قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله : أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا [ على ] أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل ، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم ، وأن ميكائيل ولي لهم ، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك . فقال بعضهم : إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوته . ذكر من قال ذلك
حدثنا أبو كريب ، حدثنا ، عن يونس بن بكير عبد الحميد بن بهرام ، عن ، عن شهر بن حوشب ابن عباس أنه قال : اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا أبا القاسم ، حدثنا عن خلال نسألك عنهن ، لا يعلمهن إلا نبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا عما شئتم ، ولكن اجعلوا لي [ ص: 336 ] ذمة وما أخذ يعقوب على بنيه ، لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه لتتابعني على الإسلام " . فقالوا : ذلك لك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوني عما شئتم " . فقالوا : أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن : أخبرنا إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ؟ وأخبرنا كيف أي الطعام حرم ؟ ماء المرأة وماء الرجل ؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعني ؟ " فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق . فقال : " نشدتكم بالذي أنزل التوراة على وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ووليه من الملائكة موسى ، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه ، فنذر لله نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام إليه لحوم الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها ؟ " . فقالوا : اللهم نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم اشهد عليهم . وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله ، وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله ؟ " . قالوا : اللهم نعم . قال : " اللهم اشهد " . قال : " وأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه ؟ " . قالوا : اللهم نعم . قال : " اللهم اشهد " . قالوا : أنت الآن ، فحدثنا من وليك من الملائكة ، فعندها نجامعك أو نفارقك . قال : " فإن وليي جبريل ، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه " . قالوا : فعندها نفارقك ، لو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك . قال : " فما منعكم أن تصدقوه ؟ " قالوا : إنه عدونا . فأنزل الله عز وجل : ( قل من كان عدوا لجبريل ) إلى قوله : ( لو كانوا يعلمون ) [ البقرة : 103 ] فعندها باؤوا بغضب على غضب . حضرت عصابة من
وقد رواه في مسنده ، عن الإمام أحمد أبي النضر هاشم بن القاسم في تفسيره ، عن وعبد بن حميد ، كلاهما عن أحمد بن يونس عبد الحميد بن بهرام ، به .
ورواه أيضا عن الإمام أحمد الحسين بن محمد المروزي ، عن عبد الحميد ، بنحوه [ به ] .
وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن ، فذكره مرسلا وزاد فيه : شهر بن حوشب بني إسرائيل ، هل تعلمون أنه جبريل ، وهو الذي يأتيني ؟ " قالوا : نعم ، ولكنه لنا عدو ، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء ، فلولا ذلك اتبعناك . فأنزل الله فيهم : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) إلى قوله : ( كأنهم لا يعلمون ) [ البقرة : 101 ] . قالوا : فأخبرنا عن الروح قال : " أنشدكم بالله وبآياته [ ص: 337 ] عند
وقال : حدثنا الإمام أحمد أبو أحمد حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي ، عن بكير بن شهاب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم ، إنا نسألك عن خمسة أشياء ، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك . فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال : ( الله على ما نقول وكيل ) [ يوسف : 66 ] قال : " هاتوا " . قالوا : أخبرنا عن علامة النبي . قال : " تنام عيناه ولا ينام قلبه " . قالوا : أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف يذكر الرجل ؟ قال : " يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت " ، قالوا : أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه . قال : " كان يشتكي عرق النساء ، فلم يجد شيئا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا " قال أحمد : قال بعضهم : يعني الإبل " فحرم لحومها " قالوا : صدقت . قالوا : أخبرنا ما هذا الرعد ؟ قال " ملك من ملائكة الله ، عز وجل ، موكل بالسحاب بيديه أو في يده مخراق من نار يزجر به السحاب ، يسوقه حيث أمره الله عز وجل " . قالوا : فما هذا الصوت الذي نسمعه ؟ قال : " صوته " . قالوا : صدقت . إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا ، إنه ليس من نبي إلا وله ملك يأتيه بالخبر ، فأخبرنا من صاحبك ؟ قال : " جبريل عليه السلام " ، قالوا : جبريل ، ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا ، لو قلت : ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان . فأنزل الله عز وجل : ( قل من كان عدوا لجبريل ) إلى آخر الآية . أقبلت
ورواه الترمذي ، من حديث والنسائي عبد الله بن الوليد ، به . وقال الترمذي : حسن غريب .
وقال في تفسيره ، عن سنيد ، عن حجاج بن محمد : أخبرني ابن جريج القاسم بن أبي بزة يهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي . قال : " جبريل " . قالوا : فإنه لنا عدو ، ولا يأتي إلا بالشدة والحرب والقتال . فنزل : ( قل من كان عدوا لجبريل ) الآية . قال أن : وقال ابن جريج مجاهد : قالت يهود : يا محمد ، ما ينزل جبريل إلا بشدة وحرب وقتال ، وإنه لنا عدو . فنزل : ( قل من كان عدوا لجبريل ) الآية .
وقال : قوله : ( البخاري من كان عدوا لجبريل ) قال عكرمة : جبر ، وميك ، وإسراف : عبد . وإيل : الله . حدثنا عبد الله بن منير سمع عبد الله بن بكر حدثنا حميد ، عن أنس بن مالك ، [ ص: 338 ] قال : بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام أهل الجنة ؟ عبد الله بن سلام ؟ قال : " أخبرني بهن وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه جبريل آنفا " . قال : جبريل ؟ قال : " نعم " . قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة ، فقرأ هذه الآية : ( من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ) " أما فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول أشراط الساعة فزيادة كبد الحوت ، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة [ ماء الرجل ] نزعت " . قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله . يا رسول الله ، إن أول طعام يأكله أهل الجنة اليهود قوم بهت ، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني . فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أي رجل فيكم ؟ " قالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا . قال : " أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام " . فقالوا : أعاذه الله من ذلك . فخرج عبد الله بن سلام عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله . فقالوا : شرنا وابن شرنا . فانتقصوه .
قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله . سمع
انفرد به من هذا الوجه وقد أخرجه من وجه آخر ، عن البخاري أنس بنحوه . وفي صحيح مسلم ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريب من هذا السياق كما سيأتي في موضعه .
وحكاية عن البخاري عكرمة هو المشهور أن " إيل " هو الله . وقد رواه ، عن سفيان الثوري خصيف ، عن عكرمة .
ورواه عبد بن حميد ، عن إبراهيم بن الحكم ، عن أبيه ، عن عكرمة ، ورواه ابن جرير ، عن الحسين بن يزيد الطحان ، عن إسحاق بن منصور ، عن قيس ، عن عاصم ، عن عكرمة ، أنه قال : إن جبريل اسمه عبد الله وميكائيل : عبيد الله . إيل : الله .
ورواه يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله سواء . وكذا قال غير واحد من السلف ، كما سيأتي قريبا .
[ ص: 339 ]
[ وقال في أثناء حديث الإمام أحمد سمرة بن جندب : حدثنا ، حدثنا محمد بن سلمة محمد بن إسحاق ، حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال : قال لي علي بن الحسين : اسم جبريل عبد الله ، واسم ميكائيل : عبيد الله ] .
ومن الناس من يقول : " إيل " عبارة عن عبد ، والكلمة الأخرى هي اسم الله ; لأن كلمة " إيل " لا تتغير في الجميع ، فوزانه : عبد الله ، عبد الرحمن ، عبد الملك ، عبد القدوس ، عبد السلام ، عبد الكافي ، عبد الجليل . فعبد موجودة في هذا كله ، واختلفت الأسماء المضاف إليها ، وكذلك جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ونحو ذلك ، وفي كلام غير العرب يقدمون المضاف إليه على المضاف ، والله أعلم .
ثم قال ابن جرير : وقال آخرون : بل كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بين وبينهم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : عمر بن الخطاب
حدثني ، حدثني محمد بن المثنى ربعي بن علية ، عن ، عن داود بن أبي هند الشعبي ، قال : الروحاء ، فرأى رجالا يبتدرون أحجارا يصلون إليها ، فقال : ما بال هؤلاء ؟ قالوا : يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى هاهنا . قال : فكفر ذلك . وقال : إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد صلاها ثم ارتحل ، فتركه . ثم أنشأ يحدثهم ، فقال : كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان ومن الفرقان كيف يصدق التوراة ؟ فبينما أنا عندهم ذات يوم ، قالوا : يا ابن الخطاب ، ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك . قلت : ولم ذلك ؟ قالوا : إنك تغشانا وتأتينا . فقلت : إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق التوراة ، ومن التوراة كيف تصدق الفرقان . قال : ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا ابن الخطاب ، ذاك صاحبكم فالحق به ، قال : فقلت لهم عند ذلك : نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو ، وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه : أتعلمون أنه رسول الله ؟ قال : فسكتوا . فقال لهم عالمهم وكبيرهم : إنه قد غلظ عليكم فأجيبوه . فقالوا : فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت . قال : أما إذ نشدتنا بما نشدتنا به فإنا نعلم أنه رسول الله ، قال : قلت : ويحكم فأنى هلكتم ؟ ! قالوا : إنا لم نهلك [ قال ] : قلت : كيف ذلك وأنتم تعلمون أنه رسول الله [ ثم ] ولا تتبعونه ولا تصدقونه ؟ قالوا : إن لنا عدوا من الملائكة وسلما من الملائكة ، وإنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة . قال : قلت : ومن عدوكم ومن سلمكم ؟ قالوا : عدونا جبريل ، وسلمنا ميكائيل . قال : قلت : وفيم عاديتم جبريل ، وفيم سالمتم ميكائيل ؟ قالوا : إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا ، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا .
[ ص: 340 ]
قال : قلت : وما منزلتهما من ربهما عز وجل ؟ قالوا : أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره . قال : قلت : فو [ الله ] الذي لا إله إلا هو ، إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما وما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبريل . ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم فلحقته وهو خارج من خوخة لبني فلان ، فقال : يا ابن الخطاب ، ألا أقرئك آيات نزلن قبل ؟ " فقرأ علي : ( من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه ) حتى قرأ هذه الآيات . قال : قلت : بأبي وأمي يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك ، فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر . نزل عمر
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، عن مجالد ، أنبأنا عامر ، قال : إلى عمر بن الخطاب اليهود ، فقال : أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى : هل تجدون محمدا في كتبكم ؟ قالوا : نعم . قال : فما يمنعكم أن تتبعوه ؟ قالوا : إن الله لم يبعث رسولا إلا جعل له من الملائكة كفلا ، وإن جبريل كفل محمدا ، وهو الذي يأتيه ، وهو عدونا من الملائكة ، وميكائيل سلمنا ; لو كان ميكائيل هو الذي يأتيه أسلمنا . قال : فإني أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى : ما منزلتهما من رب العالمين ؟ قالوا : جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله . قال عمر . وإني أشهد ما ينزلان إلا بإذن الله ، وما كان ميكائيل ليسالم عدو جبريل ، وما كان جبريل ليسالم عدو ميكائيل . فبينما هو عندهم إذ مر النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : هذا صاحبك يا ابن الخطاب : فقام إليه عمر ، فأتاه ، وقد أنزل الله ، عز وجل ، عليه : ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ) . انطلق
وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر ، ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر ، فإنه لم يدرك وفاته ، والله أعلم .
وقال ابن جرير : حدثنا بشر حدثنا ، عن يزيد بن زريع سعيد ، قتادة ، قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود . فلما أبصروه رحبوا به ، فقال لهم عمر : أما والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم ، ولكن جئت لأسمع منكم . فسألهم وسألوه . فقالوا : من صاحب صاحبكم ؟ فقال لهم : جبريل . فقالوا : ذاك عدونا من أهل السماء ، يطلع محمدا على سرنا ، وإذا جاء جاء الحرب والسنة ، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل ، وكان إذا جاء جاء الخصب والسلم . فقال لهم عمر : هل تعرفون جبريل وتنكرون محمدا صلى الله عليه وسلم ؟ ففارقهم عمر عند ذلك وتوجه نحو النبي صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 341 ] ليحدثه حديثهم ، فوجده قد أنزلت عليه هذه الآية : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) . عن
ثم قال : حدثني المثنى ، حدثنا آدم ، حدثنا أبو جعفر عن قتادة ، قال : بلغنا أن عمر أقبل إلى اليهود يوما ، فذكر نحوه . وهذا أيضا منقطع ، وكذلك رواه أسباط ، عن ، عن السدي عمر مثل هذا أو نحوه ، وهو منقطع أيضا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن يعني الدشتكي حدثنا أبو جعفر ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديا أتى ، فقال : إن عمر بن الخطاب جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا . فقال عمر : ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ) قال : فنزلت على لسان عمر ، رضي الله عنه .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ، عن في قوله : ( ابن أبي ليلى من كان عدوا لجبريل ) قال : قالت اليهود للمسلمين : لو أن ميكائيل كان الذي ينزل عليكم اتبعناكم ، فإنه ينزل بالرحمة والغيث ، وإن جبريل ينزل بالعذاب والنقمة ، فإنه لنا عدو . قال : فنزلت هذه الآية .
حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم ، أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء ، بنحوه . وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( قل من كان عدوا لجبريل ) قال : قالت اليهود : إن جبريل عدونا ، لأنه ينزل بالشدة والسنة ، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب ، فجبريل عدونا . فقال الله تعالى : ( من كان عدوا لجبريل ) [ الآية ] .
وأما تفسيرها فقوله تعالى : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) أي : من عادى جبريل فليعلم أنه الروح الأمين الذي نزل بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه له في ذلك ، فهو رسول من رسل الله ملكي [ عليه وعلى سائر إخوانه من الملائكة السلام ] ومن عادى رسولا فقد عادى جميع الرسل ، كما أن من آمن برسول فإنه يلزمه الإيمان بجميع الرسل ، وكما أن من كفر برسول فإنه يلزمه الكفر بجميع الرسل ، كما قال تعالى : ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) [ النساء : 150 ، 151 ] فحكم عليهم بالكفر المحقق ، إذ آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم وكذلك من عادى جبريل فإنه عدو لله ; [ ص: 342 ] لأن جبريل لا ينزل بالأمر من تلقاء نفسه ، وإنما ينزل بأمر ربه كما قال : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ) [ مريم : 64 ] وقال تعالى : ( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) [ الشعراء : 192 - 194 ] وقد روى في صحيحه ، عن البخاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة . ولهذا غضب الله " من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب " لجبريل على من عاداه ، فقال : ( من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه ) أي : من الكتب المتقدمة ( وهدى وبشرى للمؤمنين ) أي : هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة ، وليس ذلك إلا للمؤمنين . كما قال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) [ فصلت : 44 ] ، وقال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] .
ثم قال تعالى : ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ) يقول تعالى : من عاداني وملائكتي ورسلي ، ورسله تشمل رسله من الملائكة والبشر ، كما قال تعالى : ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) [ الحج : 75 ] .
( وجبريل وميكال ) وهذا من باب عطف الخاص على العام ، فإنهما دخلا في الملائكة ، ثم عموم الرسل ، ثم خصصا بالذكر ; لأن السياق في الانتصار لجبريل وهو السفير بين الله وأنبيائه ، وقرن معه ميكائيل في اللفظ ; لأن اليهود زعموا أن جبريل عدوهم وميكائيل وليهم ، فأعلمهم أنه من عادى واحدا منهما فقد عادى الآخر وعادى الله أيضا ; لأنه أيضا ينزل على الأنبياء بعض الأحيان ، كما قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر ، ولكن جبريل أكثر ، وهي وظيفته ، وميكائيل موكل بالقطر والنبات ، هذاك بالهدى وهذا بالرزق ، كما أن إسرافيل موكل بالصور للنفخ للبعث يوم القيامة ; ولهذا جاء في الصحيح : جبريل وإسرافيل وميكائيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " . وقد تقدم ما حكاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يقول " اللهم رب ، ورواه البخاري ابن جرير عن عكرمة أنه قال : جبر ، وميك ، وإسراف : عبيد . وإيل : الله .
[ ص: 343 ]
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن ابن عباس ، قال : إنما قوله : " جبريل " كقوله : " عبد الله " و " عبد الرحمن " . وقيل جبر : عبد . وإيل : الله .
وقال محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، قال : أتدرون ما اسم جبرائيل من أسمائكم ؟ قلنا : لا . قال : اسمه عبد الله ، قال : فتدرون ما اسم ميكائيل من أسمائكم ؟ قلنا : لا . قال : اسمه عبيد الله . وكل اسم مرجعه إلى " يل " فهو إلى الله .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد وعكرمة والضحاك نحو ذلك . ثم قال : حدثني أبي ، حدثنا ويحيى بن يعمر أحمد بن أبي الحواري ، حدثني عبد العزيز بن عمير قال : جبريل في الملائكة خادم الله . قال : فحدثت به اسم أبا سليمان الداراني ، فانتفض وقال : لهذا الحديث أحب إلي من كل شيء [ وكتبه ] في دفتر كان بين يديه .
وفي جبريل وميكائيل لغات وقراءات ، تذكر في كتب اللغة والقراءات ، ولم نطول كتابنا هذا بسرد ذلك إلا أن يدور فهم المعنى عليه ، أو يرجع الحكم في ذلك إليه ، وبالله الثقة ، وهو المستعان .
وقوله تعالى : ( فإن الله عدو للكافرين ) فيه إيقاع المظهر مكان المضمر حيث لم يقل : فإنه عدو للكافرين . قال : ( فإن الله عدو للكافرين ) كما قال الشاعر :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
وقال آخر :
ليت الغراب غداة ينعب دائبا كان الغراب مقطع الأوداج
وإنما أظهر الاسم هاهنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره ، وإعلامهم أن من عادى أولياء الله فقد عادى الله ، ومن عادى الله فإن الله عدو له ، ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والآخرة ، كما تقدم الحديث : . وفي الحديث الآخر : " من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب " " إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب " . وفي الحديث الصحيح : . " ومن كنت خصمه خصمته "
[ ص: 344 ]