلِهِ ، وَأَنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ( وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) كَمَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=17وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) [ مُحَمَّدٍ : 17 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) [ التَّوْبَةِ : 124 ] ، وَقَالَ ) لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ) [ الْفَتْحِ : 4 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى دِينِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ مِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانُوا عَلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ ؛ لَمَا اعْتَنَى أَحْبَارُ الْيَهُودِ بِحِفْظِ خَبَرِهِمْ وَأَمْرِهِمْ ؛ لِمُبَايِنَتِهِمْ لَهُمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ أَشْيَاءَ يَمْتَحِنُونَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ خَبَرِ هَؤُلَاءِ ، وَعَنْ خَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=15873ذِي الْقَرْنَيْنِ ، وَعَنِ الرُّوحِ ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مَحْفُوظٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=28989وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) يَقُولُ تَعَالَى : وَصَبَّرْنَاهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ قَوْمِهِمْ وَمَدِينَتِهِمْ ، وَمُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ الرَّغِيدِ وَالسَّعَادَةِ وَالنِّعْمَةِ ، فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِ الرُّومِ وَسَادَتِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ خَرَجُوا يَوْمًا فِي بَعْضِ أَعْيَادِ قَوْمِهِمْ ، وَكَانَ لَهُمْ مُجْتَمَعٌ فِي السَّنَةِ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الْبَلَدِ ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَالطَّوَاغِيتَ ، وَيَذْبَحُونَ لَهَا ، وَكَانَ لَهُمْ مَلِكٌ جَبَّارٌ عَنِيدٌ يُقَالُ لَهُ : "
دَقْيَانُوسُ " ، وَكَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ . فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ لِمُجْتَمَعِهِمْ ذَلِكَ ، وَخَرَجَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ مَعَ آبَائِهِمْ وَقَوْمِهِمْ ، وَنَظَرُوا إِلَى مَا يَصْنَعُ قَوْمُهُمْ بِعَيْنِ بَصِيرَتِهِمْ ، عَرَفُوا أَنَّ هَذَا الَّذِي يَصْنَعُهُ قَوْمُهُمْ مِنَ السُّجُودِ لِأَصْنَامِهِمْ وَالذَّبْحِ لَهَا ، لَا يَنْبَغِي إِلَّا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ . فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ
[ ص: 141 ] مِنْهُمْ يَتَخَلَّصُ مِنْ قَوْمِهِ ، وَيَنْحَازُ مِنْهُمْ وَيَتَبَرَّزُ عَنْهُمْ نَاحِيَةً . فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ جَلَسَ مِنْهُمْ [ وَحْدَهُ ] أَحَدَهُمْ ، جَلَسَ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ ، فَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ عِنْدَهُ ، وَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَيْهِمَا ، وَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ ، وَجَاءَ الْآخَرُ ، وَجَاءَ الْآخَرُ ، وَجَاءَ الْآخَرُ ، وَلَا يَعْرِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْآخَرَ ، وَإِنَّمَا جَمَعَهُمْ هُنَاكَ الَّذِي جَمَعَ قُلُوبَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا ، مِنْ حَدِيثِ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16693عَمْرَةَ ، عَنْ
عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821919 " الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ " . وَأَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ
سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالنَّاسُ يَقُولُونَ : الْجِنْسِيَّةُ عِلَّةُ الضَّمِّ .
وَالْغَرَضُ أَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ أَحَدٍ مِنْهُمْ يَكْتُمُ مَا هُوَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِهِ ، خَوْفًا مِنْهُمْ ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُمْ مِثْلُهُ ، حَتَّى قَالَ أَحَدُهُمْ : تَعْلَمُونَ - وَاللَّهِ يَا قَوْمِ - إِنَّهُ مَا أَخْرَجَكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ وَأَفْرَدَكُمْ عَنْهُمْ ، إِلَّا شَيْءٌ فَلْيُظْهِرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا بِأَمْرِهِ . فَقَالَ آخَرُ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي [ وَاللَّهِ ] رَأَيْتُ مَا قَوْمِي عَلَيْهِ ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ بَاطِلٌ ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدُ [ وَحْدَهُ ] وَلَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ هُوَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا . وَقَالَ الْآخَرُ : وَأَنَا وَاللَّهِ وَقَعَ لِي كَذَلِكَ . وَقَالَ الْآخَرُ كَذَلِكَ ، حَتَّى تَوَافَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَصَارُوا يَدًا وَاحِدَةً وَإِخْوَانَ صِدْقٍ ، فَاتَّخَذُوا لَهُمْ مَعْبَدًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فِيهِ ، فَعَرَفَ بِهِمْ قَوْمُهُمْ ، فَوَشَوْا بِأَمْرِهِمْ إِلَى مَلِكِهِمْ ، فَاسْتَحْضَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَأَلَهُمْ عَنْ أَمْرِهِمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ فَأَجَابُوهُ بِالْحَقِّ ، وَدَعَوْهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ وَلِهَذَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا ) وَ " لَنْ " لِنَفْيِ التَّأْبِيدِ ، أَيْ : لَا يَقَعُ مِنَّا هَذَا أَبَدًا ؛ لِأَنَّا لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لَكَانَ بَاطِلًا ؛ وَلِهَذَا قَالَ عَنْهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) أَيْ : بَاطِلًا وَكَذِبًا وَبُهْتَانًا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28989هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ) أَيْ : هَلَّا أَقَامُوا عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ دَلِيلًا وَاضِحًا صَحِيحًا ؟ ! ) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) يَقُولُونَ : بَلْ هُمْ ظَالِمُونَ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ ، فَيُقَالُ : إِنَّ مَلِكَهُمْ لَمَّا دَعَوْهُ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ أَبَى عَلَيْهِمْ وَتَهَدَّدَهُمْ وَتَوَعَّدَهُمْ ، وَأَمَرَ بِنَزْعِ لِبَاسِهِمْ عَنْهُمُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ زِينَةِ قَوْمِهِمْ ، وَأَجَّلَهُمْ لِيَنْظُرُوا فِي أَمْرِهِمْ ، لَعَلَّهُمْ يُرَاجِعُونَ دِينَهُمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ . وَكَانَ هَذَا مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ فِي تِلْكَ النَّظْرَةِ تَوَصَّلُوا إِلَى الْهَرَبِ مِنْهُ ، وَالْفِرَارِ بِدِينِهِمْ مِنَ الْفِتْنَةِ .
وَهَذَا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=30202الْمَشْرُوعُ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ فِي النَّاسِ ، أَنْ يَفِرَّ الْعَبْدُ مِنْهُمْ خَوْفًا عَلَى دِينِهِ ، كَمَا جَاءَ فِي
[ ص: 142 ] الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821920 " يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ أَحَدِكُمْ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَغَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ " فَفِي هَذِهِ الْحَالِ تُشْرَعُ الْعُزْلَةُ عَنِ النَّاسِ ، وَلَا تُشْرَعُ فِيمَا عَدَاهَا ؛ لِمَا يَفُوتُ بِهَا مِنْ تَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعِ .
فَلَمَّا وَقَعَ عَزْمُهُمْ عَلَى الذَّهَابِ وَالْهَرَبِ مِنْ قَوْمِهِمْ ، وَاخْتَارَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ ذَلِكَ ، وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ) أَيْ : وَإِذَا فَارَقْتُمُوهُمْ وَخَالَفْتُمُوهُمْ بِأَدْيَانِكُمْ فِي عِبَادَتِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ ، فَفَارِقُوهُمْ أَيْضًا بِأَبْدَانِكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ) أَيْ : يَبْسُطْ عَلَيْكُمْ رَحْمَةً يَسْتُرُكُمْ بِهَا مِنْ قَوْمِكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ ) [ أَيِ ] الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16مِرفَقًا ) أَيْ : أَمْرًا تَرْتَفِقُونَ بِهِ . فَعِنْدَ ذَلِكَ خَرَجُوا هِرَابًا إِلَى الْكَهْفِ ، فَأَوَوْا إِلَيْهِ ، فَفَقَدَهُمْ قَوْمُهُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ ، وَتَطَلَّبَهُمُ الْمَلِكُ فَيُقَالُ : إِنَّهُ لَمْ يَظْفَرْ بِهِمْ ، وَعَمَّى اللَّهُ عَلَيْهِ خَبَرَهُمْ . كَمَا فَعَلَ بِنَبِيِّهِ [
مُحَمَّدٍ ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبِهِ الصِّدِّيقِ ، حِينَ لَجَأَ إِلَى غَارِ ثَوْرٍ ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الطَّلَبِ ، فَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَيْهِ مَعَ أَنَّهُمْ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ ، وَعِنْدَهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى جَزَعَ الصِّدِّيقِ فِي قَوْلِهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا ، فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821921 " يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ؟ " ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [ التَّوْبَةِ : 40 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30670فَقِصَّةُ هَذَا الْغَارِ أَشْرَفُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ وَأَعْجَبُ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَوْمَهُمْ ظَفِرُوا بِهِمْ ، وَقَفُوا عَلَى بَابِ الْغَارِ الَّذِي دَخَلُوهُ ، فَقَالُوا : مَا كُنَّا نُرِيدُ مِنْهُمْ مَنِ الْعُقُوبَةِ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ . فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِرَدْمِ بَابِهِ عَلَيْهِمْ لِيَهْلَكُوا مَكَانَهُمْ فَفُعِلَ [ لَهُمْ ] ذَلِكَ . وَفِي هَذَا نَظَرٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الشَّمْسَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِي الْكَهْفِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :