فيها كانت وفاة بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض بن محمد بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي ، القاضي عياض قاضيها أحد مشايخ العلماء المالكية وصاحب المصنفات الكثيرة المفيدة منها " الشفا " و " شرح مسلم " و " مشارق الأنوار " وغير ذلك ، وله شعر حسن وكان إماما في علوم كثيرة كالفقه واللغة والحديث والأدب وأيام الناس ، ولد سنة ست وأربعين وأربعمائة ، وتوفي يوم الجمعة في جمادى الآخرة وقيل : في رمضان من هذه السنة بمدينة سبتة رحمه الله تعالى .
وفيها صاحب نور الدين محمود بن زنكي حلب بلاد الفرنج ، فقتل منهم خلقا ، وكان في جملة من قتل غزا الملك البرنس صاحب أنطاكية ، وفتح شيئا كثيرا من قلاعهم ولله الحمد والمنة ، وكان قد استنجد بمعين الدين بن أتابك دمشق ، فأرسل إليه بفريق من جيشه صحبة الأمير مجاهد الدين بن بزان بن مامين نائب صرخد فأبلوا بلاء حسنا ، وقد قال الشعراء في هذه الغزوة أشعارا [ ص: 353 ] كثيرة ، منهم ابن القيسراني وغيره وقد سردها أبو شامة في " الروضتين " .
وفي يوم الأربعاء ثالث ربيع الآخر استوزر للخلافة أبو المظفر يحيى بن هبيرة ، ولقب عون الدين وخلع عليه .
وفي رجب قصد ملكشاه بن محمود بغداد ومعه خلق من الأمراء ; ومعه علي بن دبيس وجماعة من التركمان وغيرهم ، وطلبوا من الخليفة أن يخطب له فامتنع من ذلك ، وتكررت المكاتبات ، وأرسل الخليفة إلى السلطان مسعود يستحثه في القدوم فتمادى عليه ، وضاق النطاق واتسع الخرق على الراقع ، وكتب الملك سنجر إلى ابن أخيه مسعود يستحثه إن لم يسرع المشي إلى الخليفة فما جاء إلا في أواخر السنة ، فانقشعت تلك الشرور كلها ، وتبدلت سرورا أجمعها .
وفي هذه السنة بحلوان وانهدم زلزلت الأرض زلزالا شديدا ، وتموجت الأرض عشر مرات ، وتقطع جبل الرباط البهروزي ، وهلك خلق كثير بالبرسام ، لا يتكلم المرضى حتى يموتوا .
وفيها مات سيف الدين غازي بن زنكي صاحب الموصل وملك بعده أخوه وتزوج بامرأة أخيه التي لم يدخل بها ، قطب الدين مودود بن زنكي الخاتون بنت تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق صاحب ماردين ، فولدت له أولادا كلهم ملكوا الموصل ، وكانت هذه الخاتون تضع خمارها بحضرة خمسة عشر ملكا .
[ ص: 354 ] وفيها نور الدين إلى سنجار ففتحها فجهز إليه أخوه سار قطب الدين مودود جيشا ليرده عنها ، ثم اصطلحا فعوضه منها الرحبة وحمص واستمرت سنجار لقطب الدين ، وعاد نور الدين إلى بلده ، وغزا في هذه السنة الفرنج فقتل منهم خلقا وأسر البرنس صاحب أنطاكية فمدحه الشعراء ; منهم الفتح القيسراني بقصيدة طنانة يقول في أولها :
هذي العزائم لا ما تدعي القضب وذي المكارم لا ما قالت الكتب وهذه الهمم اللاتي متى خطبت
تعثرت خلفها الأشعار والخطب صافحت يا ابن عماد الدين ذروتها
براحة للمساعي دونها تعب ما زال جدك يبني كل شاهقة
حتى بنى قبة أوتادها الشهب
وفيها مات صاحب مصر فقام ، بالأمر من بعده ولده الحافظ لدين الله عبد المجيد بن أبي القاسم محمد بن المستنصر الظافر إسماعيل ، وقد كان أحمد بن الأفضل بن أمير الجيوش قد استحوذ على الحافظ وخطب بمصر للقائم آخر الزمان ، وأذن بحي على خير العمل ، وللحافظ وضع طبل القولنج الذي إذا ضربه من به القولنج يخرج منه القولنج والريح الذي به .
[ ص: 355 ] وخرج بالحجيج الأمير نظر الخادم فمرض بالكوفة ، فرجع واستخلف عليهم مولاه قايماز وحين وصوله إلى بغداد توفي - رحمه الله بعد أيام وطمعت العرب في الحجيج فوقفوا لهم في الطريق وهم راجعون ، فضعف قايماز عن مقاومتهم فأخذ لنفسه أمانا وهرب وأسلم إليهم الحجيج ، فقتلوا أكثرهم وأخذوا أموال الناس ، وقل من سلم ممن نجا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وفيها مات العساكر معين الدين أنر أتابك بدمشق ، وكان أحد مماليك طغتكين ، ثم كان بعد ذلك أتابك الملوك ب دمشق وهو والد الست عصمة الدين خاتون زوجة الملك نور الدين ، وهو واقف المدرسة المعينية داخل باب الفرج ، وقبره في قبة قبلي الشامية البرانية بمحلة العوينة عند دار البطيخ ، رحمه الله .
ولما مات معين الدين قويت شوكة الوزير الرئيس مؤيد الدولة علي بن الصوفي وأخيه زين الدولة حيدرة ، ووقعت بينهما وبين الملك مجير الدين أبق وحشة اقتضت أنهما حشدا من العامة والغوغاء ما يقاومه ، فاقتتلوا فقتل خلق من الفريقين ثم وقع الصلح بعد ذلك ، وامتدحه الشعراء .