(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=31931_32416_28976وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ( 64 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ( 66 ) )
يخبر تعالى عن
اليهود - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة - بأنهم
nindex.php?page=treesubj&link=32416_19106_10027وصفوا الله عز وجل وتعالى عن قولهم علوا كبيرا ، بأنه بخيل . كما وصفوه بأنه فقير وهم أغنياء ، وعبروا عن البخل
[ ص: 146 ] بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يد الله مغلولة )
قال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أبو عبد الله الطهراني ، حدثنا
حفص بن عمر العدني ، حدثنا
الحكم بن أبان ، عن
عكرمة قال : قال
ابن عباس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64مغلولة ) أي : بخيلة .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة ) قال : لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة ولكن يقولون : بخيل أمسك ما عنده ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
وكذا روي عن
عكرمة وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ومجاهد والضحاك وقرأ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) [ الإسراء : 29 ] . يعني : أنه ينهى عن
nindex.php?page=treesubj&link=18898_18897البخل وعن التبذير ، وهو الزيادة في الإنفاق في غير محله ، وعبر عن البخل بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) .
وهذا هو الذي أراد هؤلاء
اليهود عليهم لعائن الله . وقد قال
عكرمة : إنها نزلت في
فنحاص اليهودي عليه لعنة الله . وقد تقدم أنه الذي قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181إن الله فقير ونحن أغنياء ) [ آل عمران : 181 ] فضربه
أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
وقال
محمد بن إسحاق : حدثني
محمد بن أبي محمد ، عن
سعيد أو
عكرمة عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=treesubj&link=10027_32416قال رجل من اليهود يقال له : شاس بن قيس : إن ربك بخيل لا ينفق ، فأنزل الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )
وقد رد الله عز وجل عليهم ما قالوه ، وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه وائتفكوه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ) وهكذا وقع لهم ، فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة أمر عظيم ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=53أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله [ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا ] ) [ النساء : 53 - 55 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=112ضربت عليهم الذلة [ أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ] ) الآية [ آل عمران : 112 ] .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) أي : بل هو الواسع الفضل ، الجزيل العطاء ، الذي ما من شيء إلا عنده خزائنه ، وهو الذي ما بخلقه من نعمة فمنه وحده لا شريك له ، الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه ، في ليلنا ونهارنا ، وحضرنا وسفرنا ، وفي جميع أحوالنا ، كما قال [ تعالى ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) الآية [ إبراهيم : 34 ] . والآيات في هذا كثيرة ، وقد قال
الإمام أحمد بن حنبل :
[ ص: 147 ]
حدثنا
عبد الرزاق ، حدثنا
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17257همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823713 " إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض ، فإنه لم يغض ما في يمينه " قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823714 " وعرشه على الماء ، وفي يده الأخرى القبض ، يرفع ويخفض " : قال : قال الله تعالى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822679 " أنفق أنفق عليك " أخرجاه في الصحيحين ،
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " التوحيد " عن
علي ابن المديني ،
ومسلم فيه عن
محمد بن رافع وكلاهما عن
عبد الرزاق به .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ) أي : يكون ما أتاك الله يا
محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من
اليهود وأشباههم ، فكما يزداد به المؤمنون تصديقا وعملا صالحا وعلما نافعا ، يزداد به الكفرة الحاسدون لك ولأمتك ) طغيانا ) وهو :
nindex.php?page=treesubj&link=25985المبالغة والمجاوزة للحد في الأشياء ) وكفرا ) أي : تكذيبا ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) [ فصلت : 44 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) يعني : أنه لا تجتمع قلوبهم ، بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم في بعض دائما لأنهم لا يجتمعون على حق ، وقد خالفوك وكذبوك .
وقال إبراهيم النخعي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وألقينا بينهم العداوة والبغضاء ) قال :
nindex.php?page=treesubj&link=19154الخصومات والجدال في الدين . رواه
ابن أبي حاتم .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ) أي : كلما عقدوا أسبابا يكيدونك بها ، وكلما أبرموا أمورا يحاربونك بها يبطلها الله ويرد كيدهم عليهم ، ويحيق مكرهم السيئ بهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) أي : من سجيتهم أنهم دائما يسعون في الإفساد في الأرض ، والله لا يحب من هذه صفته .
ثم قال جل وعلا (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=65ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا ) أي : لو أنهم آمنوا بالله ورسوله ، واتقوا ما كانوا يتعاطونه من المحارم والمآثم (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=65لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ) أي : لأزلنا عنهم المحذور ولحصلناهم المقصود .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ) قال
ابن عباس وغيره : يعني القرآن . (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) أي : لو أنهم عملوا بما في الكتب التي بأيديهم عن الأنبياء ، على ما هي عليه ، من غير تحريف ولا تغيير ولا تبديل ، لقادهم ذلك إلى اتباع الحق والعمل بمقتضى
[ ص: 148 ] ما بعث الله به
محمدا صلى الله عليه وسلم ; فإن كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتباعه حتما لا محالة .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66لأكلوا من فوقهم ) يعني : لأرسل [ السماء ] عليهم مدرارا (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66ومن تحت أرجلهم ) يعني : يخرج من الأرض بركاتها .
وكذا قال
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي كما قال [ تعالى ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=96ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [ ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ] ) [ الأعراف : 96 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=41ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس [ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ] ) [ الروم : 41 ] .
وقال بعضهم : معناه (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) يعني : من غير كد ولا تعب ولا شقاء ولا عناء .
وقال
ابن جرير : قال بعضهم : معناه : لكانوا في الخير ، كما يقول القائل : " هو في الخير من قرنه إلى قدمه " . ثم رد هذا القول لمخالفة أقوال السلف
وقد ذكر
ابن أبي حاتم عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ) حديث
علقمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16230صفوان بن عمرو ، عن
عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه
nindex.php?page=hadith&LINKID=824495أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك أن يرفع العلم " . فقال زياد بن لبيد : يا رسول الله ، وكيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا؟! قال ثكلتك أمك يا ابن لبيد ! إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة أوليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله " ثم قرأ ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل )
هكذا أورده
ابن أبي حاتم حديثا معلقا من أول إسناده ، مرسلا في آخره . وقد رواه
الإمام أحمد بن حنبل متصلا موصولا فقال :
[ ص: 149 ]
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، حدثنا
الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد nindex.php?page=hadith&LINKID=823715عن زياد بن لبيد قال : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال : " وذاك عند ذهاب العلم " . قال : قلنا : يا رسول الله ، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال : " ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء "
وكذا رواه
ابن ماجه ، عن
أبى بكر بن أبي شيبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع بإسناده نحوه وهذا إسناد صحيح .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=159ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ الأعراف : 159 ] ، وكقوله عن أتباع
عيسى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم [ وكثير منهم فاسقون ] ) [ الحديد : 27 ] . فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد ، وهو أوسط مقامات هذه الأمة ، وفوق ذلك رتبة السابقين كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها ) الآية [ فاطر : 32 ، 33 ] . والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة يدخلون الجنة .
وقد قال
أبو بكر بن مردويه : حدثنا
عبد الله بن جعفر ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12298أحمد بن يونس الضبي ، حدثنا
عاصم بن علي ، حدثنا
أبو معشر ، عن
يعقوب بن يزيد بن طلحة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن
أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825074 " تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة ، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة ، وتفرقت أمة عيسى على ثنتين وسبعين ملة ، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار ، وتعلو أمتي على الفرقتين جميعا . واحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار " . قالوا : من هم يا رسول الله؟ قال : " الجماعات الجماعات " .
قال
يعقوب بن يزيد كان
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلا فيه قرآنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=65ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ) إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) وتلا أيضا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=181وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ الأعراف : 181 ] يعني : أمة
محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه وبهذا السياق . وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين
[ ص: 150 ] مروي من طرق عديدة ، وقد ذكرناه في موضع آخر . ولله الحمد والمنة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=31931_32416_28976وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( 64 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ( 66 ) )
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ
الْيَهُودِ - عَلَيْهِمْ لِعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - بِأَنَّهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=32416_19106_10027وَصَفُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَتَعَالَى عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا ، بِأَنَّهُ بَخِيلٌ . كَمَا وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ فَقِيرٌ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ، وَعَبَّرُوا عَنِ الْبُخْلِ
[ ص: 146 ] بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ )
قَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الطِّهْرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا
حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ ، حَدَّثَنَا
الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ قَالَ : قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64مَغْلُولَةٌ ) أَيْ : بَخِيلَةٌ .
وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) قَالَ : لَا يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّ يَدَ اللَّهِ مُوثَقَةٌ وَلَكِنْ يَقُولُونَ : بَخِيلٌ أَمْسَكَ مَا عِنْدَهُ ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ
عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيِّ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَقَرَأَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 29 ] . يَعْنِي : أَنَّهُ يَنْهَى عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=18898_18897الْبُخْلِ وَعَنِ التَّبْذِيرِ ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْإِنْفَاقِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ، وَعَبَّرَ عَنِ الْبُخْلِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ) .
وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ هَؤُلَاءِ
الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ لِعَائِنُ اللَّهِ . وَقَدْ قَالَ
عِكْرِمَةُ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي
فِنْحَاصَ الْيَهُودِيِّ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الَّذِي قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 181 ] فَضَرَبَهُ
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ ، عَنْ
سَعِيدٍ أَوْ
عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=10027_32416قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ : شَاسُ بْنُ قَيْسٍ : إِنَّ رَبَّكَ بَخِيلٌ لَا يُنْفِقُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ )
وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ مَا قَالُوهُ ، وَقَابَلَهُمْ فِيمَا اخْتَلَقُوهُ وَافْتَرَوْهُ وَائْتَفَكُوهُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ) وَهَكَذَا وَقَعَ لَهُمْ ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ مِنَ الْبُخْلِ وَالْحَسَدِ وَالْجُبْنِ وَالذِّلَّةِ أَمْرٌ عَظِيمٌ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=53أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ] ) [ النِّسَاءِ : 53 - 55 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=112ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ [ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ] ) الْآيَةَ [ آلِ عِمْرَانَ : 112 ] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) أَيْ : بَلْ هُوَ الْوَاسِعُ الْفَضْلِ ، الْجَزِيلُ الْعَطَاءِ ، الَّذِي مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَهُ خَزَائِنُهُ ، وَهُوَ الَّذِي مَا بِخَلْقِهِ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، الَّذِي خَلَقَ لَنَا كُلَّ شَيْءٍ مِمَّا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ ، فِي لَيْلِنَا وَنَهَارِنَا ، وَحَضَرِنَا وَسَفَرِنَا ، وَفِي جَمِيعِ أَحْوَالِنَا ، كَمَا قَالَ [ تَعَالَى ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) الْآيَةَ [ إِبْرَاهِيمَ : 34 ] . وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ ، وَقَدْ قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ :
[ ص: 147 ]
حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17257هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : هَذَا مَا حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823713 " إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ " قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823714 " وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَفِي يَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ " : قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822679 " أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي " التَّوْحِيدِ " عَنْ
عَلِيِّ ابْنِ الْمَدِينِيِّ ،
وَمُسْلِمٌ فِيهِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَكِلَاهُمَا عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) أَيْ : يَكُونُ مَا أَتَاكَ اللَّهُ يَا
مُحَمَّدُ مِنَ النِّعْمَةِ نِقْمَةٌ فِي حَقِّ أَعْدَائِكَ مِنَ
الْيَهُودِ وَأَشْبَاهِهِمْ ، فَكَمَا يَزْدَادُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ تَصْدِيقًا وَعَمَلًا صَالِحًا وَعِلْمًا نَافِعًا ، يَزْدَادُ بِهِ الْكَفَرَةُ الْحَاسِدُونَ لَكَ وَلِأُمَّتِكَ ) طُغْيَانًا ) وَهُوَ :
nindex.php?page=treesubj&link=25985الْمُبَالَغَةُ وَالْمُجَاوَزَةُ لِلْحَدِّ فِي الْأَشْيَاءِ ) وَكُفْرًا ) أَيْ : تَكْذِيبًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) [ فُصِّلَتْ : 44 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وَنُنُزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 82 ] .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) يَعْنِي : أَنَّهُ لَا تَجْتَمِعُ قُلُوبُهُمْ ، بَلِ الْعَدَاوَةُ وَاقِعَةٌ بَيْنَ فِرَقِهِمْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ دَائِمًا لِأَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى حَقٍّ ، وَقَدْ خَالَفُوكَ وَكَذَّبُوكَ .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ) قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=19154الْخُصُومَاتُ وَالْجِدَالُ فِي الدِّينِ . رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ) أَيْ : كُلَّمَا عَقَّدُوا أَسْبَابًا يَكِيدُونَكَ بِهَا ، وَكُلَّمَا أَبْرَمُوا أُمُورًا يُحَارِبُونَكَ بِهَا يُبْطِلُهَا اللَّهُ وَيَرُدُّ كَيْدَهُمْ عَلَيْهِمْ ، وَيَحِيقُ مَكْرُهُمُ السَّيِّئُ بِهِمْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) أَيْ : مِنْ سَجِيَّتِهِمْ أَنَّهُمْ دَائِمًا يَسْعَوْنَ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ .
ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَلَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=65وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا ) أَيْ : لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَاتَّقَوْا مَا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ مِنَ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=65لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) أَيْ : لَأَزَلْنَا عَنْهُمُ الْمَحْذُورَ وَلَحَصَّلْنَاهُمُ الْمَقْصُودَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ) قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ : يَعْنِي الْقُرْآنَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) أَيْ : لَوْ أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمَا فِي الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ ، عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَغْيِيرٍ وَلَا تَبْدِيلٍ ، لَقَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى
[ ص: 148 ] مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّ كُتُبَهُمْ نَاطِقَةٌ بِتَصْدِيقِهِ وَالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ حَتْمًا لَا مَحَالَةَ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) يَعْنِي بِذَلِكَ كَثْرَةَ الرِّزْقِ النَّازِلِ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّابِتِ لَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ .
وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ) يَعْنِي : لَأَرْسَلَ [ السَّمَاءَ ] عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) يَعْنِي : يُخْرِجُ مِنَ الْأَرْضِ بَرَكَاتِهَا .
وَكَذَا قَالَ
مُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ كَمَا قَالَ [ تَعَالَى ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=96وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ] ) [ الْأَعْرَافِ : 96 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=41ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ] ) [ الرُّومِ : 41 ] .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) يَعْنِي : مِنْ غَيْرِ كَدٍّ وَلَا تَعَبٍ وَلَا شَقَاءٍ وَلَا عَنَاءٍ .
وَقَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : قَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ : لَكَانُوا فِي الْخَيْرِ ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : " هُوَ فِي الْخَيْرِ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ " . ثُمَّ رُدَّ هَذَا الْقَوْلُ لِمُخَالَفَةِ أَقْوَالِ السَّلَفِ
وَقَدْ ذَكَرَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ) حَدِيثَ
عَلْقَمَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16230صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=824495أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُوشِكُ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ " . فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ وَعَلَّمْنَاهُ أَبْنَاءَنَا؟! قَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ لَبِيدٍ ! إِنْ كُنْتُ لَأَرَاكَ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوَلَيِسَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ بِأَيْدِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ حِينَ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ " ثُمَّ قَرَأَ ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ )
هَكَذَا أَوْرَدَهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدِيثًا مُعَلَّقًا مِنْ أَوَّلِ إِسْنَادِهِ ، مُرْسَلًا فِي آخِرِهِ . وَقَدْ رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مُتَّصِلًا مَوْصُولًا فَقَالَ :
[ ص: 149 ]
حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15957سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ nindex.php?page=hadith&LINKID=823715عَنْ زِيَادِ بْنِ لَبِيَدٍ قَالَ : ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَ : " وَذَاكَ عِنْدَ ذَهَابِ الْعِلْمِ " . قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا ، وَيُقْرِئُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ : " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ أُمِّ لَبِيدٍ إِنْ كُنْتُ لَأَرَاكَ مِنْ أَفْقَهِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ أَوْ لَيْسَ هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَلَا يَنْتَفِعُونَ مِمَّا فِيهِمَا بِشَيْءٍ "
وَكَذَا رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ
أَبَى بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=159وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) [ الْأَعْرَافِ : 159 ] ، وَكَقَوْلِهِ عَنْ أَتْبَاعِ
عِيسَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ [ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ] ) [ الْحَدِيدِ : 27 ] . فَجَعَلَ أَعْلَى مَقَامَاتِهِمُ الِاقْتِصَادَ ، وَهُوَ أَوْسَطُ مَقَامَاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَفَوْقَ ذَلِكَ رُتْبَةُ السَّابِقَيْنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ) الْآيَةَ [ فَاطِرٍ : 32 ، 33 ] . وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ .
وَقَدْ قَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12298أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الضَّبِّيُّ ، حَدَّثَنَا
عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا
أَبُو مَعْشَرٍ ، عَنْ
يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825074 " تَفَرَّقَتْ أُمَّةُ مُوسَى عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، سَبْعُونَ مِنْهَا فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَتَفَرَّقَتْ أُمَّةُ عِيسَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَاحِدَةٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ مِنْهَا فِي النَّارِ ، وَتَعْلُو أُمَّتِي عَلَى الْفِرْقَتَيْنِ جَمِيعًا . وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ " . قَالُوا : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : " الْجَمَاعَاتُ الْجَمَاعَاتُ " .
قَالَ
يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، تَلَا فِيهِ قُرْآنًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=65وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ) وَتَلَا أَيْضًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=181وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) [ الْأَعْرَافِ : 181 ] يَعْنِي : أُمَّةَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَبِهَذَا السِّيَاقِ . وَحَدِيثُ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ إِلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ
[ ص: 150 ] مَرْوِيٌّ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .