( ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ( 103 ) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ( 104 ) )
قال : حدثنا البخاري موسى بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب عن قال : " البحيرة " : التي يمنع درها للطواغيت ، فلا يحلبها أحد من الناس . و " السائبة " : كانوا يسيبونها لآلهتهم ، لا يحمل عليها شيء - قال : وقال سعيد بن المسيب : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبو هريرة عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار ، كان أول من سيب السوائب " - و " الوصيلة " : الناقة البكر ، تبكر في أول نتاج الإبل ، ثم تثني بعد بأنثى ، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم ، إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر . و " الحام " : فحل الإبل يضرب الضراب المعدود ، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت ، وأعفوه عن الحمل ، فلم يحمل عليه شيء ، وسموه الحامي . رأيت
وكذا رواه مسلم ، من حديث والنسائي إبراهيم بن سعد ، به .
ثم قال : وقال لي البخاري أبو اليمان : أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : سمعت سعيدا يخبر بهذا . وقال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه . ورواه أبو هريرة ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد ، عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . أبي هريرة
قال : أراد الحاكم أن البخاري رواه عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عبد الوهاب بن بخت ، عن الزهري . كذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزني في " الأطراف " وسكت ولم ينبه عليه . وفيما قاله نظر ، فإن الحاكم الإمام أحمد وأبا جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد ، عن ابن الهاد ، عن [ ص: 209 ] الزهري نفسه . والله أعلم .
ثم قال : حدثنا البخاري محمد بن أبي يعقوب أبو عبد الله الكرماني ، حدثنا حسان بن إبراهيم ، حدثنا يونس ، عن الزهري ، عن عروة ; أن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عمرا يجر قصبه ، وهو أول من سيب السوائب " . تفرد به رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ، ورأيت . البخاري
وقال ابن جرير : حدثنا هناد ، حدثنا ، حدثنا يونس بن بكير محمد بن إسحاق ، حدثني ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أبي صالح ، عن قال : أبي هريرة لأكثم بن الجون : " يا أكثم ، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار ، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ، ولا به منك " . فقال أكثم : تخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا إنك مؤمن وهو كافر ، إنه أول من غير دين إبراهيم ، وبحر البحيرة ، وسيب السائبة ، وحمى الحامي " . ثم رواه عن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هناد ، عن عبدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بنحوه أو مثله . أبي هريرة
ليس هذان الطريقان في الكتب .
وقال : حدثنا الإمام أحمد عمرو بن مجمع ، حدثنا إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " عبد الله بن مسعود أبو خزاعة عمرو بن عامر ، وإني رأيته يجر أمعاءه في النار " . تفرد به إن أول من سيب السوائب ، وعبد الأصنام ، أحمد من هذا الوجه .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " زيد بن أسلم إبراهيم - عليه السلام - " . قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : " عمرو بن لحي أخو بني كعب ، لقد رأيته يجر قصبه في النار ، يؤذي ريحه أهل النار . وإني لأعرف أول من بحر البحائر " . قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : " رجل من بني مدلج ، كانت له ناقتان ، فجدع آذانهما ، وحرم ألبانهما ، ثم شرب ألبانهما بعد ذلك ، فلقد رأيته في النار وهما يعضانه بأفواههما ويخبطانه بأخفافهما " . إني لأعرف أول من سيب السوائب ، وأول من غير دين
فعمرو هذا هو ابن لحي بن قمعة ، أحد رؤساء خزاعة ، الذين ولوا البيت بعد جرهم . وكان أول من غير دين إبراهيم الخليل ، فأدخل الأصنام إلى الحجاز ، ودعا الرعاع من الناس إلى عبادتها والتقرب [ ص: 210 ] بها ، وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية في الأنعام وغيرها ، كما ذكره الله تعالى في سورة الأنعام ، عند قوله تعالى : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) [ الأنعام : 136 ] إلى آخر الآيات في ذلك .
فأما البحيرة ، فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هي الناقة إذا نتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس ، فإن كان ذكرا ذبحوه ، فأكله الرجال دون النساء . وإن كان أنثى جدعوا آذانها ، فقالوا : هذه بحيرة .
وذكر وغيره قريبا من هذا . السدي
وأما السائبة ، فقال مجاهد : هي من الغنم نحو ما فسر من البحيرة ، إلا أنها ما ولدت من ولد كان بينها وبين ستة أولاد كان على هيئتها ، فإذا ولدت السابع ذكرا أو ذكرين ، ذبحوه ، فأكله رجالهم دون نسائهم .
وقال محمد بن إسحاق : السائبة : هي الناقة إذا ولدت عشر إناث من الولد ليس بينهن ذكر ، سيبت فلم تركب ، ولم يجز وبرها ، ولم يحلب لبنها إلا الضيف .
وقال أبو روق : السائبة : كان الرجل إذا خرج فقضيت حاجته ، سيب من ماله ناقة أو غيرها ، فجعلها للطواغيت . فما ولدت من شيء كان لها .
وقال : كان الرجل منهم إذا قضيت حاجته أو عوفي من مرض أو كثر ماله سيب شيئا من ماله للأوثان ، فمن عرض له من الناس عوقب بعقوبة في الدنيا . السدي
وأما الوصيلة ، فقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هي الشاة إذا نتجت سبعة أبطن نظروا إلى السابع ، فإن كان ذكرا أو أنثى وهو ميت اشترك فيه الرجال دون النساء ، وإن كان أنثى استحيوها ، وإن كان ذكرا وأنثى في بطن استحيوهما وقالوا : وصلته أخته فحرمته علينا . رواه ابن أبي حاتم .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن : ( سعيد بن المسيب ولا وصيلة ) قال : فالوصيلة من الإبل ، كانت الناقة تبتكر بأنثى ، ثم تثنى بأنثى ، فسموها الوصيلة ، ويقولون : وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر ، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم .
وكذا روي عن الإمام مالك بن أنس ، رحمه الله .
وقال محمد بن إسحاق : الوصيلة من الغنم : إذا ولدت عشر إناث في خمسة أبطن ، توأمين توأمين في كل بطن ، سميت الوصيلة وتركت ، فما ولدت بعد ذلك من ذكر أو أنثى ، جعلت للذكور دون الإناث . وإن كانت ميتة اشتركوا فيها .
وأما الحام ، فقال العوفي عن ابن عباس قال : كان الرجل إذا لقح فحله عشرا ، قيل حام ، فاتركوه .
[ ص: 211 ]
وكذا قال أبو روق وقتادة . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : وأما الحام فالفحل من الإبل ، إذا ولد لولده قالوا : حمى هذا ظهره ، فلا يحملون عليه شيئا ، ولا يجزون له وبرا ، ولا يمنعونه من حمى رعي ، ومن حوض يشرب منه ، وإن كان الحوض لغير صاحبه .
وقال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : أما الحام فمن الإبل كان يضرب في الإبل ، فإذا انقضى ضرابه جعلوا عليه ريش الطواويس وسيبوه .
وقد قيل غير ذلك في تفسير هذه الآية . وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم ، من طريق أبي إسحاق السبيعي أبي الأحوص الجشمي ، عن أبيه مالك بن نضلة قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلقان من الثياب ، فقال لي : " هل لك من مال؟ " قلت نعم . قال : " من أي المال؟ " قال : فقلت : من كل المال ، من الإبل والغنم والخيل والرقيق . قال : " فإذا آتاك الله مالا فلير عليك " . ثم قال : " تنتج إبلك وافية آذانها؟ " قال : قلت : نعم . قال : " وهل تنتج الإبل إلا كذلك؟ " قال : " فلعلك تأخذ الموسى فتقطع آذان طائفة منها وتقول : هذه بحير ، وتشق آذان طائفة منها ، وتقول : هذه حرم؟ " قلت : نعم . قال : " فلا تفعل ، إن كل ما آتاك الله لك حل " ، ثم قال : ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ) أما البحيرة : فهي التي يجدعون آذانها ، فلا تنتفع امرأته ولا بناته ولا أحد من أهل بيته بصوفها ولا أوبارها ولا أشعارها ولا ألبانها ، فإذا ماتت اشتركوا فيها . وأما السائبة : فهي التي يسيبون لآلهتهم ، ويذهبون إلى آلهتهم فيسيبونها ، وأما الوصيلة : فالشاة تلد ستة أبطن ، فإذا ولدت السابع جدعت وقطع قرنها ، فيقولون : قد وصلت ، فلا يذبحونها ولا تضرب ولا تمنع مهما وردت على حوض . هكذا يذكر تفسير ذلك مدرجا في الحديث . وقد روي من وجه آخر عن عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عوف بن مالك ، من قوله ، وهو أشبه .
وقد روى هذا الحديث ، عن الإمام أحمد سفيان بن عيينة ، عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو ، عن عمه أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة ، عن أبيه ، به . وليس فيه تفسير هذه والله أعلم .
وقوله : ( أي : ما شرع الله هذه الأشياء ولا هي عنده قربة ، ولكن المشركين افتروا ذلك وجعلوه شرعا لهم وقربة يتقربون بها إليه . وليس ذلك بحاصل لهم ، بل هو وبال عليهم .
( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ) أي : إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه وترك ما حرمه ، قالوا : يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد من الطرائق والمسالك ، قال الله تعالى ( أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ) أي : لا يفهمون حقا ، ولا [ ص: 212 ] يعرفونه ، ولا يهتدون إليه ، فكيف يتبعونهم والحالة هذه؟ لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم ، وأضل سبيلا .