[ ص: 122 ] ثم دخلت سنة خمس وثمانين وأربعمائة
فيها
nindex.php?page=treesubj&link=33815أمر السلطان ملكشاه ببناء سوق المدينة المعروفة بطغرلبك إلى جانب دار الملك وجدد خاناتها وأسواقها ودورها وأمر بتجديد الجامع الذي تم على يد
هارون الخادم في سنة أربع وعشرين وخمسمائة . ووقف على نصب قبلته بنفسه ، ومنجمه
إبراهيم حاضر ونقلت إليه أخشاب جامع
سامرا وشرع
نظام الملك في بناء دار هائلة له ، وكذلك تاج الملوك أبو الغنائم ، شرع في بناء دار هائلة أيضا واستوطنوا البلد وطابت لهم
بغداد .
وفي جمادى الأولى وقع حريق عظيم
ببغداد في أماكن شتى ، فما أطفئ حتى هلك للناس شيء كثير فما عمروا بقدر ما حرق وما غرموا .
وفي ربيع الأول خرج السلطان إلى
أصبهان وفي صحبته ولد الخليفة
أبو الفضل جعفر ، ثم عاد إلى
بغداد في رمضان ، فبينما هو في الطريق يوم عاشره عدا صبي من الديلم على الوزير
نظام الملك ، بعد أن أفطر فضربه بسكين فقضى عليه ، وأخذ الصبي الديلمي فقتل ، وقد كان من كبار الوزراء وخيار الأمراء ، وسنذكر شيئا من سيرته عند ذكر ترجمته .
وقدم السلطان
بغداد في رمضان بنية غير صالحة فلقاه الله في نفسه
[ ص: 123 ] ما تمناه لأعدائه ; وذلك أنه لما استقر ركابه
ببغداد وجاء الناس للسلام عليه والتهنئة بقدومه وأرسل إليه الخليفة يهنئه فأرسل إلى الخليفة يقول له : لا بد أن تترك لي
بغداد وتتحول إلى أي البلاد شئت ، فأرسل إليه الخليفة يستنظره شهرا فرد عليه : ولا ساعة واحدة ، فأرسل إليه يتوسل في إنظاره عشرة أيام ، فأجاب إلى ذلك بعد تمنع شديد ، فما استتم الأجل حتى خرج السلطان يوم عيد الفطر إلى الصيد فأصابته حمى شديدة فافتصد فما قام منها حتى مات قبل العشرة أيام ولله الحمد والمنة .
فاستحوذت زوجته
زبيدة خاتون على الجيش ، وضبطت الأحوال جيدا وأرسلت إلى الخليفة تسأل منه أن يكون ولدها
محمود ملكا بعد أبيه وأن يخطب له على المنابر ، فأجابها إلى ذلك وأرسل إليه بالخلع وبعث يعزيها ويهنئها مع وزيره عميد الدولة
ابن جهير وكان عمر الملك
محمود هذا يومئذ خمس سنين ، ثم أخذته والدته في الجيوش وسارت به نحو
أصبهان لتوطد له الملك فدخلوها وتم لهم مرادهم وخطب له في جميع البلاد حتى في الحرمين ، واستوزر له
تاج الملك أبو الغنائم المرزبان بن خسرو ، وأرسلت أم الملك
محمود تسأل له من الخليفة أن يوليه الملك وأن يجعل ولايات العمال إليه فقال الخليفة : هذا لا يسيغه الشرع . ووافقه
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي ، على ذلك وأفتى
المشطب بن محمد الحنفي بجواز ذلك ، فلم يعمل إلا بقول
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي وانحاز أكثر جيش السلطان إلى ابنه الآخر
بركياروق ، فبايعوه وخطبوا له بالري وانفردت
الخاتون وولدها ومعهم شرذمة قليلة من الجيش والخاصكية فأنفقت فيهم ثلاثين ألف
[ ص: 124 ] ألف دينار لقتال
nindex.php?page=showalam&ids=15525بركياروق بن ملكشاه فالتقوا في ذي الحجة فكانت
خاتون هي المنهزمة ومعها ولدها وقد ثبت في " صحيح البخاري "
لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة .
وفي ذي القعدة اعترضت
بنو خفاجة للحجيج فقاتلهم من في الحجيج من الجند مع الأمير
خمارتكين فهزموهم ونهبت أموال الأعراب ولله الحمد والمنة .
وفيها جاء برد شديد عظيم
بالبصرة وزن البردة الواحدة منه خمسة أرطال إلى ثلاثة عشر رطلا ، فأتلفت شيئا كثيرا من النخيل والأشجار ، وجاء ريح عاصف قاصف فألقى عشرات الألوف من النخيل ، فإنا لله وإنا إليه راجعون
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير
وفي هذه السنة ملك
تاج الدولة تتش صاحب
دمشق مدينة
حمص وقلعة عرقة وقلعة أفامية ، ومعه
nindex.php?page=showalam&ids=16830قسيم الدولة آق سنقر ، وكان السلطان قد جهز سرية إلى
اليمن صحبة
سعد الدولة كوهرائين وأمير آخر من التركمان ، فدخلاها وأساءا فيها السيرة ، فتوفي
كوهرائين يوم دخوله إليها في مدينة
عدن ولله الحمد والمنة .
[ ص: 125 ]
[ ص: 122 ] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ
فِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=33815أَمَرَ السُّلْطَانُ مَلِكْشَاهْ بِبِنَاءِ سُوقِ الْمَدِينَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِطُغْرُلْبَكَ إِلَى جَانِبِ دَارِ الْمُلْكِ وَجَدَّدَ خَانَاتِهَا وَأَسْوَاقَهَا وَدُورَهَا وَأَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْجَامِعِ الَّذِي تَمَّ عَلَى يَدِ
هَارُونَ الْخَادِمِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ . وَوَقَفَ عَلَى نَصْبِ قِبْلَتِهِ بِنَفْسِهِ ، وَمُنَجِّمُهُ
إِبْرَاهِيمُ حَاضِرٌ وَنُقِلَتْ إِلَيْهِ أَخْشَابُ جَامِعِ
سَامَرَّا وَشَرَعَ
نِظَامُ الْمُلْكِ فِي بِنَاءِ دَارٍ هَائِلَةٍ لَهُ ، وَكَذَلِكَ تَاجُ الْمُلُوكِ أَبُو الْغَنَائِمِ ، شَرَعَ فِي بِنَاءِ دَارٍ هَائِلَةٍ أَيْضًا وَاسْتَوْطَنُوا الْبَلَدَ وَطَابَتْ لَهُمْ
بَغْدَادُ .
وَفِي جُمَادَى الْأُولَى وَقَعَ حَرِيقٌ عَظِيمٌ
بِبَغْدَادَ فِي أَمَاكِنَ شَتَّى ، فَمَا أُطْفِئَ حَتَّى هَلَكَ لِلنَّاسِ شَيْءٌ كَثِيرٌ فَمَا عَمَّرُوا بِقَدْرِ مَا حُرِقَ وَمَا غَرِمُوا .
وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ خَرَجَ السُّلْطَانُ إِلَى
أَصْبَهَانَ وَفِي صُحْبَتِهِ وَلَدُ الْخَلِيفَةِ
أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرٌ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى
بَغْدَادَ فِي رَمَضَانَ ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الطَّرِيقِ يَوْمَ عَاشِرِهِ عَدَا صَبِيٌّ مِنَ الدَّيْلَمِ عَلَى الْوَزِيرِ
نِظَامِ الْمُلْكِ ، بَعْدَ أَنْ أَفْطَرَ فَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ فَقَضَى عَلَيْهِ ، وَأُخِذَ الصَّبِيُّ الدَّيْلَمِيُّ فَقُتِلَ ، وَقَدْ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْوُزَرَاءِ وَخِيَارِ الْأُمَرَاءِ ، وَسَنَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ سِيرَتِهِ عِنْدَ ذِكْرِ تَرْجَمَتِهِ .
وَقَدِمَ السُّلْطَانُ
بَغْدَادَ فِي رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ فَلَقَّاهُ اللَّهُ فِي نَفْسِهِ
[ ص: 123 ] مَا تَمَنَّاهُ لِأَعْدَائِهِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ رِكَابُهُ
بِبَغْدَادَ وَجَاءَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ وَالتَّهْنِئَةِ بِقُدُومِهِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ يُهَنِّئُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَقُولُ لَهُ : لَا بُدَّ أَنْ تَتْرُكَ لِي
بَغْدَادَ وَتَتَحَوَّلَ إِلَى أَيِّ الْبِلَادِ شِئْتَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ يَسْتَنْظِرُهُ شَهْرًا فَرَدَّ عَلَيْهِ : وَلَا سَاعَةً وَاحِدَةً ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَتَوَسَّلُ فِي إِنْظَارِهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ، فَأَجَابَ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَمَنُّعٍ شَدِيدٍ ، فَمَا اسْتَتَمَّ الْأَجَلُ حَتَّى خَرَجَ السُّلْطَانُ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ إِلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَتْهُ حُمَّى شَدِيدَةٌ فَافْتَصَدَ فَمَا قَامَ مِنْهَا حَتَّى مَاتَ قَبْلَ الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
فَاسْتَحْوَذَتْ زَوْجَتُهُ
زُبَيْدَةُ خَاتُونُ عَلَى الْجَيْشِ ، وَضَبَطَتِ الْأَحْوَالَ جَيِّدًا وَأَرْسَلَتْ إِلَى الْخَلِيفَةِ تَسْأَلُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا
مَحْمُودٌ مَلِكًا بَعْدَ أَبِيهِ وَأَنْ يُخْطَبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ ، فَأَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالْخِلَعِ وَبَعَثَ يُعَزِّيهَا وَيُهَنِّئُهَا مَعَ وَزِيرِهِ عَمِيدِ الدَّوْلَةِ
ابْنِ جَهِيرٍ وَكَانَ عُمُرُ الْمَلِكِ
مَحْمُودٍ هَذَا يَوْمَئِذٍ خَمْسَ سِنِينَ ، ثُمَّ أَخَذَتْهُ وَالِدَتُهُ فِي الْجُيُوشِ وَسَارَتْ بِهِ نَحْوَ
أَصْبَهَانَ لِتُوَطِّدِ لَهُ الْمُلْكَ فَدَخَلُوهَا وَتَمَّ لَهُمْ مُرَادُهُمْ وَخُطِبَ لَهُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ حَتَّى فِي الْحَرَمَيْنِ ، وَاسْتُوْزِرَ لَهُ
تَاجُ الْمُلْكِ أَبُو الْغَنَائِمِ الْمَرْزُبَانُ بْنُ خِسْرُو ، وَأَرْسَلَتْ أُمُّ الْمَلِكِ
مَحْمُودٍ تَسْأَلُ لَهُ مِنَ الْخَلِيفَةِ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْمُلْكَ وَأَنْ يَجْعَلَ وِلَايَاتِ الْعُمَّالِ إِلَيْهِ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ : هَذَا لَا يُسِيغُهُ الشَّرْعُ . وَوَافَقَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَّالِيُّ ، عَلَى ذَلِكَ وَأَفْتَى
الْمُشَطَّبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ بِجَوَازِ ذَلِكَ ، فَلَمْ يُعْمَلْ إِلَّا بِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَّالِيِّ وَانْحَازَ أَكْثَرُ جَيْشِ السُّلْطَانِ إِلَى ابْنِهِ الْآخَرِ
بَرْكْيَارُوقَ ، فَبَايَعُوهُ وَخَطَبُوا لَهُ بِالرَّيِّ وَانْفَرَدَتِ
الْخَاتُونُ وَوَلَدُهَا وَمَعَهُمْ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ مِنَ الْجَيْشِ وَالْخَاصِّكِيَّةِ فَأَنْفَقَتْ فِيهِمْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ
[ ص: 124 ] أَلْفِ دِينَارٍ لِقِتَالِ
nindex.php?page=showalam&ids=15525بَرْكْيَارُوقَ بْنِ مَلِكْشَاهْ فَالْتَقَوْا فِي ذِي الْحِجَّةِ فَكَانَتْ
خَاتُونُ هِيَ الْمُنْهَزِمَةَ وَمَعَهَا وَلَدُهَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "
لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً .
وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ اعْتَرَضَتْ
بَنُو خَفَاجَةَ لِلْحَجِيجِ فَقَاتَلَهُمْ مَنْ فِي الْحَجِيجِ مِنَ الْجُنْدِ مَعَ الْأَمِيرِ
خُمَارْتِكِينَ فَهَزَمُوهُمْ وَنُهِبَتْ أَمْوَالُ الْأَعْرَابِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
وَفِيهَا جَاءَ بَرَدٌ شَدِيدٌ عَظِيمٌ
بِالْبَصْرَةِ وَزْنُ الْبَرَدَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ رِطْلًا ، فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ النَّخِيلِ وَالْأَشْجَارِ ، وَجَاءَ رِيحٌ عَاصِفٌ قَاصِفٌ فَأَلْقَى عَشَرَاتِ الْأُلُوفِ مِنَ النَّخِيلِ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ
تَاجُ الدَّوْلَةِ تُتُشُ صَاحِبُ
دِمَشْقَ مَدِينَةَ
حِمْصَ وَقَلْعَةَ عِرْقَةَ وَقَلْعَةَ أَفَامِيَةَ ، وَمَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16830قَسِيمُ الدَّوْلَةِ آقْ سُنْقُرُ ، وَكَانَ السُّلْطَانُ قَدْ جَهَّزَ سَرِيَّةً إِلَى
الْيَمَنِ صُحْبَةَ
سَعْدِ الدَّوْلَةِ كُوَهْرَائِينَ وَأَمِيرٍ آخَرَ مِنَ التُّرْكُمَانِ ، فَدَخَلَاهَا وَأَسَاءَا فِيهَا السِّيرَةَ ، فَتُوُفِّيَ
كُوَهْرَائِينُ يَوْمَ دُخُولِهِ إِلَيْهَا فِي مَدِينَةِ
عَدَنَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
[ ص: 125 ]