[ ص: 528 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=29005_30296_28766ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ( 51 )
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=52وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ( 52 )
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=53وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ( 53 )
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب ( 54 ) ) .
يقول تعالى : ولو ترى - يا
محمد - إذ فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=51فلا فوت ) أي : فلا مفر لهم ، ولا وزر ولا ملجأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=51وأخذوا من مكان قريب ) أي : لم يكونوا يمنعون في الهرب بل أخذوا من أول وهلة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : حين خرجوا من قبورهم .
وقال
مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16574وعطية العوفي ،
وقتادة : من تحت أقدامهم .
وعن
ابن عباس والضحاك : يعني : عذابهم في الدنيا .
وقال
عبد الرحمن بن زيد : يعني : قتلهم يوم بدر .
والصحيح : أن المراد بذلك يوم القيامة ، وهو الطامة العظمى ، وإن كان ما ذكر متصلا بذلك .
وحكى
ابن جرير عن بعضهم قال : إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين
مكة والمدينة في أيام
بني العباس ، ثم أورد في ذلك حديثا موضوعا بالكلية . ثم لم ينبه على ذلك ، وهذا أمر عجيب غريب منه
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=52وقالوا آمنا به ) أي : يوم القيامة يقولون : آمنا بالله وبكتبه ورسله ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) [ السجدة : 12 ] ; ولهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=52وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ) أي : وكيف لهم تعاطي الإيمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم وصاروا إلى الدار الآخرة ، وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء ، فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ، ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان ، كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد .
قال
مجاهد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=52وأنى لهم التناوش ) قال : التناول لذلك .
وقال
الزهري : التناوش : تناولهم الإيمان وهم في الآخرة ، وقد انقطعت عنهم الدنيا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : أما إنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال ، تعاطوا الإيمان من مكان بعيد .
وقال
ابن عباس : طلبوا الرجعة إلى الدنيا والتوبة مما هم فيه ، وليس بحين رجعة ولا توبة . وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، رحمه الله .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=53وقد كفروا به من قبل ) أي : كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة ، وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا بالرسل ؟
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=53ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ) : قال
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=53ويقذفون بالغيب ) قال : بالظن .
[ ص: 529 ] قلت : كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22رجما بالغيب ) [ الكهف : 22 ] ، فتارة يقولون : شاعر . وتارة يقولون : كاهن . وتارة يقولون : ساحر . وتارة يقولون : مجنون . إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة ، ويكذبون بالغيب والنشور والمعاد ، ويقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ) [ الجاثية : 32 ] .
قال
قتادة : يرجمون بالظن ، لا بعث ولا جنة ولا نار .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ،
والضحاك ، وغيرهما : يعني : الإيمان .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) وهي : التوبة . وهذا اختيار
ابن جرير ، رحمه الله .
وقال
مجاهد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) من هذه الدنيا ، من مال وزهرة وأهل . وروي [ ذلك ] عن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس . وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وجماعة . والصحيح : أنه لا منافاة بين القولين; فإنه قد حيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا وبين ما طلبوه في الآخرة ، فمنعوا منه .
وقد ذكر
ابن أبي حاتم هاهنا أثرا غريبا [ عجيبا ] جدا ، فلنذكره بطوله فإنه قال : حدثنا
محمد بن يحيى ، حدثنا
بشر بن حجر السامي ، حدثنا
علي بن منصور الأنباري ، عن
الشرقي بن قطامي ، عن
سعيد بن طريف ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قول الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) إلى آخر الآية ، قال : كان رجل من
بني إسرائيل فاتحا - أي فتح الله له مالا - فمات فورثه ابن له تافه - أي : فاسد - فكان يعمل في مال الله بمعاصي الله . فلما رأى ذلك إخوان أبيه أتوا الفتى فعذلوه ولاموه ، فضجر الفتى فباع عقاره بصامت ، ثم رحل فأتى عينا ثجاجة فسرح فيها ماله ، وابتنى قصرا . فبينما هو ذات يوم جالس إذ شملت عليه [ ريح ] بامرأة من أحسن الناس وجها وأطيبهم أرجا - أي : ريحا - فقالت : من أنت يا عبد الله ؟ فقال : أنا امرؤ من
بني إسرائيل قالت : فلك هذا القصر ، وهذا المال ؟ قال : نعم . قالت : فهل لك من زوجة ؟ قال : لا . قالت : فكيف يهنيك العيش ولا زوجة لك ؟ قال : قد كان ذلك . فهل لك من بعل ؟ قالت : لا . قال : فهل لك إلى أن أتزوجك ؟ قالت : إني امرأة منك على مسيرة ميل ، فإذا كان غد فتزود زاد يوم وأتني ، وإن رأيت في طريقك هولا فلا يهولنك . فلما كان من الغد تزود زاد يوم ، وانطلق فانتهى إلى قصر ، فقرع رتاجه ، فخرج إليه شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم أرجا - أي : ريحا - فقال : من أنت يا عبد الله ؟ فقال : أنا الإسرائيلي . قال فما حاجتك ؟ قال : دعتني صاحبة هذا القصر إلى نفسها . قال : صدقت ، قال فهل رأيت في طريقك [ هولا ؟ ] قال : نعم ، ولولا أنها أخبرتني أن لا بأس علي ، لهالني الذي رأيت; أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل ، إذا أنا بكلبة فاتحة
[ ص: 530 ] فاها ، ففزعت ، فوثبت فإذا أنا من ورائها ، وإذا جراؤها ينبحن في بطنها . فقال له الشاب : لست تدرك هذا ، هذا يكون في آخر الزمان ، يقاعد الغلام المشيخة في مجلسهم ويبزهم حديثهم .
قال : ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل ، إذا أنا بمائة عنز حفل ، وإذا فيها جدي يمصها ، فإذا أتى عليها وظن أنه لم يترك شيئا ، فتح فاه يلتمس الزيادة . فقال : لست تدرك هذا ، هذا يكون في آخر الزمان ، ملك يجمع صامت الناس كلهم ، حتى إذا ظن أنه لم يترك شيئا فتح فاه يلتمس الزيادة .
قال : ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بشجر ، فأعجبني غصن من شجرة منها ناضر ، فأردت قطعه ، فنادتني شجرة أخرى : " يا عبد الله ، مني فخذ " . حتى ناداني الشجر أجمع : " يا عبد الله ، منا فخذ " . قال : لست تدرك هذا ، هذا يكون في آخر الزمان ، يقل الرجال ويكثر النساء ، حتى إن الرجل ليخطب المرأة فتدعوه العشر والعشرون إلى أنفسهن .
قال : ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل قائم على عين ، يغرف لكل إنسان من الماء ، فإذا تصدعوا عنه صب في جرته فلم تعلق جرته من الماء بشيء . قال : لست تدرك هذا ، هذا يكون في آخر الزمان ، القاص يعلم الناس العلم ثم يخالفهم إلى معاصي الله .
قال : ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بعنز وإذا بقوم قد أخذوا بقوائمها ، وإذا رجل قد أخذ بقرنيها ، وإذا رجل قد أخذ بذنبها ، وإذا رجل قد ركبها ، وإذا رجل يحلبها . فقال : أما العنز فهي الدنيا ، والذين أخذوا بقوائمها يتساقطون من عيشها ، وأما الذي قد أخذ بقرنيها فهو يعالج من عيشها ضيقا ، وأما الذي أخذ بذنبها فقد أدبرت عنه ، وأما الذي ركبها فقد تركها . وأما الذي يحلبها فبخ [ بخ ] ، ذهب ذلك بها .
قال : ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل ، وإذا أنا برجل يمتح على قليب ، كلما أخرج دلوه صبه في الحوض ، فانساب الماء راجعا إلى القليب . قال : هذا رجل رد الله [ عليه ] صالح عمله ، فلم يقبله .
قال : ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل ، إذا أنا برجل يبذر بذرا فيستحصد ، فإذا حنطة طيبة . قال : هذا رجل قبل الله صالح عمله ، وأزكاه له .
قال : ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل ، إذا أنا برجل مستلق على قفاه ، قال : يا عبد الله ، ادن مني فخذ بيدي وأقعدني ، فوالله ما قعدت منذ خلقني الله فأخذت بيده ، فقام يسعى حتى ما أراه . فقال له الفتى : هذا عمر الأبعد نفد ، أنا ملك الموت وأنا المرأة التي أتتك . . . أمرني الله بقبض روح الأبعد في هذا المكان ، ثم أصيره إلى نار جهنم قال : ففيه نزلت هذه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) الآية .
[ ص: 531 ] هذا أثر غريب ، وفي صحته نظر ، وتنزيل [ هذه ] الآية عليه وفي حقه بمعنى أن الكفار كلهم يتوفون وأرواحهم متعلقة بالحياة الدنيا ، كما جرى لهذا المغرور المفتون ، ذهب يطلب مراده فجاءه الموت فجأة بغتة ، وحيل بينه وبين ما يشتهي .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54كما فعل بأشياعهم من قبل ) أي : كما جرى للأمم الماضية المكذبة للرسل ، لما جاءهم بأس الله تمنوا أن لو آمنوا فلم يقبل منهم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=84فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ) [ غافر : 84 ، 85 ] .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54إنهم كانوا في شك مريب ) أي : كانوا في الدنيا في شك وريبة ، فلهذا لم يتقبل منهم الإيمان عند معاينة العذاب .
قال
قتادة : إياكم والشك والريبة . فإن من مات على شك بعث عليه ، ومن مات على يقين بعث عليه .
آخر تفسير سورة " سبأ " ولله الحمد والمنة .
[ ص: 528 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=29005_30296_28766وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ( 51 )
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=52وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ( 52 )
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=53وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ( 53 )
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ( 54 ) ) .
يَقُولُ تَعَالَى : وَلَوْ تَرَى - يَا
مُحَمَّدُ - إِذْ فَزِعَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=51فَلَا فَوْتَ ) أَيْ : فَلَا مَفَرَّ لَهُمْ ، وَلَا وِزْرَ وَلَا مَلْجَأَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=51وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ) أَيْ : لَمْ يَكُونُوا يُمْنَعُونَ فِي الْهَرَبِ بَلْ أُخِذُوا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : حِينَ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ .
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=16574وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ ،
وَقَتَادَةُ : مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِمْ .
وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ : يَعْنِي : عَذَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا .
وَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ : يَعْنِي : قَتَلَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ .
وَالصَّحِيحُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهُوَ الطَّامَّةُ الْعُظْمَى ، وَإِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ .
وَحَكَى
ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جَيْشٌ يُخْسَفُ بِهِمْ بَيْنَ
مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي أَيَّامِ
بَنِي الْعَبَّاسِ ، ثُمَّ أَوْرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مَوْضُوعًا بِالْكُلِّيَّةِ . ثُمَّ لَمْ يُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ غَرِيبٌ مِنْهُ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=52وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ ) أَيْ : يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ : آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ) [ السَّجْدَةِ : 12 ] ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=52وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) أَيْ : وَكَيْفَ لَهُمْ تَعَاطِي الْإِيمَانِ وَقَدْ بَعُدُوا عَنْ مَحَلِّ قَبُولِهِ مِنْهُمْ وَصَارُوا إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةَ ، وَهِيَ دَارُ الْجَزَاءِ لَا دَارُ الِابْتِلَاءِ ، فَلَوْ كَانُوا آمِنُوا فِي الدُّنْيَا لَكَانَ ذَلِكَ نَافِعَهُمْ ، وَلَكِنْ بَعْدَ مَصِيرِهِمْ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةَ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى قَبُولِ الْإِيمَانِ ، كَمَا لَا سَبِيلَ إِلَى حُصُولِ الشَّيْءِ لِمَنْ يَتَنَاوَلُهُ مِنْ بَعِيدٍ .
قَالَ
مُجَاهِدٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=52وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ ) قَالَ : التَّنَاوُلُ لِذَلِكَ .
وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ : التَّنَاوُشُ : تَنَاوُلُهُمُ الْإِيمَانَ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ، وَقَدِ انْقَطَعَتْ عَنْهُمُ الدُّنْيَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : أَمَا إِنَّهُمْ طَلَبُوا الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ لَا يُنَالُ ، تَعَاطَوُا الْإِيمَانَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ .
وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : طَلَبُوا الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا وَالتَّوْبَةَ مِمَّا هُمْ فِيهِ ، وَلَيْسَ بِحِينِ رَجْعَةٍ وَلَا تَوْبَةٍ . وَكَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=53وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ) أَيْ : كَيْفَ يَحْصُلُ لَهُمُ الْإِيمَانُ فِي الْآخِرَةِ ، وَقَدْ كَفَرُوا بِالْحَقِّ فِي الدُّنْيَا وَكَذَّبُوا بِالرُّسُلِ ؟
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=53وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) : قَالَ
مَالِكٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=53وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ ) قَالَ : بِالظَّنِّ .
[ ص: 529 ] قُلْتُ : كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22رَجْمًا بِالْغَيْبِ ) [ الْكَهْفِ : 22 ] ، فَتَارَةً يَقُولُونَ : شَاعِرٌ . وَتَارَةً يَقُولُونَ : كَاهِنٌ . وَتَارَةً يَقُولُونَ : سَاحِرٌ . وَتَارَةً يَقُولُونَ : مَجْنُونٌ . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ ، وَيُكَذِّبُونَ بِالْغَيْبِ وَالنُّشُورِ وَالْمَعَادِ ، وَيَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ) [ الْجَاثِيَةِ : 32 ] .
قَالَ
قَتَادَةُ : يَرْجُمُونَ بِالظَّنِّ ، لَا بَعْثَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ) : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ،
وَالضَّحَّاكُ ، وَغَيْرُهُمَا : يَعْنِي : الْإِيمَانُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ) وَهِيَ : التَّوْبَةُ . وَهَذَا اخْتِيَارُ
ابْنِ جَرِيرٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ) مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا ، مِنْ مَالٍ وَزَهْرَةٍ وَأَهْلٍ . وَرُوِيَ [ ذَلِكَ ] عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=14354وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ . وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ وَجَمَاعَةٍ . وَالصَّحِيحُ : أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ; فَإِنَّهُ قَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ شَهَوَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا طَلَبُوهُ فِي الْآخِرَةِ ، فَمُنِعُوا مِنْهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا أَثَرًا غَرِيبًا [ عَجِيبًا ] جِدًّا ، فَلْنَذْكُرُهُ بِطُولِهِ فَإِنَّهُ قَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ حُجْرٍ السَّامِيُّ ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ الْأَنْبَارِيُّ ، عَنِ
الشَّرَقِيِّ بْنِ قُطَامِيِّ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ طَرِيفٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فَاتِحًا - أَيْ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ مَالًا - فَمَاتَ فَوَرِثَهُ ابْنٌ لَهُ تَافِهٌ - أَيْ : فَاسِدٌ - فَكَانَ يَعْمَلُ فِي مَالِ اللَّهِ بِمَعَاصِي اللَّهِ . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ إِخْوَانُ أَبِيهِ أَتَوُا الْفَتَى فَعَذَلُوهُ وَلَامُوهُ ، فَضَجِرَ الْفَتَى فَبَاعَ عَقَارَهُ بِصَامِتَ ، ثُمَّ رَحَلَ فَأَتَى عَيْنًا ثَجَّاجَةً فَسَرَحَ فِيهَا مَالَهُ ، وَابْتَنَى قَصْرًا . فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٍ إِذْ شَمَلَتْ عَلَيْهِ [ رِيحٌ ] بِامْرَأَةٍ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا وَأَطْيَبِهِمْ أَرَجًا - أَيْ : رِيحًا - فَقَالَتْ : مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : أَنَا امْرُؤٌ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَتْ : فَلَكَ هَذَا الْقَصْرُ ، وَهَذَا الْمَالُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَتْ : فَهَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ ؟ قَالَ : لَا . قَالَتْ : فَكَيْفَ يَهْنِيكَ الْعَيْشُ وَلَا زَوْجَةَ لَكَ ؟ قَالَ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ . فَهَلْ لَكِ مِنْ بَعْلٍ ؟ قَالَتْ : لَا . قَالَ : فَهَلْ لَكِ إِلَى أَنْ أَتَزَوَّجَكِ ؟ قَالَتْ : إِنِّي امْرَأَةٌ مِنْكَ عَلَى مَسِيرَةِ مِيلٍ ، فَإِذَا كَانَ غَدٌ فَتَزَوَّدْ زَادَ يَوْمٍ وَأْتِنِي ، وَإِنْ رَأَيْتَ فِي طَرِيقِكَ هَوْلًا فَلَا يَهُولَنَّكَ . فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ تَزَوَّدُ زَادَ يَوْمٍ ، وَانْطَلَقَ فَانْتَهَى إِلَى قَصْرٍ ، فَقَرَعَ رِتَاجَهُ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ شَابٌّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا وَأَطْيَبِهِمْ أَرَجًا - أَيْ : رِيحًا - فَقَالَ : مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : أَنَا الْإِسْرَائِيلِيُّ . قَالَ فَمَا حَاجَتُكَ ؟ قَالَ : دَعَتْنِي صَاحِبَةُ هَذَا الْقَصْرِ إِلَى نَفْسِهَا . قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ فَهَلْ رَأَيْتَ فِي طَرِيقِكَ [ هَوْلًا ؟ ] قَالَ : نَعَمْ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا أَخْبَرَتْنِي أَنْ لَا بَأْسَ عَلَيَّ ، لَهَالَنِي الَّذِي رَأَيْتُ; أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ ، إِذَا أَنَا بِكَلْبَةٍ فَاتِحَةٍ
[ ص: 530 ] فَاهَا ، فَفَزِعْتُ ، فَوَثَبْتُ فَإِذَا أَنَا مِنْ وَرَائِهَا ، وَإِذَا جِرَاؤُهَا يَنْبَحْنَّ فِي بَطْنِهَا . فَقَالَ لَهُ الشَّابُّ : لَسْتَ تُدْرِكُ هَذَا ، هَذَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، يُقَاعِدُ الْغُلَامُ الْمَشْيَخَةَ فِي مَجْلِسِهِمْ ويَبُزُّهُمْ حَدِيثَهُمْ .
قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ ، إِذَا أَنَا بِمِائَةِ عَنْزٍ حُفَّلٍ ، وَإِذَا فِيهَا جَدْيٌ يَمُصُّهَا ، فَإِذَا أَتَى عَلَيْهَا وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا ، فَتَحَ فَاهُ يَلْتَمِسُ الزِّيَادَةَ . فَقَالَ : لَسْتَ تُدْرِكُ هَذَا ، هَذَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، مَلِكٌ يَجْمَعُ صَامِتَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَتَحَ فَاهُ يَلْتَمِسُ الزِّيَادَةَ .
قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إِذَا أَنَا بِشَجَرٍ ، فَأَعْجَبَنِي غُصْنٌ مِنْ شَجَرَةٍ مِنْهَا نَاضِرٌ ، فَأَرَدْتُ قِطْعَهُ ، فَنَادَتْنِي شَجَرَةٌ أُخْرَى : " يَا عَبْدَ اللَّهِ ، مِنِّي فَخُذْ " . حَتَّى نَادَانِي الشَّجَرُ أَجْمَعُ : " يَا عَبْدَ اللَّهِ ، مِنَّا فَخُذْ " . قَالَ : لَسْتَ تُدْرِكُ هَذَا ، هَذَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، يَقِلُّ الرِّجَالُ وَيَكْثُرُ النِّسَاءُ ، حَتَّى إِنِ الرَّجُلَ لَيَخْطُبَ الْمَرْأَةَ فَتَدْعُوهُ الْعَشْرُ وَالْعِشْرُونَ إِلَى أَنْفُسِهِنَّ .
قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إِذَا أَنَا بَرَجُلٍ قَائِمٍ عَلَى عَيْنٍ ، يَغْرِفُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنَ الْمَاءِ ، فَإِذَا تَصَدَّعُوا عَنْهُ صَبَّ فِي جَرَّتِهِ فَلَمْ تَعْلَقْ جَرَّتُهُ مِنَ الْمَاءِ بِشَيْءٍ . قَالَ : لَسْتَ تُدْرِكُ هَذَا ، هَذَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، الْقَاصُّ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْعِلْمَ ثُمَّ يُخَالِفُهُمْ إِلَى مَعَاصِي اللَّهِ .
قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ إِذَا أَنَا بِعَنْزٍ وَإِذَا بِقَوْمٍ قَدْ أَخَذُوا بِقَوَائِمِهَا ، وَإِذَا رَجُلٌ قَدْ أَخَذَ بِقَرْنَيْهَا ، وَإِذَا رَجُلٌ قَدْ أَخَذَ بِذَنَبِهَا ، وَإِذَا رَجُلٌ قَدْ رَكِبَهَا ، وَإِذَا رَجُلٌ يَحْلِبُهَا . فَقَالَ : أَمَّا الْعَنْزُ فَهِيَ الدُّنْيَا ، وَالَّذِينَ أَخَذُوا بِقَوَائِمِهَا يَتَسَاقَطُونَ مِنْ عَيْشِهَا ، وَأَمَّا الَّذِي قَدْ أَخَذَ بِقَرْنَيْهَا فَهُوَ يُعَالِجُ مِنْ عَيْشِهَا ضِيقًا ، وَأَمَّا الَّذِي أَخَذَ بِذَنَبِهَا فَقَدْ أَدْبَرَتْ عَنْهُ ، وَأَمَّا الَّذِي رَكِبَهَا فَقَدْ تَرَكَهَا . وَأَمَّا الَّذِي يَحْلِبُهَا فَبَخٍ [ بَخٍ ] ، ذَهَبَ ذَلِكَ بِهَا .
قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ ، وَإِذَا أَنَا بَرْجَلٍ يَمْتَحُ عَلَى قَلِيبٍ ، كُلَّمَا أَخْرَجَ دَلْوَهُ صَبَّهُ فِي الْحَوْضِ ، فَانْسَابَ الْمَاءُ رَاجِعًا إِلَى الْقَلِيبِ . قَالَ : هَذَا رَجُلٌ رَدَّ اللَّهُ [ عَلَيْهِ ] صَالِحَ عَمَلِهِ ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ .
قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ ، إِذَا أَنَا بَرْجَلٍ يَبْذُرُ بَذْرًا فَيُسْتَحْصَدُ ، فَإِذَا حِنْطَةٌ طَيِّبَةٌ . قَالَ : هَذَا رَجُلٌ قَبِلَ اللَّهُ صَالِحَ عَمَلِهِ ، وَأَزْكَاهُ لَهُ .
قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا انْفَرَجَ بِي السَّبِيلُ ، إِذَا أَنَا بَرْجَلٍ مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ ، قَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، ادْنُ مِنِّي فَخُذْ بِيَدِي وَأَقْعِدْنِي ، فَوَاللَّهِ مَا قَعَدْتُ مُنْذُ خَلَقَنِي اللَّهُ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ ، فَقَامَ يَسْعَى حَتَّى مَا أَرَاهُ . فَقَالَ لَهُ الْفَتَى : هَذَا عُمُرُ الْأَبْعَدِ نَفَدَ ، أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ وَأَنَا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَتْكَ . . . أَمَرَنِي اللَّهُ بِقَبْضِ رَوْحِ الْأَبْعَدِ فِي هَذَا الْمَكَانِ ، ثُمَّ أُصَيِّرُهُ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ قَالَ : فَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ) الْآيَةَ .
[ ص: 531 ] هَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ ، وَتَنْزِيلُ [ هَذِهِ ] الْآيَةِ عَلَيْهِ وَفِي حَقِّهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْكُفَّارَ كُلَّهُمْ يُتَوَفَّوْنَ وَأَرْوَاحُهُمْ مُتَعَلَّقَةٌ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، كَمَا جَرَى لِهَذَا الْمَغْرُورِ الْمَفْتُونِ ، ذَهَبَ يَطْلُبُ مُرَادَهُ فَجَاءَهُ الْمَوْتُ فَجْأَةً بَغْتَةً ، وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهِي .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ ) أَيْ : كَمَا جَرَى لِلْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ ، لَمَّا جَاءَهُمْ بِأْسُ اللَّهِ تَمَنَّوْا أَنْ لَوْ آمَنُوا فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=84فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) [ غَافِرٍ : 84 ، 85 ] .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=54إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) أَيْ : كَانُوا فِي الدُّنْيَا فِي شَكٍّ وَرِيبَةٍ ، فَلِهَذَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُمُ الْإِيمَانُ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ .
قَالَ
قَتَادَةُ : إِيَّاكُمْ وَالشَّكَّ وَالرِّيبَةَ . فَإِنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى شَكٍّ بُعِثَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى يَقِينٍ بُعِثَ عَلَيْهِ .
آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ " سَبَأٍ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .