(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=16962_28976اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ( 5 ) )
لما ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث ، وما أحله لهم من الطيبات ، قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5اليوم أحل لكم الطيبات )
[ ص: 40 ]
ثم ذكر حكم
nindex.php?page=treesubj&link=16964ذبائح أهل الكتابين من
اليهود والنصارى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتب حل لكم ) قال
ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء والحسن ومكحول nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان : يعني ذبائحهم .
وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء ؛ أن ذبائحهم حلال للمسلمين ; لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله ، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عن قولهم ، تعالى وتقدس . وقد ثبت في الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=824473عن عبد الله بن مغفل قال : دلي بجراب من شحم يوم خيبر . [ قال ] فاحتضنته وقلت : لا أعطي اليوم من هذا أحدا ، والتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم .
فاستدل به الفقهاء على أنه يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=8459تناول ما يحتاج إليه من الأطعمة ونحوها من الغنيمة قبل القسمة ، وهذا ظاهر . واستدل به الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة على أصحاب
مالك في منعهم
nindex.php?page=treesubj&link=27931أكل ما يعتقد اليهود تحريمه من ذبائحهم ، كالشحوم ونحوها مما حرم عليهم . فالمالكية لا يجوزون للمسلمين أكله ; لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) قالوا : وهذا ليس من طعامهم . واستدل عليهم الجمهور بهذا الحديث ، وفي ذلك نظر ; لأنه قضية عين ، ويحتمل أنه كان شحما يعتقدون حله ، كشحم الظهر والحوايا ونحوهما ، والله أعلم .
وأجود منه في الدلالة ما ثبت في الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825045أن nindex.php?page=treesubj&link=30839أهل خيبر أهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية ، وقد سموا ذراعها ، وكان يعجبه الذراع ، فتناوله فنهش منه نهشة ، فأخبره الذراع أنه مسموم ، فلفظه وأثر ذلك السم في ثنايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبهره ، وأكل معه منها بشر بن البراء بن معرور ; فمات ، فقتل اليهودية التي سمتها ، وكان اسمها زينب فقتلت ببشر بن البراء .
ووجه الدلالة منه أنه عزم على أكلها ومن معه ، ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا .
وفي الحديث الآخر :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة ، يعني : ودكا زنخا
وقال
ابن أبي حاتم : قرئ على
العباس بن الوليد بن مزيد ، أخبرنا
محمد بن شعيب ، أخبرني
النعمان بن المنذر ، عن
مكحول قال : أنزل الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) [ الأنعام : 121 ] ثم نسخها الرب ، عز وجل ، ورحم المسلمين ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) فنسخها بذلك ، وأحل طعام أهل الكتاب .
وفي هذا الذي قاله
مكحول - رحمه الله - نظر ، فإنه لا يلزم من إباحته طعام
أهل الكتاب إباحة
nindex.php?page=treesubj&link=16977أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ; لأنهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم ، وهم متعبدون
[ ص: 41 ] بذلك ; ولهذا لم يبح
nindex.php?page=treesubj&link=16962ذبائح من عداهم من أهل الشرك ومن شابههم ، لأنهم لم يذكروا اسم الله على ذبائحهم ، بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة ، بل يأكلون الميتة ، بخلاف
أهل الكتابين ومن شاكلهم من
السامرة والصابئة ومن تمسك بدين
إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء ، على أحد قولي العلماء ، ونصارى العرب
كبني تغلب وتنوخ وبهراء وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم ، لا تؤكل ذبائحهم عند الجمهور .
[ و ] قال
أبو جعفر بن جرير : حدثنا
يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أيوب عن
محمد بن عبيدة قال : قال
علي : لا تأكلوا ذبائح
بني تغلب ; لأنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر .
وكذا قال غير واحد من الخلف والسلف .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب والحسن أنهما كانا لا يريان بأسا بذبيحة
نصارى بني تغلب .
وأما
المجوس فإنهم وإن أخذت منهم الجزية تبعا وإلحاقا لأهل الكتاب فإنهم
nindex.php?page=treesubj&link=16973_11005لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم ، خلافا
لأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي ، أحد الفقهاء من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، ولما قال ذلك واشتهر عنه أنكر عليه الفقهاء ذلك ، حتى قال عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
أبو ثور كاسمه ! يعني في هذه المسألة ، وكأنه تمسك بعموم حديث روي مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823601سنوا بهم سنة أهل الكتاب " ، ولكن لم يثبت بهذا اللفظ ، وإنما الذي في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : عن
عبد الرحمن بن عوف ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس
هجر ولو سلم صحة هذا الحديث ، فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) فدل بمفهومه - مفهوم المخالفة - على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعامكم حل لهم ) أي : ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم ، وليس هذا إخبارا عن الحكم عندهم ، اللهم إلا أن يكون خبرا عما أمروا به من الأكل من كل طعام ذكر اسم الله عليه ، سواء كان من أهل ملتهم أو غيرها . والأول أظهر في المعنى ، أي : ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم . وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة ، كما ألبس النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه
لعبد الله بن أبي ابن سلول حين مات ودفنه فيه ، قالوا : لأنه كان قد كسا
العباس حين قدم
المدينة ثوبه ، فجازاه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بذلك ، فأما الحديث الذي فيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823232 " لا تصحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي " فمحمول على الندب والاستحباب ، والله أعلم .
[ ص: 42 ]
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5والمحصنات من المؤمنات ) أي : وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات ، وذكر هذا توطئة لما بعده ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=11006_28976والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فقيل : أراد بالمحصنات : الحرائر دون الإماء ، حكاه
ابن جرير عن
مجاهد . وإنما قال
مجاهد : المحصنات : الحرائر ، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه ، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة ، كما قاله
مجاهد في الرواية الأخرى عنه . وهو قول الجمهور هاهنا ، وهو الأشبه ; لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة ، فيفسد حالها بالكلية ، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : " حشفا وسوء كيلة " . والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات : العفيفات عن الزنا ، كما قال في الآية الأخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) [ النساء : 25 ] .
ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) هل يعم كل كتابية عفيفة ، سواء كانت حرة أو أمة؟ حكاه
ابن جرير عن طائفة من السلف ، ممن فسر المحصنة بالعفيفة . وقيل : المراد
بأهل الكتاب هاهنا الإسرائيليات ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقيل : المراد بذلك : الذميات دون الحربيات ; لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر [ ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ] ) [ التوبة : 29 ]
وقد كان
عبد الله بن عمر لا يرى
nindex.php?page=treesubj&link=11006التزويج بالنصرانية ، ويقول : لا أعلم شركا أعظم من أن تقول : إن ربها
عيسى وقد قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) الآية [ البقرة : 221 ] .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
محمد بن حاتم بن سليمان المؤدب ، حدثنا
القاسم بن مالك - يعني المزني - حدثنا
إسماعيل بن سميع ، عن
أبي مالك الغفاري ، عن
ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) قال : فحجز الناس عنهن حتى نزلت التي بعدها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فنكح الناس [ من ] نساء
أهل الكتاب .
وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء
النصارى ولم يروا بذلك بأسا ، أخذا بهذه الآية الكريمة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فجعلوا هذه مخصصة للآية التي في البقرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) [ الآية : 221 ] إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها ، وإلا فلا معارضة بينها وبينها ; لأن
أهل الكتاب قد يفصل في ذكرهم عن المشركين في غير موضع ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ) [ البينة : 1 ] وكقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا ) الآية [ آل عمران : 20 ]
[ ص: 43 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5إذا آتيتموهن أجورهن ) أي : مهورهن ، أي : كما هن محصنات عفائف ، فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس . وقد أفتى
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=14577وعامر الشعبي والحسن البصري بأن
nindex.php?page=treesubj&link=27761الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها أنه يفرق بينه وبينها ، وترد عليه ما بذل لها من المهر . رواه
ابن جرير عنهم .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ) فكما شرط الإحصان في النساء ، وهي العفة عن الزنا ، كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل أيضا محصنا عفيفا ; ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5غير مسافحين ) وهم : الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ، ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5ولا متخذي أخدان ) أي : ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن ، كما تقدم في سورة النساء سواء ; ولهذا ذهب
الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - إلى أنه لا يصح
nindex.php?page=treesubj&link=10807نكاح المرأة البغي حتى تتوب ، وما دامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف ، وكذلك لا يصح عنده
nindex.php?page=treesubj&link=10810_11284عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنا ; لهذه الآية وللحديث الآخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822184 " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله . "
وقال
ابن جرير : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، حدثنا
سليمان بن حرب ، حدثنا
أبو هلال ، عن قتادة ، عن
الحسن قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] لقد هممت ألا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة . فقال له
أبي بن كعب : يا أمير المؤمنين ، الشرك أعظم من ذلك ، وقد يقبل منه إذا تاب .
وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستقصى [ إن شاء الله تعالى ] عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) [ النور : 3 ] ; ولهذا قال تعالى هاهنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=16962_28976الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( 5 ) )
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا حَرَّمَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْخَبَائِثِ ، وَمَا أَحَلَّهُ لَهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ، قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )
[ ص: 40 ]
ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ
nindex.php?page=treesubj&link=16964ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ حِلٌّ لَكُمْ ) قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو أُمَامَةَ وَمُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَمَكْحُولٌ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14468والسُّدِّيُّ nindex.php?page=showalam&ids=17132وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : يَعْنِي ذَبَائِحَهُمْ .
وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ؛ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَ الذَّبْحِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَلَا يَذْكُرُونَ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ إِلَّا اسْمَ اللَّهِ ، وَإِنِ اعْتَقَدُوا فِيهِ تَعَالَى مَا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ قَوْلِهِمْ ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=824473عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : دُلِّيَ بِجِرَابٍ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ . [ قَالَ ] فَاحْتَضَنْتُهُ وَقُلْتُ : لَا أُعْطِي الْيَوْمَ مِنْ هَذَا أَحَدًا ، وَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ .
فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=8459تَنَاوُلُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ . وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَصْحَابِ
مَالِكٍ فِي مَنْعِهِمْ
nindex.php?page=treesubj&link=27931أَكْلَ مَا يَعْتَقِدُ الْيَهُودُ تَحْرِيمَهُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ ، كَالشُّحُومِ وَنَحْوِهَا مِمَّا حَرُمَ عَلَيْهِمْ . فَالْمَالِكِيَّةُ لَا يُجَوِّزُونَ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلَهُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ) قَالُوا : وَهَذَا لَيْسَ مِنْ طَعَامِهِمْ . وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِمُ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ عَيْنٍ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ شَحْمًا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ ، كَشَحْمِ الظَّهْرِ وَالْحَوَايَا وَنَحْوِهِمَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَجْوَدُ مِنْهُ فِي الدَّلَالَةِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825045أَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=30839أَهْلَ خَيْبَرَ أَهْدَوْا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَصْلِيَّةً ، وَقَدْ سَمُّوا ذِرَاعَهَا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ الذِّرَاعُ ، فَتَنَاوَلَهُ فَنَهَشَ مِنْهُ نَهْشَةً ، فَأَخْبَرَهُ الذِّرَاعُ أَنَّهُ مَسْمُومٌ ، فَلَفَظَهُ وَأَثَّرَ ذَلِكَ السُّمُّ فِي ثَنَايَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أبْهَرِهِ ، وَأَكَلَ مَعَهُ مِنْهَا بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ; فَمَاتَ ، فَقَتَلَ الْيَهُودِيَّةَ الَّتِي سَمَّتْهَا ، وَكَانَ اسْمُهَا زَيْنَبَ فَقُتِلَتْ بِبِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ .
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى أَكْلِهَا وَمَنْ مَعَهُ ، وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ هَلْ نَزَعُوا مِنْهَا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ مِنْ شَحْمِهَا أَمْ لَا .
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضَافَهُ يَهُودِيٌّ عَلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ ، يَعْنِي : وَدَكًا زَنِخًا
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : قُرِئَ عَلَى
الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ ، أَخْبَرْنَا
مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنِي
النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، عَنْ
مَكْحُولٍ قَالَ : أَنْزَلَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) [ الْأَنْعَامِ : 121 ] ثُمَّ نَسَخَهَا الرَّبُّ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَحِمَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ) فَنَسَخَهَا بِذَلِكَ ، وَأَحَلَّ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ .
وَفِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ
مَكْحُولٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَظَرٌ ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِبَاحَتِهِ طَعَامَ
أَهْلِ الْكِتَابِ إِبَاحَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=16977أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ وَقَرَابِينِهِمْ ، وَهُمْ مُتَعَبِّدُونَ
[ ص: 41 ] بِذَلِكَ ; وَلِهَذَا لَمْ يُبِحْ
nindex.php?page=treesubj&link=16962ذَبَائِحَ مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَمَنْ شَابَهَهُمْ ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ ، بَلْ وَلَا يَتَوَقَّفُونَ فِيمَا يَأْكُلُونَهُ مِنَ اللَّحْمِ عَلَى ذَكَاةٍ ، بَلْ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ ، بِخِلَافِ
أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَمَنْ شَاكَلَهُمْ مِنَ
السَّامِرَةِ وَالصَّابِئَةِ وَمَنْ تَمَسَّكَ بِدِينِ
إِبْرَاهِيمَ وَشِيثَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ ، وَنَصَارَى الْعَرَبِ
كَبَنِي تَغْلِبَ وَتَنُوخَ وَبَهْرَاءَ وَجُذَامٍ وَلَخْمٍ وَعَامِلَةَ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ ، لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ .
[ وَ ] قَالَ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ : قَالَ
عَلِيٌّ : لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ
بَنِي تَغْلِبَ ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَمَسَّكُونَ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ .
وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12514سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبِيحَةِ
نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ .
وَأَمَّا
الْمَجُوسُ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ أُخِذَتْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ تَبَعًا وَإِلْحَاقًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=16973_11005لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ ، خِلَافًا
لِأَبِي ثَوْرٍ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ الْكَلْبِيِّ ، أَحَدِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ وَاشْتَهَرَ عَنْهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ ، حَتَّى قَالَ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ :
أَبُو ثَوْرٍ كَاسْمِهِ ! يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَكَأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ حَدِيثٍ رُوِيَ مُرْسَلًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823601سُنُّوًا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ " ، وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ : عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ; أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ
هَجَرَ وَلَوْ سُلِّمَ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَعُمُومُهُ مَخْصُوصٌ بِمَفْهُومِ هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ) فَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ - مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ - عَلَى أَنَّ طَعَامَ مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ لَا يَحِلُّ
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) أَيْ : وَيَحِلُّ لَكُمْ أَنَّ تُطْعِمُوهُمْ مِنْ ذَبَائِحِكُمْ ، وَلَيْسَ هَذَا إِخْبَارًا عَنِ الْحُكْمِ عِنْدَهُمْ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْأَكْلِ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا . وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى ، أَيْ : وَلَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ مِنْ ذَبَائِحِكُمْ كَمَا أَكَلْتُمْ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ . وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُكَافَأَةِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُجَازَاةِ ، كَمَا أَلْبَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ حِينَ مَاتَ وَدَفَنَهُ فِيهِ ، قَالُوا : لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ كَسَا
الْعَبَّاسَ حِينَ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ ثَوْبَهُ ، فَجَازَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِذَلِكَ ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823232 " لَا تَصْحَبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ " فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 42 ]
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ ) أَيْ : وَأَحِلُّ لَكُمْ نِكَاحُ الْحَرَائِرِ الْعَفَائِفِ مِنَ النِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ ، وَذِكْرُ هَذَا تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=11006_28976وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) فَقِيلَ : أَرَادَ بِالْمُحَصَّنَاتِ : الْحَرَائِرُ دُونَ الْإِمَاءِ ، حَكَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ . وَإِنَّمَا قَالَ
مُجَاهِدٌ : الْمُحْصَنَاتُ : الْحَرَائِرُ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَا حَكَاهُ عَنْهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْحُرَّةِ الْعَفِيفَةَ ، كَمَا قَالَهُ
مُجَاهِدٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ . وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ هَاهُنَا ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ ; لِئَلَّا يَجْتَمِعَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ ذِمِّيَّةً وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ عَفِيفَةٍ ، فَيُفْسِدُ حَالَهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، وَيَتَحَصَّلُ زَوْجُهَا عَلَى مَا قِيلَ فِي الْمَثَلِ : " حَشَفًا وَسُوءَ كَيْلَةٍ " . وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحْصَنَاتِ : الْعَفِيفَاتُ عَنِ الزِّنَا ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) [ النِّسَاءِ : 25 ] .
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) هَلْ يَعُمُّ كُلَّ كِتَابِيَّةٍ عَفِيفَةٍ ، سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً؟ حَكَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ ، مِمَّنْ فَسَّرَ الْمُحْصَنَةَ بِالْعَفِيفَةِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ
بِأَهْلِ الْكِتَابِ هَاهُنَا الْإِسْرَائِيلِيَّاتُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِذَلِكَ : الذِّمِّيَّاتُ دُونَ الْحَرْبِيَّاتِ ; لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ] ) [ التَّوْبَةِ : 29 ]
وَقَدْ كَانَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَرَى
nindex.php?page=treesubj&link=11006التَّزْوِيجَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ ، وَيَقُولُ : لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَقُولَ : إِنَّ رَبَّهَا
عِيسَى وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 221 ] .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَدِّبُ ، حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ - يَعْنِي الْمُزَنِيَّ - حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ سُمَيْعٍ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) قَالَ : فَحَجَزَ النَّاسُ عَنْهُنَّ حَتَّى نَزَلَتِ الَّتِي بَعْدَهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) فَنَكَحَ النَّاسُ [ مِنْ ] نِسَاءِ
أَهْلِ الْكِتَابِ .
وَقَدْ تَزَوَّجَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ نِسَاءِ
النَّصَارَى وَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا ، أَخْذًا بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) فَجَعَلُوا هَذِهِ مُخَصَّصَةً لِلْآيَةِ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) [ الْآيَةَ : 221 ] إِنْ قِيلَ بِدُخُولِ الْكِتَابِيَّاتِ فِي عُمُومِهَا ، وَإِلَّا فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا ; لِأَنَّ
أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ يُفْصَلُ فِي ذِكْرِهِمْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) [ الْبَيِّنَةُ : 1 ] وَكَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا ) الْآيَةَ [ آلِ عِمْرَانَ : 20 ]
[ ص: 43 ] ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) أَيْ : مُهُورَهُنَّ ، أَيْ : كَمَا هُنَّ مُحْصَنَاتٌ عَفَائِفُ ، فَابْذُلُوا لَهُنَّ الْمُهُورَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ . وَقَدْ أَفْتَى
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27761الرَّجُلَ إِذَا نَكَحَ امْرَأَةً فَزَنَتْ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، وَتَرُدُّ عَلَيْهِ مَا بَذَلَ لَهَا مِنَ الْمَهْرِ . رَوَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُمْ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) فَكَمَا شَرَطَ الْإِحْصَانَ فِي النِّسَاءِ ، وَهِيَ الْعِفَّةُ عَنِ الزِّنَا ، كَذَلِكَ شَرَطَهَا فِي الرِّجَالِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَيْضًا مُحْصَنًا عَفِيفًا ; وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) وَهُمُ : الزُّنَاةُ الَّذِينَ لَا يَرْتَدِعُونَ عَنْ مَعْصِيَةٍ ، وَلَا يَرُدُّونَ أَنْفُسَهُمْ عَمَّنْ جَاءَهُمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) أَيْ : ذَوِي الْعَشِيقَاتِ الَّذِينَ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَعَهُنَّ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ سَوَاءٌ ; وَلِهَذَا ذَهَبَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ
nindex.php?page=treesubj&link=10807نِكَاحُ الْمَرْأَةِ الْبَغِيِّ حَتَّى تَتُوبَ ، وَمَا دَامَتْ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهَا مِنْ رَجُلٍ عَفِيفٍ ، وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=10810_11284عَقْدُ الرَّجُلِ الْفَاجِرِ عَلَى عَفِيفَةٍ حَتَّى يَتُوبَ وَيُقْلِعَ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الزِّنَا ; لِهَذِهِ الْآيَةِ وَلِلْحَدِيثِ الْآخَرِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822184 " لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ . "
وَقَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا
أَبُو هِلَالٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] لَقَدْ هَمَمْتُ أَلَّا أَدَعَ أَحَدًا أَصَابَ فَاحِشَةً فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُحْصَنَةً . فَقَالَ لَهُ
أُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، الشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ يُقْبَلُ مِنْهُ إِذَا تَابَ .
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَقْصًى [ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ] عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) [ النُّورِ : 3 ] ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى هَاهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )