[ ص: 238 ] تفسير سورة الجن وهي مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ( 4 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ( 6 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ( 7 ) )
يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29294_20749الجن استمعوا القرآن فآمنوا به وصدقوه وانقادوا له ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد ) أي : إلى السداد والنجاح ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ) وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=29وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) [ الأحقاف : 29 ] وقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وأنه تعالى جد ربنا ) قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس في قوله تعالى : ( جد ربنا ) أي : فعله وأمره وقدرته .
وقال
الضحاك ، عن
ابن عباس : جد الله : آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه .
وروي عن
مجاهد وعكرمة : جلال ربنا . وقال
قتادة : تعالى جلاله وعظمته وأمره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : تعالى أمر ربنا . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ومجاهد أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج : تعالى ذكره . وقال
سعيد بن جبير : ( تعالى جد ربنا ) أي : تعالى ربنا .
فأما ما رواه
ابن أبي حاتم : حدثنا
محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا
سفيان ، عن
عمرو ، عن
عطاء ، عن
ابن عباس قال : الجد : أب ، ولو علمت الجن أن في الإنس جدا ما قالوا : تعالى جد ربنا .
فهذا إسناد جيد ، ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام ; ولعله قد سقط شيء ، والله أعلم . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) أي : تعالى عن اتخاذ الصاحبة والأولاد ، أي :
nindex.php?page=treesubj&link=29705_28797_28793قالت [ ص: 239 ] الجن : تنزه الرب تعالى جلاله وعظمته ، حين أسلموا وآمنوا بالقرآن ، عن اتخاذ الصاحبة والولد .
ثم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29043وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) قال
مجاهد وعكرمة وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : ( سفيهنا ) يعنون : إبليس ، ( شططا ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك : ( شططا ) أي : جورا . وقال
ابن زيد : ظلما كبيرا .
ويحتمل أن يكون المراد بقولهم : ( سفيهنا ) اسم جنس لكل من زعم أن لله صاحبة أو ولدا ؛ ولهذا قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وأنه كان يقول سفيهنا ) أي : قبل إسلامه ) على الله شططا ) أي : باطلا وزورا ; (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ) أي : ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالئون على الكذب على الله في نسبة الصاحبة والولد إليه ، فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به ، علمنا أنهم كانوا يكذبون على الله في ذلك .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) أي : كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس ; لأنهم كانوا يعوذون بنا ، أي : إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها كما كان عادة العرب في جاهليتها ، يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان ، أن يصيبهم بشيء يسوؤهم كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته ، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم ، ( فزادوهم رهقا ) أي : خوفا وإرهابا وذعرا ، حتى تبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم ، كما قال
قتادة : ( فزادوهم رهقا ) أي : إثما ، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة .
وقال
الثوري ، عن
منصور ، عن
إبراهيم : ( فزادوهم رهقا ) أي : ازدادت الجن عليهم جرأة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول : أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي ، قال : فإذا عاذ بهم من دون الله ، رهقتهم الجن الأذى عند ذلك .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير ، حدثنا أبي ، حدثنا
الزبير بن الخريت ، عن
عكرمة قال :
nindex.php?page=treesubj&link=28798_28795كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد ، وكان الإنس إذا نزلوا واديا هرب الجن ، فيقول سيد القوم : نعوذ بسيد أهل هذا الوادي .
فقال الجن : نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم ، فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون ، فذلك قول الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا )
وقال
أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم : ( رهقا ) أي : خوفا . وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : ( فزادوهم رهقا ) أي : إثما . وكذا قال
قتادة . وقال
مجاهد : زاد الكفار طغيانا .
[ ص: 240 ]
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
فروة بن المغراء الكندي ، حدثنا
القاسم بن مالك - يعني المزني - عن
عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه ، عن
كردم بن أبي السائب الأنصاري قال : خرجت مع أبي من
المدينة في حاجة ، وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمكة ، فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم ، فوثب الراعي فقال : يا عامر الوادي ، جارك ، فنادى مناد لا نراه ، يقول : يا سرحان ، أرسله ، فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة . وأنزل الله تعالى على رسوله
بمكة (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا )
ثم قال : وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية والحسن nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي نحوه .
وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل - وهو ولد الشاة - وكان جنيا حتى يرهب الإنسي ويخاف منه ، ثم رده عليه لما استجار به ، ليضله ويهينه ، ويخرجه عن دينه ، والله أعلم .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ) أي : لن يبعث الله بعد هذه المدة رسولا . قاله
الكلبي nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير .
[ ص: 238 ] تَفْسِيرُ سُورَةِ الْجِنِّ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ( 4 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ( 6 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ( 7 ) )
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبَرَ قَوْمَهُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29294_20749الْجِنَّ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ وَانْقَادُوا لَهُ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ) أَيْ : إِلَى السَّدَادِ وَالنَّجَاحِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ) وَهَذَا الْمَقَامُ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=29وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) [ الْأَحْقَافِ : 29 ] وَقَدْ قَدَّمْنَا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ) قَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( جَدُّ رَبِّنَا ) أَيْ : فِعْلُهُ وَأَمْرُهُ وَقُدْرَتُهُ .
وَقَالَ
الضَّحَّاكُ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : جَدُّ اللَّهِ : آلَاؤُهُ وَقُدْرَتُهُ وَنِعْمَتُهُ عَلَى خَلْقِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ : جَلَالُ رَبِّنَا . وَقَالَ
قَتَادَةُ : تَعَالَى جَلَالُهُ وَعَظَمَتُهُ وَأَمْرُهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : تَعَالَى أَمْرُ رَبِّنَا . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبِي الدَّرْدَاءِ وَمُجَاهِدٌ أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ : تَعَالَى ذِكْرُهُ . وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : ( تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ) أَيْ : تَعَالَى رَبُّنَا .
فَأَمَّا مَا رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ
عَمْرٍو ، عَنْ
عَطَاءٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الْجَدُّ : أَبٌ ، وَلَوْ عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنَّ فِي الْإِنْسِ جِدًّا مَا قَالُوا : تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا .
فَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ ، وَلَكِنْ لَسْتُ أَفْهَمُ مَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ ; وَلَعَلَّهُ قَدْ سَقَطَ شَيْءٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) أَيْ : تَعَالَى عَنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْأَوْلَادِ ، أَيْ :
nindex.php?page=treesubj&link=29705_28797_28793قَالَتْ [ ص: 239 ] الْجِنُّ : تَنَزَّهَ الرَّبُّ تَعَالَى جَلَالُهُ وَعَظَمَتُهُ ، حِينَ أَسْلَمُوا وَآمَنُوا بِالْقُرْآنِ ، عَنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ .
ثُمَّ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29043وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ) قَالَ
مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ : ( سَفِيهُنَا ) يَعْنُونَ : إِبْلِيسَ ، ( شَطَطًا ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ : ( شَطَطًا ) أَيْ : جَوْرًا . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : ظُلْمًا كَبِيرًا .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ : ( سَفِيهُنَا ) اسْمَ جِنْسٍ لِكُلِّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا ؛ وَلِهَذَا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا ) أَيْ : قَبْلَ إِسْلَامِهِ ) عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ) أَيْ : بَاطِلًا وَزُورًا ; (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=5وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) أَيْ : مَا حَسِبْنَا أَنَّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ يَتَمَالَئُونَ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ فِي نِسْبَةِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا سَمِعْنَا هَذَا الْقُرْآنَ وَآمَنَّا بِهِ ، عَلِمْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْذِبُونَ عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) أَيْ : كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فَضْلًا عَلَى الْإِنْسِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعُوذُونَ بِنَا ، أَيْ : إِذَا نَزَلُوا وَادِيًا أَوْ مَكَانًا مُوحِشًا مِنَ الْبَرَارِي وَغَيْرِهَا كَمَا كَانَ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتِهَا ، يَعُوذُونَ بِعَظِيمِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنَ الْجَانِّ ، أَنْ يُصِيبَهُمْ بِشَيْءٍ يَسُوؤُهُمْ كَمَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَدْخُلُ بِلَادَ أَعْدَائِهِ فِي جِوَارِ رَجُلٍ كَبِيرٍ وَذِمَامِهِ وَخَفَارَتِهِ ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِنُّ أَنَّ الْإِنْسَ يَعُوذُونَ بِهِمْ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْهُمْ ، ( فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) أَيْ : خَوْفًا وَإِرْهَابًا وَذُعْرًا ، حَتَّى تَبْقَوْا أَشَدَّ مِنْهُمْ مَخَافَةً وَأَكْثَرَ تَعَوُّذًا بِهِمْ ، كَمَا قَالَ
قَتَادَةُ : ( فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) أَيْ : إِثْمًا ، وَازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَرَاءَةً .
وَقَالَ
الثَّوْرِيُّ ، عَنْ
مَنْصُورٍ ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ : ( فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) أَيِ : ازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ جُرْأَةً .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : كَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ بِأَهْلِهِ فَيَأْتِي الْأَرْضَ فَيَنْزِلُهَا فَيَقُولُ : أَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي مِنَ الْجِنِّ أَنْ أُضَرَّ أَنَا فِيهِ أَوْ مَالِي أَوْ وَلَدِي أَوْ مَاشِيَتِي ، قَالَ : فَإِذَا عَاذَ بِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، رَهِقَتْهُمُ الْجِنُّ الْأَذَى عِنْدَ ذَلِكَ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا
أَبُو سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28798_28795كَانَ الْجِنُّ يَفْرَقُونَ مِنَ الْإِنْسِ كَمَا يَفْرَقُ الْإِنْسُ مِنْهُمْ أَوْ أَشَدَّ ، وَكَانَ الْإِنْسُ إِذَا نَزَلُوا وَادِيًا هَرَبَ الْجِنُّ ، فَيَقُولُ سَيِّدُ الْقَوْمِ : نَعُوذُ بِسَيِّدِ أَهْلِ هَذَا الْوَادِي .
فَقَالَ الْجِنُّ : نَرَاهُمْ يَفْرَقُونَ مِنَّا كَمَا نَفْرَقُ مِنْهُمْ ، فَدَنَوْا مِنَ الْإِنْسِ فَأَصَابُوهُمْ بِالْخَبَلِ وَالْجُنُونِ ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا )
وَقَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : ( رَهَقًا ) أَيْ : خَوْفًا . وَقَالَ
الْعَوْفِيُّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : ( فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) أَيْ : إِثْمًا . وَكَذَا قَالَ
قَتَادَةُ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : زَادَ الْكُفَّارَ طُغْيَانًا .
[ ص: 240 ]
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
فَرْوَةُ بْنُ الْمَغْرَاءِ الْكِنْدِيُّ ، حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ - يَعْنِي الْمُزَنِيَّ - عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
كَرْدِمِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ أَبِي مِنَ
الْمَدِينَةِ فِي حَاجَةٍ ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا ذُكِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَكَّةَ ، فَآوَانَا الْمَبِيتُ إِلَى رَاعِي غَنَمٍ ، فَلَمَّا انْتَصَفَ اللَّيْلُ جَاءَ ذِئْبٌ فَأَخَذَ حَمَلًا مِنَ الْغَنَمِ ، فَوَثَبَ الرَّاعِي فَقَالَ : يَا عَامِرَ الْوَادِي ، جَارَكَ ، فَنَادَى مُنَادٍ لَا نَرَاهُ ، يَقُولُ : يَا سِرْحَانُ ، أَرْسِلْهُ ، فَأَتَى الْحَمَلُ يَشْتَدُّ حَتَّى دَخَلَ فِي الْغَنَمِ لَمْ تُصِبْهُ كَدْمَةٌ . وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ
بِمَكَّةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=6وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا )
ثُمَّ قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=11873وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعَيِّ نَحْوُهُ .
وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الذِّئْبُ الَّذِي أَخَذَ الْحَمَلَ - وَهُوَ وَلَدُ الشَّاةِ - وَكَانَ جِنِّيًّا حَتَّى يُرْهِبَ الْإِنْسِيَّ وَيَخَافُ مِنْهُ ، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ لَمَّا اسْتَجَارَ بِهِ ، لِيُضِلَّهُ وَيُهِينَهُ ، وَيُخْرِجَهُ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=7وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ) أَيْ : لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ رَسُولًا . قَالَهُ
الْكَلْبِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ .