اختلف أهل العربية في قوله : ( الحج أشهر معلومات ) فقال بعضهم : [ تقديره ] الحج حج أشهر معلومات ، فعلى هذا التقدير يكون الإحرام بالحج فيها أكمل من الإحرام به فيما عداها ، وإن كان ذاك صحيحا ، والقول بصحة الإحرام بالحج في جميع السنة مذهب مالك ، ، وأبي حنيفة وأحمد [ ص: 541 ] بن حنبل ، ، وبه يقول وإسحاق ابن راهويه ، إبراهيم النخعي ، والثوري . واحتج لهم بقوله تعالى : ( والليث بن سعد يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) [ البقرة : 189 ] وبأنه أحد النسكين . فصح الإحرام به في جميع السنة كالعمرة .
وذهب ، رحمه الله ، إلى أنه الشافعي فلو أحرم به قبلها لم ينعقد إحرامه به ، وهل ينعقد عمرة ؟ فيه قولان عنه . والقول بأنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره مروي عن لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره ابن عباس ، وجابر ، وبه يقول عطاء ، ، وطاوس ومجاهد ، رحمهم الله ، والدليل عليه قوله تعالى : ( الحج أشهر معلومات ) وظاهره التقدير الآخر الذي ذهب إليه النحاة ، وهو أن : وقت الحج أشهر معلومات ، فخصصه بها من بين سائر شهور السنة ، فدل على أنه لا يصح قبلها ، كميقات الصلاة .
قال ، رحمه الله : أخبرنا الشافعي ، عن مسلم بن خالد ، أخبرني ابن جريج عمر بن عطاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قال : لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في شهور الحج ، من أجل قول الله : ( الحج أشهر معلومات ) وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أحمد بن يحيى بن مالك السوسي ، عن ، عن حجاج بن محمد الأعور ، به . ورواه ابن جريج ابن مردويه في تفسيره من طريقين ، عن ، عن حجاج بن أرطاة عن مقسم ، عن الحكم بن عتيبة ابن عباس : أنه قال : من السنة ألا يحرم [ بالحج ] إلا في أشهر الحج .
وقال في صحيحه : حدثنا ابن خزيمة أبو كريب ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج ، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج . وهذا إسناد صحيح ، وقول الصحابي : " من السنة كذا " في حكم المرفوع عند الأكثرين ، ولا سيما قول ابن عباس تفسيرا للقرآن ، وهو ترجمانه .
وقد ورد فيه حديث مرفوع ، قال ابن مردويه : حدثنا حدثنا عبد الباقي بن قانع الحسن بن المثنى ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا سفيان ، عن ، عن أبي الزبير جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : . " لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج "
وإسناده لا بأس به . لكن رواه ، الشافعي من طرق ، عن والبيهقي ، عن ابن جريج ، أنه سمع أبي الزبير يسأل : أيهل بالحج قبل أشهر الحج ؟ فقال : لا . جابر بن عبد الله
وهذا الموقوف أصح وأثبت من المرفوع ، ويبقى حينئذ مذهب صحابي ، يتقوى بقول ابن عباس : " من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهره " . والله أعلم .
وقوله : ( أشهر معلومات ) قال : قال البخاري ابن عمر : هي شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة . وهذا الذي علقه البخاري عنه بصيغة الجزم رواه ابن جرير موصولا حدثنا أحمد بن [ ص: 542 ] حازم بن أبي غرزة حدثنا أبو نعيم ، حدثنا ورقاء ، عن ، عن عبد الله بن دينار ابن عمر : ( الحج أشهر معلومات ) قال : شوال ، وذو القعدة وعشر من ذي الحجة .
إسناد صحيح ، وقد رواه أيضا في مستدركه ، عن الحاكم الأصم ، عن الحسن بن علي بن عفان ، عن ، عن عبد الله بن نمير عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر فذكره وقال : على شرط الشيخين .
قلت : وهو مروي عن عمر ، وعلي ، ، وابن مسعود ، وعبد الله بن الزبير ، وابن عباس ، وعطاء ، وطاوس ومجاهد ، ، وإبراهيم النخعي ، والشعبي والحسن ، ، وابن سيرين ومكحول ، وقتادة ، ، والضحاك بن مزاحم ، والربيع بن أنس . وهو مذهب ومقاتل بن حيان ، الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، وأبي يوسف ، رحمهم الله . واختار هذا القول وأبي ثور ابن جرير ، قال : وصح إطلاق الجمع على شهرين وبعض الثالث للتغليب ، كما تقول العرب : " زرته العام ، ورأيته اليوم " . وإنما وقع ذلك في بعض العام واليوم ; قال الله تعالى : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) [ البقرة : 203 ] وإنما تعجل في يوم ونصف .
وقال الإمام مالك بن أنس [ في القديم ] : هي : شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله . وهو رواية عن والشافعي ابن عمر أيضا ; قال ابن جرير :
حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : شوال وذو القعدة وذو الحجة .
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره : حدثنا ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ابن وهب ، أخبرني ، قال : قلت ابن جريج لنافع : أسمعت عبد الله بن عمر يسمي شهور الحج ؟ قال : نعم ، كان عبد الله يسمي : " شوال وذو القعدة وذو الحجة " . قال : وقال ذلك ابن جريج ابن شهاب ، ، وعطاء صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا إسناد صحيح إلى وجابر بن عبد الله . وقد حكي هذا أيضا عن ابن جريج طاوس ، ومجاهد ، ، وعروة بن الزبير ، والربيع بن أنس وقتادة . وجاء فيه حديث مرفوع ، ولكنه موضوع ، رواه الحافظ ابن مردويه ، من طريق حصين بن مخارق وهو متهم بالوضع عن يونس بن عبيد ، عن ، عن شهر بن حوشب أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . " الحج أشهر معلومات : شوال وذو القعدة وذو الحجة "
وهذا كما رأيت لا يصح رفعه ، والله أعلم .
وفائدة مذهب مالك أنه إلى آخر ذي الحجة ، بمعنى أنه مختص بالحج ، فيكره الاعتمار في بقية [ ص: 543 ] ذي الحجة ، لا أنه يصح الحج بعد ليلة النحر .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن ، عن قيس بن مسلم ، قال : قال طارق بن شهاب عبد الله : الحج أشهر معلومات ، ليس فيها عمرة . وهذا إسناد صحيح .
قال ابن جرير : إنما أراد من ذهب إلى أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة أن هذه الأشهر ليست أشهر العمرة ، إنما هي للحج ، وإن كان عمل الحج قد انقضى بانقضاء أيام منى ، كما قال : ما أحد من أهل العلم يشك في أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج . محمد بن سيرين
وقال ابن عون : سألت ، عن العمرة في أشهر الحج ، فقال : كانوا لا يرونها تامة . القاسم بن محمد
قلت : وقد ثبت عن عمر وعثمان ، رضي الله عنهما ، أنهما كانا يحبان الاعتمار في غير أشهر الحج ، وينهيان عن ذلك في أشهر الحج ، والله أعلم .
وقوله : ( فمن فرض فيهن الحج ) أي : أوجب بإحرامه حجا . فيه دلالة على لزوم الإحرام بالحج والمضي فيه . قال ابن جرير : أجمعوا على أن المراد من الفرض هاهنا الإيجاب والإلزام .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( فمن فرض فيهن الحج ) يقول : من أحرم بحج أو عمرة . وقال عطاء : الفرض الإحرام . وكذا قال إبراهيم ، والضحاك ، وغيرهم .
وقال : أخبرني ابن جريج عمر بن عطاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه قال ( فمن فرض فيهن الحج ) فلا ينبغي أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض . قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن مسعود ، ، وابن عباس وابن الزبير ، ومجاهد ، ، وعطاء ، وإبراهيم النخعي وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، ، وسفيان الثوري ، والزهري نحو ذلك . ومقاتل بن حيان
وقال طاوس ، : هو التلبية . والقاسم بن محمد
وقوله : ( فلا رفث ) أي : ، وهو الجماع ، كما قال تعالى : ( من أحرم بالحج أو العمرة ، فليجتنب الرفث أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) [ البقرة : 187 ] ، وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك ، وكذا التكلم به بحضرة النساء .
قال ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس : أن أخبره : أن نافعا عبد الله بن عمر كان يقول : الرفث إتيان النساء ، والتكلم بذلك : الرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم .
قال ابن وهب : وأخبرني أبو صخر ، عن محمد بن كعب ، مثله .
قال ابن جرير : وحدثنا ، حدثنا محمد بن بشار محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن رجل ، عن أبي العالية الرياحي ، عن ابن عباس : أنه كان يحدو وهو محرم وهو يقول :
وهن يمشين بنا هميسا إن يصدق الطير ننل لميسا
قال أبو العالية فقلت : تكلم بالرفث وأنت محرم ؟ ! قال : إنما الرفث ما قيل عند النساء .
[ ص: 544 ]
ورواه الأعمش ، عن زياد بن حصين ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس ، فذكره .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا ابن أبي عدي ، عن عون حدثني زياد بن حصين ، حدثني أبي حصين بن قيس ، قال : أصعدت مع ابن عباس في الحاج ، وكنت خليلا له ، فلما كان بعد إحرامنا قال ابن عباس ، فأخذ بذنب بعيره فجعل يلويه و [ هو ] يرتجز ، ويقول :
وهن يمشين بنا هميسا إن يصدق الطير ننل لميسا
قال : فقلت : أترفث وأنت محرم ؟ فقال : إنما الرفث ما قيل عند النساء .
وقال ، عن أبيه : سألت عبد الله بن طاوس ابن عباس عن قول الله تعالى : ( فلا رفث ولا فسوق ) قال : الرفث التعريض بذكر الجماع ، وهي العرابة في كلام العرب ، وهو أدنى الرفث .
وقال عطاء بن أبي رباح : الرفث : الجماع ، وما دونه من قول الفحش ، وكذا قال . وقال عمرو بن دينار عطاء : كانوا يكرهون العرابة ، وهو التعريض بذكر الجماع وهو محرم .
وقال طاوس : هو أن تقول للمرأة : إذا حللت أصبتك . وكذا قال أبو العالية .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الرفث : غشيان النساء والقبل والغمز ، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ، ونحو ذلك .
وقال ابن عباس أيضا : الرفث : غشيان النساء . وكذا قال وابن عمر سعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، وإبراهيم ، ، وأبو العالية ، وعطاء ومكحول ، ، وعطاء بن يسار وعطية ، ، وإبراهيم النخعي والربيع ، ، والزهري ، والسدي ، ومالك بن أنس ، ومقاتل بن حيان ، وعبد الكريم بن مالك والحسن ، وقتادة والضحاك ، وغيرهم .
وقوله : ( ولا فسوق ) قال مقسم وغير واحد ، عن ابن عباس : هي المعاصي . وكذا قال عطاء ، ومجاهد ، ، وطاوس وعكرمة ، ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن كعب والحسن ، وقتادة ، ، وإبراهيم النخعي ، والزهري ومكحول ، وابن أبان ، ، والربيع بن أنس ، وعطاء بن يسار ، وعطاء الخراساني . ومقاتل بن حيان
وقال محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : الفسوق : ما أصيب من معاصي الله به صيد أو غيره . وكذا روى ابن وهب ، عن يونس ، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول : الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم .
وقال آخرون : الفسوق هاهنا السباب ، قاله ابن عباس ، ، وابن عمر وابن الزبير ، ومجاهد ، ، والسدي وإبراهيم والحسن . وقد يتمسك لهؤلاء بما ثبت في الصحيح . " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر "
[ ص: 545 ]
ولهذا رواه هاهنا الحبر أبو محمد بن أبي حاتم ، رحمه الله ، من حديث عن سفيان الثوري يزيد عن أبي وائل ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . وروي من حديث " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " عن أبيه ومن حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود أبي إسحاق عن محمد بن سعد عن أبيه ] .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الفسوق هاهنا : الذبح للأصنام . قال الله تعالى : ( أو فسقا أهل لغير الله به ) [ الأنعام : 145 ] .
وقال الضحاك : الفسوق : التنابز بالألقاب .
والذين قالوا : الفسوق هاهنا هو جميع المعاصي ، معهم الصواب ، كما نهى تعالى عن الظلم في الأشهر الحرم ، وإن كان في جميع السنة منهيا عنه ، إلا أنه في الأشهر الحرم آكد ; ولهذا قال : ( منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) [ التوبة : 36 ] ، وقال في الحرم : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) [ الحج : 25 ] .
واختار ابن جرير أن الفسوق هاهنا : هو ارتكاب ما نهي عنه في الإحرام ، من قتل الصيد ، وحلق الشعر ، وقلم الأظفار ، ونحو ذلك ، كما تقدم عن ابن عمر . وما ذكرناه أولى ، والله أعلم .
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي حازم ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة . " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه "
وقوله : ( ولا جدال في الحج ) فيه قولان :
أحدهما : ولا مجادلة في وقت الحج وفي مناسكه ، وقد بينه الله أتم بيان ووضحه أكمل إيضاح . كما قال ، عن وكيع العلاء بن عبد الكريم : سمعت يقول : ( مجاهدا ولا جدال في الحج ) قد بين الله أشهر الحج ، فليس فيه جدال بين الناس .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ولا جدال في الحج ) قال : لا شهر ينسأ ، ولا جدال في الحج ، قد تبين ، ثم ذكر كيفية ما كان المشركون يصنعون في النسيء الذي ذمهم الله به .
وقال الثوري ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن مجاهد في قوله : ( ولا جدال في الحج ) قال : قد استقام الحج ، فلا جدال فيه . وكذا قال . السدي
وقال هشيم : أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : ( ولا جدال في الحج ) قال : المراء في الحج .
[ ص: 546 ]
وقال : قال عبد الله بن وهب مالك : قال الله تعالى : ( ولا جدال في الحج ) فالجدال في الحج والله أعلم أن قريشا كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة ، وكانت العرب ، وغيرهم يقفون بعرفة ، وكانوا يتجادلون ، يقول هؤلاء : نحن أصوب . ويقول هؤلاء : نحن أصوب . فهذا فيما نرى ، والله أعلم .
وقال ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون ، كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم فقطعه الله حين أعلم نبيه بالمناسك .
وقال ابن وهب ، عن أبي صخر ، عن محمد بن كعب ، قال : كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء : حجنا أتم من حجكم . وقال هؤلاء : حجنا أتم من حجكم .
وقال حماد بن سلمة عن جبر بن حبيب ، عن أنه قال : الجدال في الحج أن يقول بعضهم : الحج غدا . ويقول بعضهم : اليوم . القاسم بن محمد
وقد اختار ابن جرير مضمون هذه الأقوال ، وهو قطع التنازع في مناسك الحج .
والقول الثاني : أن المراد بالجدال هاهنا : المخاصمة .
قال ابن جرير : حدثنا عبد الحميد بن بيان حدثنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن في قوله : ( عبد الله هو ابن مسعود ولا جدال في الحج ) قال : أن تماري صاحبك حتى تغضبه .
وبهذا الإسناد إلى أبي إسحاق ، عن التميمي : سألت ابن عباس عن " الجدال " قال : المراء ، تماري صاحبك حتى تغضبه . وكذا روى مقسم والضحاك ، عن ابن عباس . وكذا قال أبو العالية ، وعطاء ومجاهد ، ، وسعيد بن جبير وعكرمة ، ، وجابر بن زيد ، وعطاء الخراساني ومكحول ، ، وعمرو بن دينار ، والسدي والضحاك ، ، والربيع بن أنس ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء بن يسار والحسن ، وقتادة ، ، والزهري . ومقاتل بن حيان
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ولا جدال في الحج ) قال الجدال : المراء والملاحاة ، حتى تغضب أخاك وصاحبك ، فنهى الله عن ذلك .
وقال : ( إبراهيم النخعي ولا جدال في الحج ) قال : كانوا يكرهون الجدال . وقال محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : الجدال : السباب والمنازعة . وكذا روى ابن وهب ، عن يونس ، عن نافع : أن ابن عمر كان يقول : : السباب ، والمراء ، والخصومات ، وقال الجدال في الحج ابن أبي حاتم : وروي عن ابن الزبير ، والحسن ، وإبراهيم ، ، وطاوس ، قالوا : الجدال المراء . ومحمد بن كعب
وقال ، عن عبد الله بن المبارك يحيى بن بشر عن عكرمة : ( ولا جدال في الحج ) والجدال الغضب ، أن تغضب عليك مسلما ، إلا أن تستعتب مملوكا فتغضبه من غير أن تضربه ، فلا بأس عليك ، إن شاء الله .
[ ص: 547 ]
قلت : ولو ضربه لكان جائزا سائغا . والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن إدريس ، حدثنا محمد بن إسحاق ، يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه : أن أسماء بنت أبي بكر قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجا ، حتى إذا كنا بالعرج نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلست عائشة إلى جنب رسول الله ، وجلست إلى جنب أبي . وكانت زمالة أبي بكر وزمالة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة مع غلام أبي بكر ، فجلس أبو بكر ينتظره إلى أن يطلع عليه ، فأطلع وليس معه بعيره ، فقال : أين بعيرك ؟ فقال : أضللته البارحة . فقال أبو بكر : بعير واحد تضله ؟ فطفق يضربه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم ويقول : " انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع ؟ " . عن
وهكذا أخرجه أبو داود ، ، من حديث وابن ماجه ابن إسحاق . ومن هذا الحديث حكى بعضهم عن بعض السلف أنه قال : من تمام الحج ضرب الجمال . ولكن يستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر : " انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع ؟ " كهيئة الإنكار اللطيف أن الأولى ترك ذلك ، والله أعلم .
وقد قال الإمام عبد بن حميد في مسنده : حدثنا ، عن عبيد الله بن موسى موسى بن عبيدة ، عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جابر بن عبد الله " من قضى نسكه ، وسلم المسلمون من لسانه ويده ، غفر له ما تقدم من ذنبه " .
وقوله : ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله ) لما نهاهم عن إتيان القبيح قولا وفعلا حثهم على فعل الجميل ، وأخبرهم أنه عالم به ، وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة .
وقوله : ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) قال العوفي ، عن ابن عباس : كان أناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة ، يقولون : نحج بيت الله ولا يطعمنا . فقال الله : تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان ، عن ، عن عمرو بن دينار عكرمة : قال : إن ناسا كانوا يحجون بغير زاد ، فأنزل الله : ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى )
وكذا رواه ابن جرير عن عن عمرو وهو الفلاس ابن عيينة .
قال ابن أبي حاتم : وقد روى هذا الحديث ورقاء ، عن ، عن عمرو بن دينار عكرمة ، عن ابن عباس . قال : وما يرويه عن ابن عيينة أصح .
[ ص: 548 ]
قلت : قد رواه ، عن النسائي سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، عن سفيان بن عيينة ، عن ، عن عمرو بن دينار عكرمة ، عن ابن عباس [ قال ] كان ناس يحجون بغير زاد ، فأنزل الله : ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) . وأما حديث ورقاء فأخرجه ، عن البخاري يحيى بن بشر ، عن شبابة . وأخرجه أبو داود ، عن أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازي ، ومحمد بن عبد الله المخرمي ، عن شبابة ، عن ورقاء ، عن ، عن عمرو بن دينار عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ، ويقولون : نحن المتوكلون . فأنزل الله : ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) .
ورواه عبد بن حميد في تفسيره ، عن شبابة [ به ] . ورواه في صحيحه من حديث ابن حبان شبابة ، به .
وروى ابن جرير وابن مردويه من حديث عمرو بن عبد الغفار [ عن محمد بن سوقة ] عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم رموا بها ، واستأنفوا زادا آخر ; فأنزل الله تعالى : ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) فنهوا عن ذلك ، وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق . وكذا قال ابن الزبير ، ، وأبو العالية ومجاهد ، وعكرمة ، ، والشعبي والنخعي ، ، وسالم بن عبد الله ، وعطاء الخراساني وقتادة ، ، والربيع بن أنس . ومقاتل بن حيان
وقال سعيد بن جبير : فتزودوا الدقيق والسويق والكعك وقال وكيع [ بن الجراح ] في تفسيره : حدثنا سفيان ، عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير : ( وتزودوا ) قال : الخشكنانج والسويق . وقال أيضا : حدثنا وكيع إبراهيم المكي ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : إن من كرم الرجل طيب زاده في السفر . وزاد فيه حماد بن سلمة ، عن أبي ريحانة أن ابن عمر كان يشترط على من صحبه الجوزة .
وقوله : ( فإن خير الزاد التقوى ) لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة ، وهو استصحاب التقوى إليها ، كما قال : ( وريشا ولباس التقوى ذلك خير ) [ الأعراف : 26 ] . لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشدا إلى اللباس المعنوي ، وهو الخشوع ، والطاعة والتقوى ، وذكر أنه خير من هذا ، وأنفع .
قال في قوله : ( عطاء الخراساني فإن خير الزاد التقوى ) يعني : زاد الآخرة .
وقال الحافظ : حدثنا أبو القاسم الطبراني عبدان ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا مروان بن [ ص: 549 ] معاوية ، عن إسماعيل عن قيس ، عن ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم [ قال ] : جرير بن عبد الله . " من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة "
وقال مقاتل بن حيان : لما نزلت هذه الآية : ( وتزودوا ) قام رجل من فقراء المسلمين فقال : يا رسول الله ، ما نجد زادا نتزوده . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تزود ما تكف به وجهك عن الناس ، وخير ما تزودتم التقوى " . رواه ابن أبي حاتم .
وقوله : ( واتقون يا أولي الألباب ) يقول : واتقوا عقابي ، ونكالي ، وعذابي ، لمن خالفني ولم يأتمر بأمري ، يا ذوي العقول والأفهام .