(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29000_33953_31832_31836ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ( 14 )
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين ( 15 ) ) .
هذه تسلية من الله تعالى لعبده ورسوله
محمد صلوات الله وسلامه عليه ، يخبره عن
نوح عليه السلام : أنه مكث في قومه هذه المدة يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا ، وسرا ، وجهارا ،
[ ص: 268 ] ومع هذا ما زادهم ذلك إلا فرارا عن الحق ، وإعراضا عنه وتكذيبا له ، وما آمن معه منهم إلا قليل ; ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ) أي : بعد هذه المدة الطويلة ما نجع فيهم البلاغ والإنذار ، فأنت - يا
محمد - لا تأسف على من كفر بك من قومك ، ولا تحزن عليهم ; فإن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، وبيده الأمر وإليه ترجع الأمور ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=96إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون . ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] ، واعلم أن الله سيظهرك وينصرك ويؤيدك ، ويذل عدوك ، ويكبتهم ويجعلهم أسفل السافلين .
قال
حماد بن سلمة ، عن
علي بن زيد ، عن
يوسف بن ماهك ، عن
ابن عباس قال : بعث
نوح وهو لأربعين سنة ، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وعاش بعد الطوفان ستين عاما ، حتى كثر الناس وفشوا .
وقال
قتادة : يقال إن عمره كله [ كان ] ألف سنة إلا خمسين عاما ، لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلثمائة سنة ، ودعاهم ثلثمائة ، ولبث بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة .
وهذا قول غريب ، وظاهر السياق من الآية أنه مكث في قومه يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما .
وقال
عون بن أبي شداد : إن الله أرسل
نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلثمائة سنة ، فدعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، ثم عاش بعد ذلك ثلثمائة وخمسين سنة .
وهذا أيضا غريب ، رواه
ابن أبي حاتم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، وقول
ابن عباس أقرب ، والله أعلم .
وقال
الثوري ، عن
سلمة بن كهيل ، عن
مجاهد قال : قال لي
ابن عمر : كم لبث
نوح في قومه ؟ قال : قلت ألف سنة إلا خمسين عاما . قال : فإن الناس لم يزالوا في نقصان من أعمارهم وأحلامهم وأخلاقهم إلى يومك هذا .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فأنجيناه وأصحاب السفينة ) أي : الذين آمنوا
بنوح عليه السلام . وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا في سورة " هود " ، وتقدم تفسيره بما أغنى عن إعادته .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15وجعلناها آية للعالمين ) أي : وجعلنا تلك السفينة باقية ، إما عينها كما قال
قتادة : إنها بقيت إلى أول الإسلام على
جبل الجودي ، أو نوعها جعله للناس تذكرة لنعمه على الخلق ، كيف نجاهم من الطوفان ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=41وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون . وخلقنا لهم من مثله ما يركبون . وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون . إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ) [ يس : 41 - 44 ] ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=11إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية . لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ) [ الحاقة : 11 ، 12 ] ، وقال هاهنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين ) ، وهذا من باب التدريج من الشخص إلى الجنس ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=5ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ]
[ ص: 269 ] أي : وجعلنا نوعها ، فإن التي يرمى بها ليست هي التي زينة للسماء . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) [ المؤمنون : 12 ، 13 ] ، ولهذا نظائر كثيرة .
وقال
ابن جرير : لو قيل : إن الضمير في قوله : ( وجعلناها ) ، عائد إلى العقوبة ، لكان وجها ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29000_33953_31832_31836وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ( 14 )
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ( 15 ) ) .
هَذِهِ تَسْلِيَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ
مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، يُخْبِرُهُ عَنْ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَنَّهُ مَكَثَ فِي قَوْمِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَسِرًّا ، وَجِهَارًا ،
[ ص: 268 ] وَمَعَ هَذَا مَا زَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا فِرَارًا عَنِ الْحَقِّ ، وَإِعْرَاضًا عَنْهُ وَتَكْذِيبًا لَهُ ، وَمَا آمَنُ مَعَهُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ; وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) أَيْ : بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ مَا نَجَعَ فِيهِمُ الْبَلَاغُ وَالْإِنْذَارُ ، فَأَنْتَ - يَا
مُحَمَّدُ - لَا تَأْسَفْ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِكَ مِنْ قَوْمِكَ ، وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ; فَإِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيَضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَبِيَدِهِ الْأَمْرُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=96إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ . وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ) [ يُونُسَ : 96 ، 97 ] ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سَيُظْهِرُكَ وَيَنْصُرُكَ وَيُؤَيِّدُكَ ، وَيُذِلُّ عَدُوَّكَ ، وَيَكْبِتُهُمْ وَيَجْعَلُهُمْ أَسْفَلَ السَّافِلِينَ .
قَالَ
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : بُعِثَ
نُوحٌ وَهُوَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةٍ ، وَلَبِثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ، وَعَاشَ بَعْدَ الطُّوفَانِ سِتِّينَ عَامًا ، حَتَّى كَثُرَ النَّاسُ وَفَشَوْا .
وَقَالَ
قَتَادَةُ : يُقَالُ إِنَّ عُمُرَهُ كُلَّهُ [ كَانَ ] أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ، لَبِثَ فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ ثَلَثَمِائَةِ سَنَةٍ ، وَدَعَاهُمْ ثَلَثَمِائَةٍ ، وَلَبِثَ بَعْدَ الطُّوفَانِ ثَلَثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً .
وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ ، وَظَاهِرُ السِّيَاقِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ مَكَثَ فِي قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا .
وَقَالَ
عَوْنُ بْنُ أَبِي شَدَّادٍ : إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ
نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِينَ وَثَلَثَمِائَةِ سَنَةٍ ، فَدَعَاهُمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ، ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً .
وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ ، رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ ، وَقَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَقْرَبُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ
الثَّوْرِيُّ ، عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ : قَالَ لِيَ
ابْنُ عُمَرَ : كَمْ لَبِثَ
نُوحٌ فِي قَوْمِهِ ؟ قَالَ : قُلْتُ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا . قَالَ : فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا فِي نُقْصَانٍ مِنْ أَعْمَارِهِمْ وَأَحْلَامِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ إِلَى يَوْمِكَ هَذَا .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ) أَيِ : الَّذِينَ آمَنُوا
بِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي سُورَةِ " هُودٍ " ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) أَيْ : وَجَعَلْنَا تِلْكَ السَّفِينَةَ بَاقِيَةً ، إِمَّا عَيْنُهَا كَمَا قَالَ
قَتَادَةُ : إِنَّهَا بَقِيَتْ إِلَى أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى
جَبَلِ الْجُودِيِّ ، أَوْ نَوْعُهَا جَعَلَهُ لِلنَّاسِ تَذْكِرَةً لِنِعَمِهِ عَلَى الْخَلْقِ ، كَيْفَ نَجَّاهُمْ مِنَ الطُّوفَانِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=41وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ . وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ . إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ) [ يس : 41 - 44 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=11إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ . لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) [ الْحَاقَّةِ : 11 ، 12 ] ، وَقَالَ هَاهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) ، وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّدْرِيجِ مِنَ الشَّخْصِ إِلَى الْجِنْسِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=5وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) [ الْمُلْكِ : 5 ]
[ ص: 269 ] أَيْ : وَجَعَلَنَا نَوْعَهَا ، فَإِنَّ الَّتِي يُرْمَى بِهَا لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي زِينَةٌ لِلسَّمَاءِ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 12 ، 13 ] ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ .
وَقَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : لَوْ قِيلَ : إِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : ( وَجَعَلْنَاهَا ) ، عَائِدٌ إِلَى الْعُقُوبَةِ ، لَكَانَ وَجْهًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .