[ ص: 292 ] ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائة
فيها قدم أبو مسلم من خراسان على السفاح بالعراق وذلك بعد استئذانه الخليفة في القدوم ، فكتب إليه أن يقدم في خمسمائة من الجند ، فكتب إليه : إني قد وترت الناس ، وإني أخشى من قلة الخمسمائة . فكتب إليه أن اقدم في ألف . فقدم في ثمانية آلاف فرقهم ، وأخذ معه من الأموال والتحف والهدايا شيئا كثيرا ، ولما قدم لم يكن معه سوى ألف من الجند ، فتلقاه القواد الكبراء إلى ظاهر البلد ، فلما دخل على السفاح أكرمه وعظمه واحترمه وأنزله قريبا منه ، وكان يأتي إلى الخدمة كل يوم ، واستأذن الخليفة في الحج ، فأذن له ، وقال : لولا أني كنت عينت إمرة الحج لأبي جعفر لأمرتك . وكان ما بين أبي جعفر وأبي مسلم خرابا ، وذلك لما رأى من الجفوة منه حين قدم عليه نيسابور في البيعة للسفاح وللمنصور من بعده ، فحقد عليه أبو جعفر ، وأشار على السفاح بقتله ، وحين قدم حرضه على قتله أيضا ، فقال له السفاح : قد علمت بلاءه معنا وخدمته لنا . فقال له أبو جعفر : يا أمير المؤمنين ، إنما ذلك بدولتنا ، والله لو أرسلت سنورا لسمعوا له وأطاعوا ، وإنك إن لم تتغد به تعشى بك هو . فقال له : كيف السبيل إلى ذلك ؟ قال : إذا دخل عليك فحادثته جئت أنا من ورائه فضربته بالسيف . قال : فكيف بمن معه ؟ قال : هم أذل وأقل . فأذن له في قتله ، فلما [ ص: 293 ] دخل أبو مسلم على السفاح ندم على ما كان أذن لأخيه فيه ، فبعث إليه الخادم يقول له : إن ذاك الذي بينك وبينه قد ندم عليه ، فلا تفعله . فلما جاءه الخادم وجده محتبيا بالسيف ، متهيئا لما يريد من قتل أبي مسلم فلما نهاه عن ذلك غضب أبو جعفر غضبا شديدا .
وفي هذه السنة حج بالناس أبو جعفر المنصور عن ولاية أخيه السفاح وسار معه إلى الحجاز أبو مسلم الخراساني عن أمر الخليفة وإذنه له في الحج في هذا العام ، فلما رجعا من الحج فكانا بذات عرق جاء الخبر إلى أبي جعفر - وكان يسير قبل أبي مسلم بمرحلة - بموت أبي العباس السفاح فكتب إلى أبي مسلم أن قد حدث أمر ، فالعجل العجل . فلما استعلم أبو مسلم الخبر عجل السير وراءه ، فلحقه إلى الكوفة فكانت بيعة المنصور على ما سيأتي بيانه وتفصيله قريبا ، إن شاء الله تعالى .