( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ( 30 ) ) .
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه ، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد ، فليصرف بصره عنه سريعا ، كما رواه مسلم في صحيحه ، من حديث يونس بن عبيد ، عن عمرو بن سعيد ، عن عن جده أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، رضي الله عنه ، قال : جرير بن عبد الله البجلي ، فأمرني أن أصرف بصري . نظرة الفجأة ،
وكذا رواه الإمام سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، عن أحمد ، عن هشيم ، عن يونس بن عبيد ، به . ورواه أبو داود [ ص: 42 ] والترمذي من حديثه أيضا . وقال والنسائي ، الترمذي : حسن صحيح . وفي رواية لبعضهم : فقال : " أطرق بصرك " ، يعني : انظر إلى الأرض . والصرف أعم; فإنه قد يكون إلى الأرض ، وإلى جهة أخرى ، والله أعلم .
وقال أبو داود : حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ، حدثنا شريك ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : علي ، لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة " " يا
ورواه الترمذي من حديث شريك ، وقال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديثه .
وفي الصحيح عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والجلوس على الطرقات " . قالوا : يا رسول الله ، لا بد لنا من مجالسنا ، نتحدث فيها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أبيتم ، فأعطوا الطريق حقه " . قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال : " غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر " .
وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا طالوت بن عباد ، حدثنا فضل بن جبير : سمعت أبا أمامة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة : إذا حدث أحدكم فلا يكذب ، وإذا اؤتمن فلا يخن ، وإذا وعد فلا يخلف . وغضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم ، واحفظوا فروجكم " .
وفي صحيح : البخاري . " من يكفل لي ما بين لحييه وما بين رجليه ، أكفل له الجنة "
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : كل ما عصي الله به ، فهو كبيرة . وقد ذكر الطرفين فقال : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) .
ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب ، كما قال بعض السلف : " النظر سهام سم إلى القلب " ; ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك ، فقال : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) . وحفظ الفرج تارة يكون بمنعه من الزنى ، كما قال ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ) [ المعارج : 29 ، 30 ] وتارة يكون بحفظه من النظر إليه ، كما جاء في الحديث في مسند أحمد والسنن : [ ص: 43 ] . احفظ عورتك ، إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك "
( ذلك أزكى لهم ) أي : أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم ، كما قيل : " من حفظ بصره ، أورثه الله نورا في بصيرته " . ويروى : " في قلبه " .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عتاب ، حدثنا أخبرنا عبد الله بن المبارك ، يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . " ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة [ أول مرة ] ثم يغض بصره ، إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها "
وروي هذا مرفوعا عن ابن عمر ، وحذيفة ، رضي الله عنهم ولكن في إسنادها ضعف ، إلا أنها في الترغيب ، ومثله يتسامح فيه . وعائشة ،
وفي من طريق الطبراني عبيد الله بن زحر ، ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة مرفوعا : . " لتغضن أبصاركم ، ولتحفظن فروجكم ، ولتقيمن وجوهكم - أو : لتكسفن وجوهكم "
وقال : حدثنا الطبراني أحمد بن زهير التستري قال : قرأنا على محمد بن حفص بن عمر الضرير المقرئ ، حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا هريم بن سفيان ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عبد الله بن مسعود ، . " إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم ، من تركه مخافتي ، أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه "
وقوله : ( إن الله خبير بما يصنعون ) ، كما قال تعالى : ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) [ غافر : 19 ] .
وفي الصحيح ، عن رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة ، " كتب على ابن آدم حظه من الزنى ، أدرك ذلك لا محالة . فزنى العينين : النظر . وزنى اللسان : النطق . وزنى الأذنين : الاستماع . وزنى اليدين : البطش . وزنى الرجلين : الخطي . والنفس تمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " .
[ ص: 44 ]
رواه تعليقا ، البخاري ومسلم مسندا من وجه آخر بنحو ما تقدم .
وقد قال كثير من السلف : إنهم كانوا ينهون أن يحد الرجل بصره إلى الأمرد . وقد شدد كثير من أئمة الصوفية في ذلك ، وحرمه طائفة من أهل العلم ، لما فيه من الافتتان ، وشدد آخرون في ذلك كثيرا جدا .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو سعيد المدني ، حدثنا عمر بن سهل المازني ، حدثني عمر بن محمد بن صهبان ، حدثني صفوان بن سليم ، عن رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة ، " ، وعينا سهرت في سبيل الله ، وعينا يخرج منها مثل رأس الذباب ، من خشية الله ، عز وجل " . كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عينا غضت عن محارم الله