قال داود الأودي ، عن الشعبي ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : من أراد أن يقرأ صحيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه ، فليقرأ هؤلاء الآيات : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ) إلى قوله : ( لعلكم تتقون ) .
وقال في مستدركه : حدثنا الحاكم بكر بن محمد الصيرفي بمرو ، حدثنا عبد الصمد بن الفضل ، حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة قال : سمعت ابن عباس يقول : في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب ، ثم قرأ : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ) .
ثم قال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
قلت : ورواه زهير كلاهما عن وقيس بن الربيع أبي إسحاق ، عن ، عن عبد الله بن قيس ابن عباس ، به . والله أعلم .
وروى أيضا في مستدركه من حديث الحاكم ، عن يزيد بن هارون سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي إدريس ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) حتى فرغ من الآيات - فمن وفى فأجره على الله ، ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته ومن أخر إلى الآخرة فأمره إلى الله ، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه " أيكم يبايعني على ثلاث؟ " - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
ثم قال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . وإنما اتفقا على حديث الزهري ، عن أبي إدريس ، عن عبادة : " " الحديث . وقد روى بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا سفيان بن حسين كلا الحديثين ، فلا ينبغي أن ينسب إلى الوهم في أحد الحديثين إذا جمع بينهما ، والله أعلم .
وأما تفسيرها فيقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد - لهؤلاء المشركين الذين أشركوا وعبدوا غير الله ، وحرموا ما رزقهم الله ، وقتلوا أولادهم وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين لهم ، ( قل ) لهم ( تعالوا ) أي : هلموا وأقبلوا : ( أتل ما حرم ربكم عليكم ) أي : أقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقا لا تخرصا ، ولا ظنا ، بل وحيا منه وأمرا من عنده : [ ص: 360 ] ( ألا تشركوا به شيئا ) وكأن في الكلام محذوفا دل عليه السياق ، وتقديره : وأوصاكم ( ألا تشركوا به شيئا ) ; ولهذا قال في آخر الآية : ( ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) وكما قال الشاعر :
حج وأوصى بسليمى الأعبدا أن لا ترى ولا تكلم أحدا ولا يزل شرابها مبردا
وفي الصحيحين من حديث أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جبريل فبشرني . قلت : وإن زنا وإن سرق؟ قال : وإن زنا وإن سرق . قلت : وإن زنا وإن سرق؟ قال : وإن زنا وإن سرق . قلت : وإن زنا وإن سرق؟ قال : وإن زنا وإن سرق ، وإن شرب الخمر أنه من مات لا يشرك بالله شيئا من أمتك ، دخل الجنة " : وفي بعض الروايات أن القائل ذلك إنما هو أتاني أبو ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه عليه السلام قال في الثالثة : " وإن رغم أنف أبي ذر " فكان أبو ذر يقول بعد تمام الحديث : وإن رغم أنف أبي ذر .
وفي بعض المسانيد والسنن عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني فإني أغفر لك على ما كان منك ولا أبالي ، ولو أتيتني بقراب الأرض خطيئة أتيتك بقرابها مغفرة ما لم تشرك بي شيئا ، وإن أخطأت حتى تبلغ خطاياك عنان السماء ثم استغفرتني ، غفرت لك
ولهذا شاهد في القرآن ، قال الله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ، 116 ] .
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود : " " والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدا . من مات لا يشرك بالله شيئا ، دخل الجنة
وروى ابن مردويه من حديث عبادة : " وأبي الدرداء " لا تشركوا بالله شيئا ، وإن قطعتم أو صلبتم أو حرقتم
[ ص: 361 ] وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا نافع بن يزيد حدثني سيار بن عبد الرحمن ، عن يزيد بن قوذر ، عن سلمة بن شريح ، عن عبادة بن الصامت قال : " أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصال : " ألا تشركوا بالله شيئا ، وإن حرقتم وقطعتم وصلبتم
وقوله تعالى : ( وبالوالدين إحسانا ) أي : وأوصاكم وأمركم بالوالدين إحسانا ، أي : أن تحسنوا إليهم ، كما قال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] .
وقرأ بعضهم : " ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا "
والله تعالى كثيرا ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين ، كما قال : ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) [ لقمان : 14 ، 15 ] . فأمر بالإحسان إليهما ، وإن كانا مشركين بحسبهما ، وقال تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا ) الآية . [ البقرة : 83 ] . والآيات في هذا كثيرة . وفي الصحيحين ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله؟ قال : " " قلت : ثم أي ؟ قال : " الصلاة على وقتها " قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " قال بر الوالدين ابن مسعود : حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني . عن
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه بسنده عن ، وعن أبي الدرداء عبادة بن الصامت ، كل منهما يقول : " أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم : " أطع والديك ، وإن أمراك أن تخرج لهما من الدنيا ، فافعل
ولكن في إسناديهما ضعف ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) لما أوصى تعالى ببر الآباء والأجداد ، عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد ، فقال تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ) وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك ، فكانوا يئدون البنات خشية العار ، وربما قتلوا بعض الذكور خيفة الافتقار; ولهذا جاء في الصحيحين ، من حديث ، رضي الله عنه ، عبد الله بن مسعود والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) [ الفرقان : 68 ] . قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " قلت : ثم أي؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
[ ص: 362 ] وقوله : ( من إملاق ) قال ابن عباس ، وقتادة ، : هو الفقر ، أي : ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل ، وقال في سورة " سبحان " : ( والسدي ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) [ الإسراء : 31 ] ، أي : خشية حصول فقر ، في الآجل; ولهذا قال هناك : ( نحن نرزقهم وإياكم ) فبدأ برزقهم للاهتمام بهم ، أي : لا تخافوا من فقركم بسببهم ، فرزقهم على الله . وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلا قال : ( نحن نرزقكم وإياهم ) ; لأنه الأهم هاهنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) كقوله تعالى : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) [ الأعراف : 33 ] . وقد تقدم تفسيرها في قوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) [ الأنعام : 12 ] .
وفي الصحيحين ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن
وقال ، عن عبد الملك بن عمير وراد ، عن مولاه المغيرة قال : سعد بن عبادة : لو رأيت مع امرأتي رجلا لضربته بالسيف غير مصفح . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أتعجبون من غيرة سعد ! فوالله لأنا أغير من سعد ، والله أغير مني ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " أخرجاه . قال
وقال كامل أبو العلاء ، عن أبي صالح ، عن قال : أبي هريرة " قيل : يا رسول الله ، إنا نغار . قال : " والله إني لأغار ، والله أغير مني ، ومن غيرته نهى عن الفواحش
رواه ابن مردويه ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وهو على شرط الترمذي ، فقد روي بهذا السند : " " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين
وقوله تعالى : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) وهذا مما نص تبارك وتعالى على النهي عنه تأكيدا ، وإلا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فقد جاء في الصحيحين ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة
[ ص: 363 ] وفي لفظ لمسلم والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم . . " وذكره ، قال الأعمش : فحدثت به إبراهيم ، فحدثني عن الأسود ، عن عائشة رضي الله عنها ، بمثله .
وروى أبو داود ، ، عن والنسائي عائشة ، رضي الله عنها; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " : زان محصن يرجم ، ورجل قتل رجلا متعمدا فيقتل ، ورجل يخرج من الإسلام حارب الله ورسوله ، فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال " وهذا لفظ . النسائي
وعن أمير المؤمنين ، رضي الله عنه ، أنه قال وهو محصور : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " عثمان بن عفان " فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ، ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منه بعد إذ هداني الله ، ولا قتلت نفسا ، فبم تقتلونني . رواه لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنا بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس ، الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي . وقال وابن ماجه الترمذي : هذا حديث حسن .
وقد جاء النهي والزجر والوعيد في - وهو المستأمن من أهل الحرب - كما رواه قتل المعاهد ، عن البخاري عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما
وعن ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أبي هريرة " من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله ، فقد أخفر بذمة الله ، فلا يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا
رواه ابن ماجه ، وقال : حسن صحيح . والترمذي
وقوله : ( ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) أي : هذا ما وصاكم به لعلكم تعقلون عنه أمره ونهيه .