[ ص: 336 ] ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ( 13 ) ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ( 14 ) وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ( 15 ) ) .
يقول تعالى مخبرا عن وصية لقمان لولده - وهو : لقمان بن عنقاء بن سدون . واسم ابنه : ثاران في قول حكاه السهيلي . وقد ذكره [ الله ] تعالى بأحسن الذكر ، فإنه آتاه الحكمة ، وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه ، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف; ولهذا أوصاه أولا بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا ، ثم قال محذرا له : ( إن الشرك لظلم عظيم ) أي : هو أعظم الظلم .
قال حدثنا البخاري قتيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عبد الله ، رضي الله عنه ، قال : لما نزلت : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) [ الأنعام : 82 ] ، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس بذاك ، ألا تسمع إلى قول لقمان : ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) . عن
ورواه مسلم من حديث الأعمش ، به .
ثم قرن بوصيته إياه بعبادة الله وحده البر بالوالدين . كما قال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] . وكثيرا ما يقرن تعالى بين ذلك في القرآن .
وقال هاهنا ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن ) . قال مجاهد : مشقة وهن الولد .
وقال قتادة : جهدا على جهد .
وقال : ضعفا على ضعف . عطاء الخراساني
وقوله : ( وفصاله في عامين ) أي : تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين ، كما قال تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) [ البقرة : 233 ] .
ومن هاهنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن ستة أشهر; لأنه قال تعالى في الآية الأخرى : ( أقل مدة الحمل وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) [ الأحقاف : 15 ] .
وإنما يذكر تعالى تربية الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلا ونهارا ، ليذكر الولد بإحسانها المتقدم إليه ، كما قال تعالى : ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) [ الإسراء : 24 ] ; ولهذا قال : ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) أي : فإني سأجزيك على ذلك أوفر الجزاء .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا ، عبد الله بن أبي شيبة قالا حدثنا ومحمود بن غيلان عبيد الله ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال : قدم علينا معاذ بن جبل ، وكان بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إني [ رسول ] رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم : أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تطيعوني لا آلوكم خيرا ، وأن المصير إلى [ ص: 337 ] الله ، وإلى الجنة أو إلى النار ، إقامة فلا ظعن ، وخلود فلا موت .
وقوله : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) أي : إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما ، فلا تقبل منهما ذلك ، ولا يمنعنك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا ، أي : محسنا إليهما ، ( واتبع سبيل من أناب إلي ) يعني : المؤمنين ، ( ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) .
قال في كتاب العشرة : حدثنا الطبراني أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أحمد بن أيوب بن راشد ، حدثنا مسلمة بن علقمة ، عن [ عن داود بن أبي هند ] : أن أبي عثمان النهدي قال : أنزلت في هذه الآية : ( سعد بن مالك وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) الآية ، وقال : كنت رجلا برا بأمي ، فلما أسلمت قالت : يا سعد ، ما هذا الذي أراك قد أحدثت ؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت ، فتعير بي ، فيقال : " يا قاتل أمه " . فقلت : لا تفعلي يا أمه ، فإني لا أدع ديني هذا لشيء . فمكثت يوما وليلة لم تأكل فأصبحت قد جهدت ، فمكثت يوما [ آخر ] وليلة أخرى لا تأكل ، فأصبحت قد اشتد جهدها ، فلما رأيت ذلك قلت : يا أمه ، تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ، ما تركت ديني هذا لشيء ، فإن شئت فكلي ، وإن شئت لا تأكلي . فأكلت .