[ ص: 478 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171nindex.php?page=treesubj&link=28975_31998_31994ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا ( 171 ) )
nindex.php?page=treesubj&link=31994_31998ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء ، وهذا كثير في
النصارى ، فإنهم تجاوزوا حد التصديق
بعيسى ، حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها ، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه ، بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه ، ممن زعم أنه على دينه ، فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه ، سواء كان حقا أو باطلا أو ضلالا أو رشادا ، أو صحيحا أو كذبا ; ولهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) [ التوبة : 31 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا
هشيم قال : زعم
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن
ابن عباس ، عن
عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823483nindex.php?page=treesubj&link=31791_31994لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد الله ورسوله " .
ثم رواه هو
nindex.php?page=showalam&ids=16604وعلي بن المديني ، عن
سفيان بن عيينة ، عن
الزهري كذلك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : هذا حديث صحيح سنده وهكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي ، عن
سفيان بن عيينة ، عن
الزهري ، به . ولفظه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823484فإنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله " .
وقال الإمام
أحمد : حدثنا
حسن بن موسى ، حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
ثابت البناني ، عن
أنس بن مالك :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823485أن رجلا قال : محمد يا سيدنا وابن سيدنا ، وخيرنا وابن خيرنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس ، عليكم بقولكم ، ولا يستهوينكم الشيطان ، أنا محمد بن عبد الله ، عبد الله ورسوله ، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل " . تفرد به من هذا الوجه .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171nindex.php?page=treesubj&link=18984ولا تقولوا على الله إلا الحق ) أي : لا تفتروا عليه وتجعلوا له صاحبة وولدا - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وتنزه وتقدس وتوحد في سؤدده وكبريائه وعظمته - فلا إله إلا هو ، ولا رب سواه ; ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171nindex.php?page=treesubj&link=31982_31981_31979إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) أي : إنما هو عبد من عباد الله وخلق من خلقه ، قال له : كن فكان ، ورسول من رسله ، وكلمته ألقاها إلى
مريم ، أي : خلقه بالكلمة التي أرسل بها
جبريل ، عليه السلام ، إلى
مريم ، فنفخ فيها من روحه بإذن ربه ، عز وجل ، فكان
عيسى بإذن الله ، عز وجل ، وصارت تلك النفخة التي نفخها في جيب درعها ،
[ ص: 479 ] فنزلت حتى ولجت فرجها بمنزلة لقاح الأب الأم والجميع مخلوق لله ، عز وجل ; ولهذا قيل
لعيسى : إنه كلمة الله وروح منه ; لأنه لم يكن له أب تولد منه ، وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها : كن ، فكان . والروح التي أرسل بها
جبريل ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=75ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام ) [ المائدة : 75 ] . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) [ آل عمران : 59 ] . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=91والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ) [ الأنبياء : 91 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها [ فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ] ) [ التحريم : 12 ] . وقال تعالى إخبارا عن
المسيح : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=59إن هو إلا عبد أنعمنا عليه [ وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ] ) [ الزخرف : 59 ] .
وقال
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وكلمته ألقاها إلى مريم ) هو كقوله : ( كن ) [ آل عمران : 59 ] فكان وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12260أحمد بن سنان الواسطي قال : سمعت
شاذ بن يحيى يقول : في قول الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) قال : ليس الكلمة صارت
عيسى ، ولكن بالكلمة صار
عيسى .
وهذا أحسن مما ادعاه
ابن جرير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171ألقاها إلى مريم ) أي : أعلمها بها ، كما زعمه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه ) [ آل عمران : 45 ] أي : يعلمك بكلمة منه ، ويجعل ذلك كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=86وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك ) [ القصص : 86 ] بل الصحيح أنها الكلمة التي جاء بها
جبريل إلى
مريم ، فنفخ فيها بإذن الله ، فكان
عيسى ، عليه السلام .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
صدقة بن الفضل ، حدثنا
الوليد ، حدثنا
الأوزاعي ، حدثني
عمير بن هانئ ، حدثني
جنادة بن أبي أمية ، عن
عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823486 " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " . قال
الوليد : فحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16351عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن
عمير بن هانئ ، عن
جنادة زاد : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823487من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء " .
وكذا رواه
مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15856داود بن رشيد ، عن
الوليد ، عن
ابن جابر ، به ومن وجه آخر ، عن
الأوزاعي ، به .
فقوله في الآية والحديث : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وروح منه ) كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=13وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه )
[ ص: 480 ] [ الجاثية : 13 ] أي : من خلقه ومن عنده ، وليست " من " للتبعيض ، كما تقوله
النصارى - عليهم لعائن الله المتتابعة - بل هي لابتداء الغاية ، كما في الآية الأخرى .
وقد قال
مجاهد في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وروح منه ) أي : ورسول منه . وقال غيره . ومحبة منه . والأظهر الأول أنه مخلوق من روح مخلوقة ، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف ، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=64هذه ناقة الله ) [ هود : 64 ] . وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=26وطهر بيتي للطائفين ) [ الحج : 26 ] ، وكما ورد في الحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823488فأدخل على ربي في داره " أضافها إليه إضافة تشريف لها ، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد .
nindex.php?page=treesubj&link=31994_29434_30172وقوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171فآمنوا بالله ورسله ) أي : فصدقوا بأن الله واحد أحد ، لا صاحبة له ولا ولد ، واعلموا وتيقنوا بأن
عيسى عبد الله ورسوله ; ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171ولا تقولوا ثلاثة ) أي : لا تجعلوا
عيسى وأمه مع الله شريكين ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
وهذه الآية والتي تأتي في سورة المائدة حيث يقول تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ) [ المائدة : 73 ] . وكما قال في آخر السورة المذكورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني [ وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ] ) الآية [ المائدة : 116 ] ، وقال في أولها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=72لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) الآية [ المائدة : 72 ] ،
فالنصارى - عليهم لعنة الله - من جهلهم ليس لهم ضابط ، ولا لكفرهم حد ، بل أقوالهم وضلالهم منتشر ، فمنهم من يعتقده إلها ، ومنهم من يعتقده شريكا ، ومنهم من يعتقده ولدا . وهم طوائف كثيرة لهم آراء مختلفة ، وأقوال غير مؤتلفة ، ولقد أحسن بعض المتكلمين حيث قال : لو اجتمع عشرة من
النصارى لافترقوا على أحد عشر قولا . ولقد ذكر بعض علمائهم المشاهير ، وهو سعيد بن بطريق - بترك
الإسكندرية - في حدود سنة أربعمائة من الهجرة النبوية ، أنهم اجتمعوا المجمع الكبير الذي عقدوا فيه الأمانة الكبيرة التي لهم ، وإنما هي الخيانة الحقيرة الصغيرة ، وذلك في أيام
قسطنطين باني المدينة المشهورة ، وأنهم اختلفوا عليه اختلافا لا ينضبط ولا ينحصر ، فكانوا أزيد من ألفين أسقفا ، فكانوا أحزابا كثيرة ، كل خمسين منهم على مقالة ، وعشرون على مقالة ، ومائة على مقالة ، وسبعون على مقالة ، وأزيد من ذلك وأنقص . فلما رأى عصابة منهم قد زادوا على الثلاثمائة بثمانية عشر نفرا ، وقد توافقوا على مقالة ، فأخذها الملك ونصرها وأيدها - وكان فيلسوفا ذا هيئة - ومحق ما عداها من الأقوال ، وانتظم دست أولئك الثلاثمائة والثمانية عشر ، وبنيت لهم الكنائس ، ووضعوا لهم كتبا وقوانين ، وأحدثوا الأمانة التي يلقنونها الولدان من الصغار - ليعتقدوها - ويعمدونهم عليها ، وأتباع هؤلاء هم
الملكية . ثم إنهم اجتمعوا مجمعا ثانيا فحدث فيهم
اليعقوبية ، ثم مجمعا ثالثا فحدث فيهم
النسطورية . وكل هذه
nindex.php?page=treesubj&link=29706_29434الفرق تثبت الأقانيم الثلاثة في المسيح ، ويختلفون في كيفية ذلك وفي اللاهوت والناسوت على زعمهم ! هل اتحدا ، أو ما اتحدا ، بل امتزجا أو حل فيه ؟ على ثلاث مقالات ، وكل منهم يكفر الفرقة الأخرى ، ونحن نكفر الثلاثة ; ولهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171انتهوا خيرا لكم ) أي : يكن خيرا لكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد ) أي : تعالى وتقدس عن ذلك علوا كبيرا (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا )
[ ص: 481 ] أي : الجميع ملكه وخلقه ، وجميع ما فيها عبيده ، وهم تحت تدبيره وتصريفه ، وهو وكيل على كل شيء ، فكيف يكون له منهم صاحبة أو ولد ؟ كما قال في الآية الأخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ) [ الأنعام : 101 ] ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=88وقالوا اتخذ الرحمن ولدا . لقد جئتم شيئا إدا . [ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا . أن دعوا للرحمن ولدا . وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا . إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا . لقد أحصاهم وعدهم عدا . وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ] ) [ مريم : 88 : 95 ] .
[ ص: 478 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171nindex.php?page=treesubj&link=28975_31998_31994يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ( 171 ) )
nindex.php?page=treesubj&link=31994_31998يَنْهَى تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ عَنِ الْغُلُوِّ وَالْإِطْرَاءِ ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي
النَّصَارَى ، فَإِنَّهُمْ تَجَاوَزُوا حَدَّ التَّصْدِيقِ
بِعِيسَى ، حَتَّى رَفَعُوهُ فَوْقَ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا ، فَنَقَلُوهُ مِنْ حَيِّزِ النُّبُوَّةِ إِلَى أَنِ اتَّخَذُوهُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ يَعْبُدُونَهُ كَمَا يَعْبُدُونَهُ ، بَلْ قَدْ غَلَوْا فِي أَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ ، مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى دِينِهِ ، فَادَّعَوْا فِيهِمُ الْعِصْمَةَ وَاتَّبَعُوهُمْ فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ ، سَوَاءٌ كَانَ حَقًا أَوْ بَاطِلًا أَوْ ضَلَالًا أَوْ رَشَادًا ، أَوْ صَحِيحًا أَوْ كَذِبًا ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [ التَّوْبَةِ : 31 ] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ قَالَ : زَعَمَ
الزُّهْرِيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16523عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ
عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823483nindex.php?page=treesubj&link=31791_31994لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " .
ثُمَّ رَوَاهُ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=16604وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ، عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16604عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَنَدُهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14171الْحُمَيْدِيِّ ، عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ ، بِهِ . وَلَفْظُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823484فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " .
وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
حَسَنُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ
ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823485أَنَّ رَجُلًا قَالَ : مُحَمَّدٌ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا ، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، عَلَيْكُمْ بِقَوْلِكُمْ ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " . تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171nindex.php?page=treesubj&link=18984وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ) أَيْ : لَا تَفْتَرُوا عَلَيْهِ وَتَجْعَلُوا لَهُ صَاحِبَةً وَوَلَدًا - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ وَتَوَحَّدَ فِي سُؤْدُدِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ - فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ ; وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171nindex.php?page=treesubj&link=31982_31981_31979إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) أَيْ : إِنَّمَا هُوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ ، قَالَ لَهُ : كُنْ فَكَانَ ، وَرَسُولٌ مِنْ رُسُلِهِ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى
مَرْيَمَ ، أَيْ : خَلَقَهُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا
جِبْرِيلَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، إِلَى
مَرْيَمَ ، فَنَفْخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَكَانَ
عِيسَى بِإِذْنِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَصَارَتْ تِلْكَ النَّفْخَةُ الَّتِي نَفَخَهَا فِي جَيْبِ دِرْعِهَا ،
[ ص: 479 ] فَنَزَلَتْ حَتَّى وَلَجَتْ فَرْجَهَا بِمَنْزِلَةِ لَقَاحِ الْأَبِ الْأُمَّ وَالْجَمِيعُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ; وَلِهَذَا قِيلَ
لِعِيسَى : إِنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحٌ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ تَوَلَّدَ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ نَاشِئٌ عَنِ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَ لَهُ بِهَا : كُنْ ، فَكَانَ . وَالرُّوحِ الَّتِي أُرْسِلَ بِهَا
جِبْرِيلُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=75مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ) [ الْمَائِدَةِ : 75 ] . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 59 ] . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=91وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 91 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ] ) [ التَّحْرِيمِ : 12 ] . وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ
الْمَسِيحِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=59إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ [ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ] ) [ الزُّخْرُفِ : 59 ] .
وَقَالَ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ) هُوَ كَقَوْلِهِ : ( كُنْ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 59 ] فَكَانَ وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12260أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ
شَاذَّ بْنَ يَحْيَى يَقُولُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) قَالَ : لَيْسَ الْكَلِمَةُ صَارَتْ
عِيسَى ، وَلَكِنْ بِالْكَلِمَةِ صَارَ
عِيسَى .
وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا ادَّعَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ) أَيْ : أَعْلَمَهَا بِهَا ، كَمَا زَعَمَهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 45 ] أَيْ : يُعْلِمُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=86وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) [ الْقَصَصِ : 86 ] بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا الْكَلِمَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا
جِبْرِيلُ إِلَى
مَرْيَمَ ، فَنَفْخَ فِيهَا بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَكَانَ
عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا
صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ ، حَدَّثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنِي
عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ ، حَدَّثَنِي
جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ، عَنْ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823486 " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَالْجَنَّةُ حُقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ " . قَالَ
الْوَلِيدُ : فَحَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16351عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ
عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ ، عَنْ
جُنَادَةَ زَادَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823487مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ " .
وَكَذَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15856دَاوُدَ بْنِ رَشِيدٍ ، عَنِ
الْوَلِيدِ ، عَنِ
ابْنِ جَابِرٍ ، بِهِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ ، بِهِ .
فَقَوْلُهُ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَرُوحٌ مِنْهُ ) كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=13وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ )
[ ص: 480 ] [ الْجَاثِيَةِ : 13 ] أَيْ : مِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ ، وَلَيْسَتْ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ ، كَمَا تَقُولُهُ
النَّصَارَى - عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ - بَلْ هِيَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى .
وَقَدْ قَالَ
مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَرُوحٌ مِنْهُ ) أَيْ : وَرَسُولٌ مِنْهُ . وَقَالَ غَيْرُهُ . وَمَحَبَّةٌ مِنْهُ . وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ رُوحٍ مَخْلُوقَةٍ ، وَأُضِيفَتِ الرُّوحُ إِلَى اللَّهِ عَلَى وَجْهِ التَّشْرِيفِ ، كَمَا أُضِيفَتِ النَّاقَةُ وَالْبَيْتُ إِلَى اللَّهِ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=64هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ ) [ هُودٍ : 64 ] . وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=26وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ) [ الْحَجِّ : 26 ] ، وَكَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823488فَأَدْخُلُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ " أَضَافَهَا إِلَيْهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ لَهَا ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ قَبِيلٍ وَاحِدٍ وَنَمَطٍ وَاحِدٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=31994_29434_30172وَقَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) أَيْ : فَصَدِّقُوا بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ أَحَدٌ ، لَا صَاحِبَةَ لَهُ وَلَا وَلَدَ ، وَاعْلَمُوا وَتَيَقَّنُوا بِأَنَّ
عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ; وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ) أَيْ : لَا تَجْعَلُوا
عِيسَى وَأُمَّهُ مَعَ اللَّهِ شَرِيكَيْنِ ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
وَهَذِهِ الْآيَةُ وَالَّتِي تَأْتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ) [ الْمَائِدَةِ : 73 ] . وَكَمَا قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي [ وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ ] ) الْآيَةَ [ الْمَائِدَةِ : 116 ] ، وَقَالَ فِي أَوَّلِهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=72لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) الْآيَةَ [ الْمَائِدَةِ : 72 ] ،
فَالنَّصَارَى - عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ - مِنْ جَهْلِهِمْ لَيْسَ لَهُمْ ضَابِطٌ ، وَلَا لِكُفْرِهِمْ حَدٌّ ، بَلْ أَقْوَالُهُمْ وَضَلَالُهُمْ مُنْتَشِرٌ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُهُ إِلَهًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُهُ شَرِيكًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُهُ وَلَدًا . وَهُمْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ لَهُمْ آرَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ ، وَأَقْوَالٌ غَيْرُ مُؤْتَلِفَةٍ ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ حَيْثُ قَالَ : لَوِ اجْتَمَعَ عَشَرَةٌ مِنَ
النَّصَارَى لَافْتَرَقُوا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا . وَلَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ عُلَمَائِهِمُ الْمَشَاهِيرِ ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ بَطْرِيقَ - بَتْرَكُ
الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ - فِي حُدُودِ سَنَةِ أَرْبَعِمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ ، أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا الْمَجْمَعَ الْكَبِيرَ الَّذِي عَقَدُوا فِيهِ الْأَمَانَةَ الْكَبِيرَةَ الَّتِي لَهُمْ ، وَإِنَّمَا هِيَ الْخِيَانَةُ الْحَقِيرَةُ الصَّغِيرَةُ ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ
قُسْطَنْطِينَ بَانِي الْمَدِينَةِ الْمَشْهُورَةِ ، وَأَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ اخْتِلَافًا لَا يَنْضَبِطُ وَلَا يَنْحَصِرُ ، فَكَانُوا أَزْيَدَ مِنْ أَلْفَيْنِ أَسْقُفًا ، فَكَانُوا أَحْزَابًا كَثِيرَةً ، كُلُّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ عَلَى مَقَالَةٍ ، وَعِشْرُونَ عَلَى مَقَالَةٍ ، وَمِائَةٌ عَلَى مَقَالَةٍ ، وَسَبْعُونَ عَلَى مَقَالَةٍ ، وَأَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْقَصُ . فَلَمَّا رَأَى عِصَابَةً مِنْهُمْ قَدْ زَادُوا عَلَى الثَّلَاثَمِائَةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَفَرًا ، وَقَدْ تَوَافَقُوا عَلَى مَقَالَةٍ ، فَأَخَذَهَا الْمَلِكُ وَنَصَرَهَا وَأَيَّدَهَا - وَكَانَ فَيْلَسُوفًا ذَا هَيْئَةٍ - وَمَحَقَ مَا عَدَاهَا مِنَ الْأَقْوَالِ ، وَانْتَظَمَ دَسْتُ أُولَئِكَ الثَّلَاثِمِائَةِ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَبُنِيَتْ لَهُمُ الْكَنَائِسُ ، وَوَضَعُوا لَهُمْ كُتُبًا وَقَوَانِينَ ، وَأَحْدَثُوا الْأَمَانَةَ الَّتِي يُلَقِّنُونَهَا الْوِلْدَانَ مِنَ الصِّغَارِ - لِيَعْتَقِدُوهَا - وَيُعَمِّدُونَهُمْ عَلَيْهَا ، وَأَتْبَاعُ هَؤُلَاءِ هُمِ
الْمَلَكِيَّةُ . ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا مَجْمَعًا ثَانِيًا فَحَدَثَ فِيهِمِ
الْيَعْقُوبِيَّةُ ، ثُمَّ مَجْمَعًا ثَالِثًا فَحَدَثَ فِيهِمُ
النُّسْطُورِيَّةُ . وَكُلُّ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=29706_29434الْفِرَقِ تُثْبِتُ الْأَقَانِيمَ الثَّلَاثَةَ فِي الْمَسِيحِ ، وَيَخْتَلِفُونَ فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ وَفِي اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ عَلَى زَعْمِهِمْ ! هَلِ اتَّحَدَا ، أَوْ مَا اتَّحَدَا ، بَلِ امْتَزَجَا أَوْ حَلَّ فِيهِ ؟ عَلَى ثَلَاثِ مَقَالَاتٍ ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُكَفِّرُ الْفِرْقَةَ الْأُخْرَى ، وَنَحْنُ نُكَفِّرُ الثَّلَاثَةَ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ) أَيْ : يَكُنْ خَيْرًا لَكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ) أَيْ : تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا )
[ ص: 481 ] أَيِ : الْجَمِيعُ مِلْكُهُ وَخَلْقُهُ ، وَجَمِيعُ مَا فِيهَا عُبَيْدُهُ ، وَهُمْ تَحْتَ تَدْبِيرِهِ وَتَصْرِيفِهِ ، وَهُوَ وَكِيلٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ مِنْهُمْ صَاحِبَةٌ أَوْ وَلَدٌ ؟ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [ الْأَنْعَامِ : 101 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=88وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . [ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا . إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ] ) [ مَرْيَمَ : 88 : 95 ] .