[ ص: 237 ] nindex.php?page=treesubj&link=31827قصة نوح عليه السلام
هو
نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ ، وهو إدريس بن يرد بن مهلائيل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام كان مولده بعد وفاة
آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة فيما ذكره
ابن جرير وغيره ، وعلى تاريخ
أهل الكتاب المتقدم يكون بين مولد
نوح وموت
آدم مائة وست وأربعون سنة ، وكان بينهما عشرة قرون ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=13053الحافظ أبو حاتم بن حبان في صحيحه : حدثنا
محمد بن عمر بن يوسف ، حدثنا
محمد بن عبد الملك بن زنجويه ، حدثنا
أبو توبة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17108معاوية بن سلام ، عن أخيه
زيد بن سلام ، سمعت
أبا سلام ، سمعت
أبا أمامة nindex.php?page=hadith&LINKID=3509733أن رجلا قال : يا رسول الله أنبي كان آدم ؟ قال : نعم . مكلم . قال : فكم كان بينه وبين نوح ؟ قال : عشرة قرون . قلت : وهذا على شرط
مسلم ، ولم يخرجه . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
ابن عباس قال : كان بين
آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام . فإن كان المراد بالقرن مائة سنة ، كما هو المتبادر عند كثير من الناس فبينهما
[ ص: 238 ] ألف سنة لا محالة ، لكن لا ينفي أن يكون أكثر باعتبار ما قيد به
ابن عباس بالإسلام ; إذ قد يكون بينهما قرون أخر متأخرة لم يكونوا على الإسلام ، لكن حديث
أبي أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون ، وزادنا
ابن عباس أنهم كلهم كانوا على الإسلام ، وهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ ، وغيرهم من
أهل الكتاب : أن
قابيل وبنيه عبدوا النار ، والله أعلم .
وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح [ الإسراء : 17 ] . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين [ المؤمنون : 42 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38وقرونا بين ذلك كثيرا [ الفرقان : 38 ] . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=74وكم أهلكنا قبلهم من قرن [ مريم : 74 ] . وكقوله عليه السلام
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509734خير القرون قرني . الحديث . فقد كان الجيل قبل
نوح يعمرون الدهور الطويلة فعلى هذا يكون بين
آدم ونوح ألوف من السنين ، والله أعلم .
وبالجملة
فنوح عليه السلام إنما بعثه الله تعالى لما عبدت الأصنام والطواغيت ، وشرع الناس في الضلالة ، والكفر فبعثه الله رحمة للعباد فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض ، كما يقول له أهل الموقف يوم القيامة ، وكان قومه يقال لهم
بنو راسب فيما ذكره
ابن جرير وغيره .
واختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=31827مقدار سنه يوم بعث . فقيل : كان ابن خمسين سنة .
[ ص: 239 ] وقيل : ابن ثلاثمائة وخمسين سنة . وقيل : ابن أربعمائة وثمانين سنة حكاها
ابن جرير ، وعزا الثالث منها إلى
ابن عباس .
وقد ذكر الله قصته وما كان من قومه ، وما أنزل بمن كفر به من العذاب بالطوفان ، وكيف أنجاه وأصحاب السفينة في غير ما موضع من كتابه العزيز ; ففي الأعراف ، ويونس ، وهود ، والأنبياء ، والمؤمنون ، والشعراء ، والعنكبوت ، والصافات ، واقتربت . وأنزل فيه سورة كاملة فقال في سورة الأعراف :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين [ الأعراف : 59 - 64 ] .
وقال في سورة يونس :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=71واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين [ يونس : 71 73 ] .
[ ص: 240 ] وقال تعالى في سورة هود
[ ص: 241 ] :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=25ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين قال ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين قالوا يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يابني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين وقيل ياأرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين [ هود : 25 - 49 ] . وقال تعالى في سورة الأنبياء :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=76ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين [ الأنبياء : 76 ، 77 ] . وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون
[ ص: 242 ] nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=23ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين قال رب انصرني بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين [ المؤمنون : 23 - 30 ] . وقال تعالى في سورة الشعراء :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=105كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم [ الشعراء : 105 - 122 ] .
[ ص: 243 ] وقال تعالى في سورة العنكبوت :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين [ العنكبوت : 14 - 15 ] . وقال تعالى في سورة الصافات :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=75ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الآخرين [ الصافات : 75 - 82 ] . وقال تعالى في سورة اقتربت :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=9كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [ القمر : 9 - 17 ] . وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا [ نوح : 1 - 28 ] .
[ ص: 244 ] وقد تكلمنا على كل موضع من هذه في التفسير ، وسنذكر مضمون القصة مجموعا من هذه الأماكن المتفرقة ، ومما دلت عليه الأحاديث والآثار ، وقد جرى ذكره أيضا في مواضع متفرقة من القرآن فيها مدحه وذم من خالفه فقال تعالى في سورة النساء :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=163إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما [ النساء : 163 - 165 ] .
[ ص: 245 ] وقال في سورة الأنعام :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=83وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم [ الأنعام : 83 - 87 ] . الآيات . وتقدمت قصته في الأعراف . وقال في سورة براءة :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=70ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون [ التوبة : 70 ] . وتقدمت قصته في يونس ، وهود . وقال في سورة إبراهيم :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب [ إبراهيم : 9 ] . وقال في
[ ص: 246 ] سورة سبحان :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا [ الإسراء : 3 ] . وقال فيها أيضا :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا [ الإسراء : 17 ] . وتقدمت قصته في الأنبياء ، والمؤمنون ، والشعراء ، والعنكبوت . وقال في سورة الأحزاب :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا [ الأحزاب : 7 ] . وقال في سورة ص :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=12كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب [ ص : 12 - 14 ] . وقال في سورة غافر :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار [ غافر : 5 ، 6 ] . وقال في سورة الشورى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب [ الشورى : 13 ] . وقال تعالى في سورة ق :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=12كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد [ ق : 12 - 14 ] .
[ ص: 247 ] وقال في الذاريات :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=46وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين [ الذاريات : 46 ] . وقال في النجم :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=52وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى [ النجم : 52 ] . وتقدمت قصته في سورة اقتربت الساعة . وقال تعالى في سورة الحديد :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=26ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون [ الحديد : 26 ] . وقال تعالى في سورة التحريم :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين [ التحريم : 10 ] .
وأما مضمون ما جرى له مع قومه مأخوذا من الكتاب والسنة والآثار ، فقد قدمنا عن
ابن عباس أنه كان بين
آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وذكرنا أن المراد بالقرن الجيل أو المدة على ما سلف ، ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام ، وكان سبب ذلك ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء ، عن
ابن عباس عند تفسير قوله تعالى :
[ ص: 248 ] nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=23وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا [ نوح : 23 ] . قال : هذه أسماء رجال صالحين من قوم
نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت . قال
ابن عباس : وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم
نوح في العرب بعد . وهكذا قال
عكرمة ،
والضحاك ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16903ومحمد بن إسحاق .
وقال
ابن جرير في تفسيره : حدثنا
ابن حميد ، حدثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
موسى ، عن
محمد بن قيس قال : كانوا قوما صالحين بين
آدم ونوح ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم . فصوروهم ، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس ، فقال : إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم . وروى
ابن أبي حاتم ، عن
عروة بن الزبير أنه قال :
ود ،
ويغوث ،
ويعوق ،
وسواع ،
ونسر ; أولاد
آدم . وكان
ود أكبرهم وأبرهم به .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
أحمد بن منصور ، حدثنا
الحسن بن [ ص: 249 ] موسى ، حدثنا
يعقوب ، عن
أبي المطهر قال : ذكروا عند
أبي جعفر هو الباقر ، وهو قائم يصلي
يزيد بن المهلب ، قال : فلما انفتل من صلاته قال : ذكرتم
يزيد بن المهلب أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله . قال : ذكر
ودا رجلا مسلما ، وكان محببا في قومه ، فلما مات عسكروا حول قبره في أرض
بابل ، وجزعوا عليه ، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ، ثم قال : إني أرى جزعكم على هذا الرجل ، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه . قالوا : نعم . فصور لهم مثله ، قال : ووضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه ، فلما رأى ما بهم من ذكره ، قال : هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالا مثله ليكون له في بيته فتذكرونه . قالوا : نعم . قال : فمثل لكل أهل بيت تمثالا مثله ، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به . قال : وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به قال : وتناسلوا ، ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلها يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم فكان أول ما عبد غير الله
ود الصنم الذي سموه ودا .
ومقتضى هذا السياق أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس ، وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لها ، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل ، ولهم في عبادتها مسالك كثيرة قد ذكرناها في كتابنا التفسير في مواضعها ، ولله
[ ص: 250 ] الحمد والمنة .
وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكرت عنده
أم سلمة nindex.php?page=showalam&ids=10583وأم حبيبة تلك الكنيسة التي رأينها بأرض
الحبشة يقال لها مارية . فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509735أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، ثم صوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل .
والمقصود أن الفساد لما انتشر في الأرض ، وعم البلاء بعباد الأصنام فيها بعث الله عبده ورسوله
نوحا عليه السلام يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وينهى عن عبادة ما سواه ، فكان
nindex.php?page=treesubj&link=31828أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، كما ثبت في الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبي حيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12007أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509736فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، وأسكنك الجنة ، ألا تشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا ، فيقول : ربي قد غضب غضبا شديدا لم يغضب قبله مثله ، ولا يغضب بعده مثله ، ونهاني عن الشجرة فعصيت ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح . فيأتون نوحا فيقولون : يا نوح ، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسماك الله عبدا شكورا ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، ألا ترى إلى ما بلغنا ، ألا تشفع لنا إلى ربك عز وجل فيقول : ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولا يغضب بعده مثله . نفسي نفسي . وذكر تمام الحديث بطوله ، كما أورده
[ ص: 251 ] البخاري في قصة
نوح . فلما بعث الله
نوحا عليه السلام دعاهم إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له ، وأن لا يعبدوا معه صنما ، ولا تمثالا ، ولا طاغوتا ، وأن يعترفوا بوحدانيته ، وأنه لا إله غيره ، ولا رب سواه ، كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل الذين هم كلهم من ذريته ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=77وجعلنا ذريته هم الباقين [ الصافات : 77 ] . وقال فيه ، وفي
إبراهيم :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=26وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب [ الحديد : 26 ] . أي : كل نبي من بعد
نوح فمن ذريته ، وكذلك
إبراهيم . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [ النحل : 36 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [ الزخرف : 45 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=25وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [ الأنبياء : 25 ] . ولهذا قال
نوح لقومه :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم [ الأعراف : 59 ] . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=26أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم [ هود : 26 ] . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=23يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون [ المؤمنون : 23 ] . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=2يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا [ نوح : 2 - 14 ] .
[ ص: 252 ] الآيات الكريمات . فذكر أنه دعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار ، والسر والإجهار ، بالترغيب تارة والترهيب أخرى ، وكل هذا فلم ينجح فيهم ، بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان ، وعبادة الأصنام والأوثان ، ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان ، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به . وتوعدوهم بالرجم والإخراج ، ونالوا منهم ، وبالغوا في أمرهم قال الملأ من قومه . أي : السادة الكبراء منهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=60إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين [ الأعراف : 60 ] . أي : لست كما تزعمون من أني ضال بل على الهدى المستقيم ، رسول من رب العالمين ، أي : الذي يقول للشيء كن فيكون
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون [ الأعراف : 62 ] . وهذا شأن الرسول أن يكون بليغا ، أي : فصيحا ناصحا أعلم الناس بالله عز وجل . وقالوا له فيما قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=27ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين [ هود : 27 ] . تعجبوا أن يكون بشرا رسولا ، وتنقصوا بمن اتبعه ، ورأوهم أراذلهم ، وقد قيل : إنهم كانوا من أقياد الناس ، وهم ضعفاؤهم ، كما قال هرقل : وهم أتباع الرسل . وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق . وقولهم : بادي الرأي . أي : بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية ، وهذا الذي ذموهم به
[ ص: 253 ] هو عين ما يمدحون بسببه رضي الله عنهم ، فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية ، ولا فكر ، ولا نظر . بل يجب اتباعه ، والانقياد له متى ظهر ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مادحا
للصديق . ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم . ولهذا كانت بيعته يوم
السقيفة أيضا سريعة من غير نظر ، ولا روية ; لأن أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة رضي الله عنهم ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب الكتاب الذي أراد أن ينص فيه على خلافته فتركه . وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509738يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر . رضي الله عنه ، وقول كفرة قوم
نوح له ، ولمن آمن به :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=27وما نرى لكم علينا من فضل . أي : لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالإيمان ، ولا مزية علينا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=27بل نظنكم كاذبين قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون [ هود : 27 - 28 ] .
وهذا تلطف في الخطاب معهم ، وترفق بهم في الدعوة إلى الحق ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى [ طه : 44 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن [ النحل : 125 ] . وهذا منه يقول لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=28أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده . أي النبوة والرسالة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=28فعميت عليكم . أي فلم تفهموها ، ولم تهتدوا إليها
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=28أنلزمكموها . أي أنغصبكم بها ، ونجبركم عليها
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=28وأنتم لها كارهون .
[ ص: 254 ] أي : ليس لي فيكم حيلة والحالة هذه
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله . أي : لست أريد منكم أجرة على إبلاغي إياكم ما ينفعكم في دنياكم ، وأخراكم إن أطلب ذلك إلا من الله الذي ثوابه خير لي ، وأبقى مما تعطونني أنتم . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون [ هود : 29 ] كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه ، ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك فأبى عليهم ذلك ، وقال إنهم ملاقو ربهم فأخاف إن طردتهم أن يشكوني إلى الله عز وجل ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=30ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون [ هود : 30 ] . ولهذا لما سأل كفار
قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد عنه ضعفاء المؤمنين ;
كعمار ،
وصهيب ،
وبلال ،
وخباب ، وأشباههم نهاه الله عن ذلك ، كما بيناه في سورتي الأنعام ، والكهف :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك . أي بل أنا عبد رسول لا أعلم من علم الله إلا ما أعلمني به . ولا أقدر إلا على ما أقدرني عليه ، ولا أملك لنفسي نفعا ، ولا ضرا إلا ما شاء الله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31ولا أقول للذين تزدري أعينكم . يعني من أتباعه
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين . أي لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم عند الله يوم القيامة الله أعلم بهم ، وسيجازيهم على ما في نفوسهم إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، كما قالوا في الموضع الآخر :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=111أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين [ الشعراء : 111 ] .
[ ص: 255 ] وقد تطاول الزمان ، والمجادلة بينه وبينهم ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون [ العنكبوت : 14 ] . أي : ومع هذه المدة الطويلة فما آمن به إلا القليل منهم ، وكان كلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به . ومحاربته ، ومخالفته ، وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه وصاه فيما بينه وبينه أن لا يؤمن
بنوح أبدا ما عاش ودائما ما بقي ، وكانت سجاياهم تأبى الإيمان واتباع الحق ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا [
نوح : 27 ] . ولهذا قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين [ هود : 32 - 33 ] . أي : إنما يقدر على ذلك الله عز وجل فإنه الذي لا يعجزه شيء ، ولا يكترثه أمر بل هو الذي يقول للشيء : كن فيكون
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون [ هود : 34 ] . أي : من يرد الله فتنته فلن يملك أحد هدايته هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، وهو الفعال لما يريد ، وهو العزيز الحكيم العليم بمن يستحق الهداية ومن يستحق الغواية ، وله الحكمة البالغة ، والحجة الدامغة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون [ هود : 36 ] . وهذه تعزية
لنوح عليه السلام في قومه أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن ، وتسلية له عما كان منهم إليه
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36فلا تبتئس بما كانوا يفعلون . أي : لا يسوأنك ما جرى فإن النصر قريب ، والنبأ عجيب
[ ص: 256 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون .
[ ص: 256 ] وذلك أن
نوحا عليه السلام لما يئس من صلاحهم ، وفلاحهم ، ورأى أنهم لا خير فيهم ، وتوصلوا إلى أذيته ، ومخالفته ، وتكذيبه بكل طريق من فعال ، ومقال دعا عليهم دعوة غضب لله فلبى الله دعوته وأجاب طلبته ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=75ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم [ الصافات : 75 - 76 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=76ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم [ الأنبياء : 76 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=117قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين [ الشعراء : 117 - 118 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10فدعا ربه أني مغلوب فانتصر [ القمر : 10 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=26قال رب انصرني بما كذبون [ المؤمنون : 26 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=25مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا [ نوح : 25 - 27 ] . فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ، ودعوة نبيهم عليهم ، فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك ، وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها ، ولا يكون بعدها مثلها ، وتقدم الله تعالى إليه أنه إذا جاء أمره ، وحل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين أنه لا يعاوده فيهم ولا يراجعه ، فإنه لعله قد تدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم ، فإنه ليس الخبر كالمعاينة ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه .
[ ص: 257 ] أي يستهزئون به استبعادا لوقوع ما توعدهم به قال
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون . أي : نحن الذين نسخر منكم ، ونتعجب منكم في استمراركم على كفركم ، وعنادكم الذي يقتضي وقوع العذاب بكم وحلوله عليكم
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=39فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم . وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ ، والعناد البالغ في الدنيا . وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضا أن يكون جاءهم من الله رسول ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
موسى بن إسماعيل ، حدثنا
عبد الواحد بن زياد ، حدثنا
الأعمش ، عن
أبي صالح ، عن
أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509739يجيء نوح عليه السلام ، وأمته فيقول الله عز وجل : هل بلغت . فيقول : نعم . أي رب . فيقول لأمته : هل بلغكم . فيقولون : لا ما جاءنا من نبي . فيقول لنوح : من يشهد لك . فيقول : محمد وأمته . فتشهد أنه قد بلغ . وهو قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] .
والوسط : العدل فهذه الأمة تشهد على شهادة نبيها الصادق المصدوق بأن الله قد بعث
نوحا بالحق ، وأنزل عليه الحق وأمره به . وأنه بلغه إلى أمته على أكمل الوجوه وأتمها ، ولم يدع شيئا مما ينفعهم في دينهم إلا وقد أمرهم به . ولا شيئا مما قد يضرهم إلا وقد نهاهم عنه وحذرهم منه . وهكذا شأن جميع الرسل حتى إنه حذر قومه المسيح الدجال ، وإن كان لا يتوقع
[ ص: 258 ] خروجه في زمانهم حذرا عليهم وشفقة ورحمة بهم ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
عبدان ، حدثنا
عبد الله ، عن
يونس ، عن
الزهري قال
سالم : قال
ابن عمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509740قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال ، فقال : إني لأنذركموه ، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه ، لقد أنذره نوح قومه ، ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه ; تعلمون أنه أعور ، وأن الله ليس بأعور . وهذا الحديث في الصحيحين أيضا من حديث
شيبان بن عبد الرحمن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509741ألا أحدثكم عن الدجال حديثا ما حدث به نبي قومه ؟ إنه أعور ، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار ، والتي يقول : إنها الجنة هي النار ، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه . لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وقد قال بعض علماء السلف : لما استجاب الله له أمره أن يغرس شجرا ليعمل منه السفينة فغرسه ، وانتظره مائة سنة ، ثم نجره في مائة أخرى . وقيل : في أربعين سنة . فالله أعلم . قال
محمد بن إسحاق ، عن
الثوري : وكان من خشب الساج . وقيل : من الصنوبر . وهو نص التوراة . قال
الثوري : وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعا ، وعرضها خمسين ذراعا ، وأن يطلى ظاهرها وباطنها بالقار ، وأن يجعل لها جؤجؤا أزور يشق الماء . وقال
[ ص: 259 ] قتادة : كان طولها ثلثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعا . وهذا الذي في التوراة على ما رأيته .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : ستمائة في عرض ثلثمائة . وعن
ابن عباس : ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة ذراع . وقيل : كان طولها ألفي ذراع ، وعرضها مائة ذراع ، قالوا كلهم : وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعا ، وكانت ثلاث طبقات كل واحدة عشر أذرع ; فالسفلى للدواب والوحوش ، والوسطى للناس ، والعليا للطيور ، وكان بابها في عرضها ، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها .
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=26قال رب انصرني بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا [ المؤمنون : 26 ] . أي ; بأمرنا لك ، وبمرأى منا لصنعتك لها ، ومشاهدتنا لذلك لنرشدك إلى الصواب في صنعتها
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون [ المؤمنون : 27 ] . فتقدم إليه بأمره العظيم العالي أنه إذا جاء أمره ، وحل بأسه أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات وسائر ما فيه روح من المأكولات ، وغيرها لبقاء نسلها ، وأن يحمل معه أهله أي : أهل بيته إلا من سبق عليه القول منهم ; أي إلا من كان كافرا فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد ، ووجب عليه حلول البأس الذي لا يرد ، وأمره أن لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعاينه من العذاب العظيم الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد ، كما قدمنا بيانه قبل .
[ ص: 260 ] والمراد بالتنور عند الجمهور وجه الأرض أي ; نبعت الأرض من سائر أرجائها حتى نبعت التنانير التي هي محال النار ، وعن
ابن عباس : التنور عين في
الهند . وعن
الشعبي :
بالكوفة . وعن
قتادة :
بالجزيرة . وقال
علي بن أبي طالب : المراد بالتنور فلق الصبح . وتنوير الفجر أي : إشراقه وضياؤه أي : عند ذلك فاحمل فيها من كل زوجين اثنين ، وهذا قول غريب .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل . هذا أمر ثان عند حلول النقمة بهم أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين . وفي كتاب
أهل الكتاب أنه أمر أن يحمل من كل ما يؤكل سبعة أزواج ، ومما لا يؤكل زوجين ذكرا وأنثى ، وهذا مغاير لمفهوم قوله تعالى في كتابنا الحق : اثنين . إن جعلنا ذلك مفعولا به . وأما إن جعلناه توكيدا لزوجين ، والمفعول به محذوف فلا تنافي ، والله أعلم .
وذكر بعضهم ، ويروى عن
ابن عباس : أن أول ما دخل من الطيور الدرة ، وآخر ما دخل من الحيوانات الحمار ، ودخل إبليس متعلقا بذنب الحمار . وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
عبد الله بن صالح ، [ ص: 261 ] حدثني الليث ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين قال أصحابه : وكيف نطمئن أو كيف تطمئن المواشي ومعنا الأسد ؟ فسلط الله عليه الحمى فكانت أول حمى نزلت في الأرض ، ثم شكوا الفأرة فقالوا : الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا ، فأوحى الله إلى الأسد فعطس فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها . هذا مرسل . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40وأهلك إلا من سبق عليه القول . أي من استجبت فيهم الدعوة النافذة ممن كفر فكان منهم ابنه
يام الذي غرق ، كما سيأتي بيانه : ومن آمن ، أي واحمل فيها من آمن بك من أمتك قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40وما آمن معه إلا قليل . هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ، ودعوتهم الأكيدة ليلا ونهارا بضروب المقال ، وفنون التلطفات ، والتهديد والوعيد تارة ، والترغيب والوعد أخرى .
وقد اختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=31836عدة من كان معه في السفينة ; فعن
ابن عباس كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم . وعن
كعب الأحبار كانوا اثنين وسبعين نفسا . وقيل : كانوا عشرة . وقيل : إنما كانوا
نوحا وبنيه الثلاثة ، وكنائنه الأربع بامرأة
يام الذي انخزل وانعزل وسلك غير طريق النجاة فما عدل إذ عدل . وهذا القول فيه مخالفة لظاهر الآية بل هي نص في أنه قد ركب معه
[ ص: 262 ] من غير أهله طائفة ممن آمن به . كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=118ونجني ومن معي من المؤمنين . وقيل : كانوا سبعة . وأما
امرأة نوح ، وهي أم أولاده كلهم ; وهم
حام ،
وسام ،
ويافث ،
ويام ، وتسميه
أهل الكتاب كنعان ، وهو الذي قد غرق ،
وعابر . وقد مات قبل الطوفان . قيل : إنها غرقت مع من غرق ، وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها . وعند
أهل الكتاب أنها كانت في السفينة ، فيحتمل أنها كفرت بعد ذلك أو أنها أنظرت ليوم القيامة ، والظاهر الأول لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [ نوح : 26 ] . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين [ المؤمنون : 28 - 29 ] . أمره أن يحمد ربه على ما سخر له من هذه السفينة فنجاه بها ، وفتح بينه وبين قومه ، وأقر عينه ممن خالفه وكذبه ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=12الذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون [ الزخرف : 12 - 14 ] . وهكذا
nindex.php?page=treesubj&link=32060_32061يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمور أن يكون على الخير والبركة ، وأن تكون عاقبتها محمودة ، كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حين هاجر :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا [ الإسراء : 80 ] .
[ ص: 263 ] وقد امتثل
نوح عليه السلام هذه الوصية
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم . أي على اسم الله ابتداء سيرها وانتهاؤه
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41إن ربي لغفور رحيم . أي وذو عقاب أليم مع كونه غفورا رحيما لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ، كما أحل بأهل الأرض الذين كفروا به . وعبدوا غيره قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42وهي تجري بهم في موج كالجبال . وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء مطرا لم تعهده الأرض قبله ، ولا تمطره بعده كان كأفواه القرب ، وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر [ القمر : 10 - 13 ] . والدسر : المسامير
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تجري بأعيننا أي بحفظنا وكلاءتنا وحراستنا ومشاهدتنا لها
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14جزاء لمن كان كفر .
وقد ذكر
ابن جرير وغيره أن الطوفان كان في ثالث عشر شهر آب في حمارة القيظ . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=11إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية . أي السفينة .
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=12لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية . قال جماعة من المفسرين : ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض خمسة عشر ذراعا . وهو الذي عند
أهل الكتاب . وقيل : ثمانين ذراعا . وعم جميع الأرض ; طولها والعرض ، سهلها وحزنها ، وجبالها ، وقفارها ورمالها ، ولم
[ ص: 264 ] يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ، ولا صغير ولا كبير . قال
الإمام مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : كان أهل ذلك الزمان قد ملئوا السهل والجبل . وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لم تكن بقعة في الأرض إلا ولها مالك وحائز . رواهما
ابن أبي حاتم .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين [ هود : 42 - 43 ] . وهذا الابن هو
يام أخو
سام وحام ويافث . وقيل : اسمه
كنعان . وكان كافرا عاملا غير صالح ، مخالفا أباه في دينه ومذهبه ، فهلك مع من هلك . هذا وقد نجا مع أبيه الأجانب في النسب لما كانوا موافقين في الدين والمذهب :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين . أي ; لما فرغ من أهل الأرض ، ولم يبق منها أحد ممن عبد غير الله عز وجل ، أمر الله الأرض أن تبلع ماءها ، وأمر السماء أن تقلع . أي تمسك عن المطر وغيض الماء . أي نقص عما كان وقضي الأمر ، أي وقع بهم الذي كان قد سبق في علمه وقدره ، من إحلاله بهم ما حل بهم
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وقيل بعدا للقوم الظالمين . أي ; نودي عليهم بلسان القدرة بعدا لهم من الرحمة والمغفرة ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين [ الأعراف : 64 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=73فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين [ يونس : 73 ] .
[ ص: 265 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=77ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين [ الأنبياء : 77 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=119فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم [ الشعراء : 119 - 122 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين [ العنكبوت : 14 - 15 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=82ثم أغرقنا الآخرين [ الصافات : 82 ] وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [ القمر : 15 - 17 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=25مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا [ نوح : 25 - 27 ] . وقد استجاب الله تعالى وله الحمد والمنة دعوته فلم يبق منهم عين تطرف .
وقد روى الإمامان :
أبو جعفر بن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وأبو محمد بن أبي حاتم في تفسيريهما من طريق
موسى بن يعقوب الزمعي ، عن
فائد مولى عبيد الله بن أبي رافع ، أن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أخبره أن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين [ ص: 266 ] أخبرته ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509743فلو رحم الله من قوم نوح أحدا لرحم أم الصبي . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509744nindex.php?page=treesubj&link=33953مكث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة يعني إلا خمسين عاما ، وغرس مائة سنة الشجر فعظمت ، وذهبت كل مذهب ، ثم قطعها ، ثم جعلها سفينة ، ويمرون عليه ، ويسخرون منه ، ويقولون : تعمل سفينة في البر كيف تجري . قال : سوف تعلمون . فلما فرغ ونبع الماء وصار في السكك . خشيت أم الصبي عليه وكانت تحبه حبا شديدا خرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ، فلما بلغها الماء ، خرجت به حتى استوت على الجبل ، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها ، فغرقا ، فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي . وهذا حديث غريب ، وقد روي عن
كعب الأحبار ،
ومجاهد ، وغير واحد شبيه لهذه القصة ، وأحرى بهذا الحديث أن يكون موقوفا متلقى عن مثل
كعب الأحبار . والله أعلم .
والمقصود أن الله لم يبق من الكافرين ديارا ، فكيف يزعم بعض المفسرين : أن
عوج بن عنق ، ويقال :
ابن عناق كان موجودا من قبل
نوح إلى زمان
موسى ويقولون : كان كافرا متمردا جبارا عنيدا ، ويقولون : كان لغير رشدة بل ولدته أمه
عنق بنت آدم من زنا ، وأنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ، ويشويه في عين الشمس ، وأنه كان يقول
لنوح ، وهو في السفينة : ما هذه القصيعة التي لك ، ويستهزئ به . ويذكرون أنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلثا ، إلى غير ذلك من الهذيانات التي لولا أنها مسطرة في كثير من كتب التفاسير ، وغيرها من التواريخ ، وأيام الناس لما تعرضنا لحكايتها لسقاطتها ، وركاكتها ، ثم إنها مخالفة للمعقول والمنقول .
[ ص: 267 ] أما المعقول فكيف يسوغ فيه أن يهلك الله ولد
نوح لكفره ، وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان ، ولا يهلك
عوج بن عنق ، ويقال :
عناق . وهو أظلم وأطغى على ما ذكروا ، وكيف لا يرحم الله منهم أحدا ، ولا أم الصبي ، ولا الصبي ، ويترك هذا الدعي الجبار العنيد الفاجر الشديد الكافر الشيطان المريد على ما ذكروا ؟ !
وأما المنقول فقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=82ثم أغرقنا الآخرين . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ثم هذا الطول الذي ذكروه مخالف لما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509745إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا ، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن . فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى . أنه لم يزل الخلق ينقص حتى الآن أي ; لم يزل الناس في نقصان في طولهم من
آدم إلى يوم إخباره بذلك ، وهلم جرا إلى يوم القيامة .
وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية
آدم من كان أطول منه فكيف يترك هذا ويذهل عنه ، ويصار إلى أقوال الكذبة الكفرة من
أهل الكتاب الذين بدلوا كتب الله المنزلة وحرفوها وأولوها ووضعوها على غير مواضعها ، فما ظنك بما هم يستقلون بنقله أو يؤتمنون عليه ، وهم الكذبة الخونة ، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة . وما أظن أن هذا الخبر عن
عوج بن عناق إلا اختلاقا من بعض زنادقتهم وفجارهم الذين كانوا أعداء
[ ص: 268 ] الأنبياء ، والله أعلم .
ثم ذكر الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=31832مناشدة نوح ربه في ولده ، وسؤاله له عن غرقه على وجه الاستعلام والاستكشاف ، ووجه السؤال أنك وعدتني بنجاة أهلي معي وهو منهم وقد غرق فأجيب بأنه ليس من أهلك أي الذين وعدت بنجاتهم أي أما قلنا لك :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم . فكان هذا ممن سبق عليه القول منهم بأن سيغرق بكفره ، ولهذا ساقته الأقدار إلى أن انحاز عن حوزة أهل الإيمان ، فغرق مع حزبه أهل الكفر والطغيان ، ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم . هذا أمر
لنوح عليه السلام لما نضب الماء عن وجه الأرض ، وأمكن السعي فيها ، والاستقرار عليها ، أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم على ظهر
جبل الجودي وهو جبل بأرض
الجزيرة مشهور ، وقد قدمنا ذكره عند خلق الجبال
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48بسلام منا وبركات . أي اهبط سالما مباركا عليك ، وعلى أمم ممن سيولد بعد . أي من أولادك فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلا ، ولا عقبا سوى
نوح عليه السلام قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=77وجعلنا ذريته هم الباقين . فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ينتسبون إلى أولاد
نوح الثلاثة ; وهم
سام ،
وحام ،
ويافث .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عبد الوهاب ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، عن
الحسن ، عن
سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509746سام أبو العرب ، وحام أبو الحبش ، ويافث أبو الروم . ورواه
الترمذي عن
بشر بن معاذ العقدي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
قتادة ، عن
الحسن ، عن
سمرة مرفوعا نحوه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332الشيخ أبو عمر بن عبد البر : وقد روي عن
عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . قال : والمراد
بالروم هنا
الروم الأول ، وهم اليونان المنتسبون إلى
رومي بن ليطي بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام . ثم روي من حديث
إسماعيل بن عياش ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه قال : ولد
نوح ثلاثة :
سام ،
ويافث ،
وحام . وولد كل واحد من هؤلاء ثلاثة ; فولد
سام العرب
وفارس والروم . وولد
يافث الترك والسقالبة ويأجوج ومأجوج . وولد
حام القبط والسودان
والبربر . قلت : وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13863الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا
إبراهيم بن هانئ ،
وأحمد بن حسين بن عباد أبو العباس قالا : حدثنا
محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي ، حدثني أبي ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509747ولد لنوح ; سام [ ص: 270 ] وحام ، ويافث . فولد لسام العرب وفارس والروم ، والخير فيهم . وولد ليافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ، ولا خير فيهم . وولد لحام القبط والبربر والسودان . ثم قال : لا نعلمه يروى مرفوعا إلا من هذا الوجه تفرد به
محمد بن يزيد بن سنان ، عن أبيه ، وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم ، واحتملوا حديثه . ورواه غيره عن
يحيى بن سعيد مرسلا ولم يسنده ، وإنما جعله من قول
سعيد . قلت : وهذا الذي ذكره
أبو عمر هو المحفوظ ، عن
سعيد قوله . وهكذا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه مثله . والله أعلم .
ويزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي ضعيف بمرة لا يعتمد عليه .
وقد قيل : إن
نوحا عليه السلام لم يولد له هؤلاء الثلاثة الأولاد إلا بعد الطوفان ، وإنما ولد له قبل السفينة
كنعان الذي غرق ،
وعابر مات قبل الطوفان . والصحيح أن أولاده الثلاثة كانوا معه في السفينة هم ونساؤهم وأمهم ، وهو نص التوراة . وقد ذكر أن
حاما واقع امرأته في السفينة ، فدعا عليه
نوح أن تشوه خلقة نطفته فولد له ولد أسود وهو
كنعان بن حام جد السودان . وقيل : بل رأى أباه نائما ، وقد بدت عورته فلم يسترها وسترها أخواه فلهذا دعا عليه أن تغير نطفته ، وأن يكون
[ ص: 271 ] أولاده عبيدا لإخوته .
وذكر الإمام
أبو جعفر بن جرير من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان ، عن
يوسف بن مهران ، عن
ابن عباس أنه قال : قال الحواريون
لعيسى ابن مريم : لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها ؟ قال : فانطلق بهم حتى أتى إلى كثيب من تراب ، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه ، قال : أتدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا
كعب حام بن نوح . قال : وضرب الكثيب بعصاه ، وقال : قم بإذن الله . فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب . فقال له :
عيسى عليه السلام هكذا هلكت . قال : لا . ولكني مت وأنا شاب ، ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت . قال : حدثنا عن سفينة
نوح . قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات ; فطبقة فيها الدواب والوحش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير ، فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله عز وجل إلى
نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل ، فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث ، ولما وقع الفأر يخرز السفينة بقرضه أوحى الله عز وجل إلى
نوح عليه السلام أن اضرب بين عيني الأسد ، فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على الفأر . فقال له
عيسى : كيف علم
نوح عليه السلام أن البلاد
[ ص: 272 ] قد غرقت . قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها ، فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت . قال : ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها ، فعلم أن البلاد قد غرقت فطوقها الخضرة التي في عنقها ، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت . قال : فقالوا : يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال : كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ قال : فقال له : عد بإذن الله فعاد ترابا ، وهذا أثر غريب جدا .
وروى
علباء بن أحمر ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : كان مع
نوح في السفينة ثمانون رجلا معهم أهلوهم ، وأنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوما ، وأن الله وجه السفينة إلى
مكة فدارت بالبيت أربعين يوما ، ثم وجهها إلى الجودي فاستقرت عليه فبعث
نوح عليه السلام الغراب ليأتيه بخبر الأرض ، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه ، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ، ولطخت رجليها بالطين ، فعرف
نوح أن الماء قد نضب ، فهبط إلى أسفل الجودي فابتنى قرية ، وسماها ثمانين ، فأصبحوا ذات يوم ، وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة ; إحداها لغة العربي ، فكان بعضهم لا يفقه كلام بعض ، فكان
نوح عليه السلام يعبر عنه .
وقال
قتادة وغيره : ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب فساروا مائة وخمسين
[ ص: 273 ] يوما ، واستقرت بهم على الجودي شهرا ، وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم ، وقد روى
ابن جرير خبرا مرفوعا يوافق هذا ، وأنهم صاموا يومهم ذلك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
أبو جعفر ، حدثنا
عبد الصمد بن حبيب الأزدي ، عن أبيه
حبيب بن عبد الله ، عن
شبل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509748مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود ، وقد صاموا يوم عاشوراء فقال : " ما هذا من الصوم ؟ " فقالوا : هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق ، وغرق فيه فرعون ، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصام نوح وموسى عليهما السلام شكرا لله عز وجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم " . وقال لأصحابه : " من كان منكم أصبح صائما فليتم صومه ، ومن كان أصاب من غداء أهله فليتم بقية يومه " . وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من وجه آخر ، والمستغرب ذكر
نوح أيضا . والله أعلم .
وأما ما يذكره كثير من الجهلة : أنهم أكلوا من فضول أزوادهم ، ومن حبوب كانت معهم قد استصحبوها ، وطحنوا الحبوب يومئذ ، واكتحلوا
[ ص: 274 ] بالإثمد لتقوية أبصارهم لما ابهارت من الضياء بعد ما كانوا في ظلمة السفينة ، فكل هذا لا يصح فيه شيء ، وإنما يذكر فيه آثار منقطعة عن
بني إسرائيل لا يعتمد عليها ولا يقتدى بها ، والله أعلم .
وقال
محمد بن إسحاق : لما أراد الله أن يكف ذلك الطوفان أرسل ريحا على وجه الأرض فسكن الماء ، وانسدت ينابيع الأرض ، فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر ، وكان استواء الفلك على الجودي فيما يزعم أهل التوراة في الشهر السابع لسبع عشر ليلة مضت منه ، وفي أول يوم من الشهر العاشر رئيت رءوس الجبال ، فلما مضى بعد ذلك أربعون يوما فتح
نوح كوة الفلك التي صنع فيها ، ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه ، فأرسل الحمامة فرجعت إليه فلم يجد لرجليها موضعا ، فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها ، ثم مضت سبعة أيام ، ثم أرسلها لتنظر له ، فرجعت حين أمست وفي فيها ورق زيتونة فعلم
نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض ، ثم مكث سبعة أيام ، ثم أرسلها فلم ترجع إليه فعلم
نوح أن الأرض قد برزت ، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل
نوح الحمامة ، ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين برز وجه الأرض وظهر البر ، وكشف
نوح غطاء الفلك . وهذا الذي ذكره
ابن إسحاق هو بعينه مضمون سياق التوراة التي بأيدي
أهل الكتاب قال
ابن إسحاق :
[ ص: 275 ] وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين في ست وعشرين ليلة منه
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم . وفيما ذكر
أهل الكتاب أن الله كلم
نوحا قائلا له : اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك ، وجميع الدواب التي معك ، ولتنموا ولتكثروا في الأرض ، فخرجوا ، وابتنى
نوح مذبحا لله عز وجل ، وأخذ من جميع الدواب الحلال والطير الحلال فذبحها قربانا إلى الله عز وجل ، وعهد الله إليه أن لا يعيد الطوفان على أهل الأرض ، وجعل تذكار الميثاق إليه القوس الذي في الغمام ، وهو قوس قزح الذي قدمنا عن
ابن عباس أنه أمان من الغرق . قال بعضهم : فيه إشارة إلى أنه قوس بلا وتر . أي ; أن هذا الغمام لا يوجد منه طوفان كأول مرة . والله أعلم
وقد أنكرت طائفة من جهلة
الفرس وأهل الهند ، وقوع الطوفان ، واعترف به آخرون منهم . وقالوا : إنما كان بأرض
بابل ، ولم يصل إلينا . قالوا : ولم نزل نتوارث الملك كابرا عن كابر من لدن كيومرث يعنون
آدم إلى زماننا هذا . وهذا قاله من قاله من زنادقة المجوس عباد النيران ، وأتباع الشيطان . وهذه سفسطة منهم ، وكفر فظيع ، وجهل بليغ ، ومكابرة للمحسوسات ، وتكذيب لرب الأرض والسماوات . وقد أجمع أهل الأديان الناقلون عن رسل الرحمن مع ما تواتر عند الناس في سائر الأزمان على وقوع الطوفان ، وأنه عم جميع البلاد ، ولم يبق الله أحدا من كفرة العباد ; استجابة لدعوة نبيه المؤيد المعصوم ، وتنفيذا لما سبق في القدر المحتوم .
[ ص: 237 ] nindex.php?page=treesubj&link=31827قِصَّةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ
هُوَ
نُوحُ بْنُ لَامَكَ بْنِ مَتُّوشَلَخَ بْنِ خَنُوخَ ، وَهُوَ إِدْرِيسُ بْنُ يَرْدَ بْنِ مَهْلَائِيلَ بْنِ قَيْنَنَ بْنِ أَنُوشَ بْنِ شِيثَ بْنِ آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَوْلِدُهُ بَعْدَ وَفَاةِ
آدَمَ بِمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتٍّ وَعِشْرِينَ سَنَةً فِيمَا ذَكَرَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ ، وَعَلَى تَارِيخِ
أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُتَقَدِّمِ يَكُونُ بَيْنَ مَوْلِدِ
نُوحٍ وَمَوْتِ
آدَمَ مِائَةٌ وَسِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ قُرُونٍ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13053الْحَافِظُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ ، حَدَّثَنَا
أَبُو تَوْبَةَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17108مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ ، عَنْ أَخِيهِ
زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ ، سَمِعْتُ
أَبَا سَلَّامٍ ، سَمِعْتُ
أَبَا أُمَامَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=3509733أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيٌّ كَانَ آدَمُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . مُكَلِّمٌ . قَالَ : فَكَمْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ ؟ قَالَ : عَشَرَةُ قُرُونٍ . قُلْتُ : وَهَذَا عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ . وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ بَيْنَ
آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ . فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْقَرْنِ مِائَةَ سَنَةٍ ، كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فَبَيْنَهُمَا
[ ص: 238 ] أَلْفُ سَنَةٍ لَا مَحَالَةَ ، لَكِنْ لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ بِاعْتِبَارِ مَا قَيَّدَ بِهِ
ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْإِسْلَامِ ; إِذْ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا قُرُونٌ أُخَرُ مُتَأَخِّرَةٌ لَمْ يَكُونُوا عَلَى الْإِسْلَامِ ، لَكِنَّ حَدِيثَ
أَبِي أُمَامَةَ يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ فِي عَشَرَةِ قُرُونٍ ، وَزَادَنَا
ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ كَانُوا عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ التَّوَارِيخِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ : أَنَّ
قَابِيلَ وَبَنِيهِ عَبَدُوا النَّارَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْقَرْنِ الْجِيلَ مِنَ النَّاسِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ [ الْإِسْرَاءِ : 17 ] . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [ الْمُؤْمِنُونَ : 42 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا [ الْفُرْقَانِ : 38 ] . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=74وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ [ مَرْيَمَ : 74 ] . وَكَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509734خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي . الْحَدِيثَ . فَقَدْ كَانَ الْجِيلُ قَبْلَ
نُوحٍ يُعَمِّرُونَ الدُّهُورَ الطَّوِيلَةَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَيْنَ
آدَمَ وَنُوحٍ أُلُوفٌ مِنَ السِّنِينَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَبِالْجُمْلَةِ
فَنُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا عُبِدَتِ الْأَصْنَامُ وَالطَّوَاغِيتُ ، وَشَرَعَ النَّاسُ فِي الضَّلَالَةِ ، وَالْكُفْرِ فَبَعْثَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ فَكَانَ أَوَّلَ رَسُولٍ بُعِثَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ، كَمَا يَقُولُ لَهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَكَانَ قَوْمُهُ يُقَالُ لَهُمْ
بَنُو رَاسِبٍ فِيمَا ذَكَرَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31827مِقْدَارِ سِنِّهِ يَوْمَ بُعِثَ . فَقِيلَ : كَانَ ابْنَ خَمْسِينَ سَنَةً .
[ ص: 239 ] وَقِيلَ : ابْنَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً . وَقِيلَ : ابْنَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً حَكَاهَا
ابْنُ جَرِيرٍ ، وَعَزَا الثَّالِثَ مِنْهَا إِلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّتَهُ وَمَا كَانَ مِنْ قَوْمِهِ ، وَمَا أَنْزَلَ بِمَنْ كَفَرَ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ بِالطُّوفَانِ ، وَكَيْفَ أَنْجَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ ; فَفِي الْأَعْرَافِ ، وَيُونُسَ ، وَهُودٍ ، وَالْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَالشُّعَرَاءِ ، وَالْعَنْكَبُوتِ ، وَالصَّافَّاتِ ، وَاقْتَرَبَتْ . وَأَنْزَلَ فِيهِ سُورَةً كَامِلَةً فَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ [ الْأَعْرَافِ : 59 - 64 ] .
وَقَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=71وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ [ يُونُسَ : 71 73 ] .
[ ص: 240 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ
[ ص: 241 ] :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=25وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [ هُودٍ : 25 - 49 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=76وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 76 ، 77 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ
[ ص: 242 ] nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=23وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ [ الْمُؤْمِنُونَ : 23 - 30 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=105كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا ونَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [ الشُّعَرَاءِ : 105 - 122 ] .
[ ص: 243 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [ الْعَنْكَبُوتِ : 14 - 15 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=75وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ [ الصَّافَّاتِ : 75 - 82 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ اقْتَرَبَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=9كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرٍ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [ الْقَمَرِ : 9 - 17 ] . وَقَالَ تَعَالَى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا [ نُوحٍ : 1 - 28 ] .
[ ص: 244 ] وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ هَذِهِ فِي التَّفْسِيرِ ، وَسَنَذْكُرُ مَضْمُونَ الْقِصَّةِ مَجْمُوعًا مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الْمُتَفَرِّقَةِ ، وَمِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ ، وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهُ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِيهَا مَدْحُهُ وَذَمُّ مَنْ خَالَفَهُ فَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=163إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [ النِّسَاءِ : 163 - 165 ] .
[ ص: 245 ] وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=83وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [ الْأَنْعَامِ : 83 - 87 ] . الْآيَاتِ . وَتَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ فِي الْأَعْرَافِ . وَقَالَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=70أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [ التَّوْبَةِ : 70 ] . وَتَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ فِي يُونُسَ ، وَهُودٍ . وَقَالَ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [ إِبْرَاهِيمَ : 9 ] . وَقَالَ فِي
[ ص: 246 ] سُورَةِ سُبْحَانَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [ الْإِسْرَاءِ : 3 ] . وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=17وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا [ الْإِسْرَاءِ : 17 ] . وَتَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَالشُّعَرَاءِ ، وَالْعَنْكَبُوتِ . وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [ الْأَحْزَابِ : 7 ] . وَقَالَ فِي سُورَةِ ص :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=12كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ [ ص : 12 - 14 ] . وَقَالَ فِي سُورَةِ غَافِرٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ [ غَافِرٍ : 5 ، 6 ] . وَقَالَ فِي سُورَةِ الشُّورَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ [ الشُّورَى : 13 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ ق :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=12كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ [ ق : 12 - 14 ] .
[ ص: 247 ] وَقَالَ فِي الذَّارِيَاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=46وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [ الذَّارِيَاتِ : 46 ] . وَقَالَ فِي النَّجْمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=52وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى [ النَّجْمِ : 52 ] . وَتَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ فِي سُورَةِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=26وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [ الْحَدِيدِ : 26 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [ التَّحْرِيمِ : 10 ] .
وَأَمَّا مَضْمُونُ مَا جَرَى لَهُ مَعَ قَوْمِهِ مَأْخُوذًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ وَالْآثَارِ ، فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ
آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ، وَذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْنِ الْجِيلُ أَوِ الْمُدَّةُ عَلَى مَا سَلَفَ ، ثُمَّ بَعْدَ تِلْكَ الْقُرُونِ الصَّالِحَةِ حَدَثَتْ أُمُورٌ اقْتَضَتْ أَنْ آلَ الْحَالُ بِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
عَطَاءٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ ص: 248 ] nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=23وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [ نُوحٍ : 23 ] . قَالَ : هَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ
نُوحٍ ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ ، فَفَعَلُوا ، فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَنُسِخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : وَصَارَتْ هَذِهِ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ
نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ . وَهَكَذَا قَالَ
عِكْرِمَةُ ،
وَالضَّحَّاكُ ،
وَقَتَادَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16903وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ .
وَقَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ : حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
مُوسَى ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ بَيْنَ
آدَمَ وَنُوحٍ ، وَكَانَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ يَقْتَدُونَ بِهِمْ ، فَلَمَّا مَاتُوا قَالَ أَصْحَابُهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِمْ : لَوْ صَوَّرْنَاهُمْ كَانَ أَشْوَقَ لَنَا إِلَى الْعِبَادَةِ إِذَا ذَكَرْنَاهُمْ . فَصَوَّرُوهُمْ ، فَلَمَّا مَاتُوا وَجَاءَ آخَرُونَ دَبَّ إِلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ، فَقَالَ : إِنَّمَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَبِهِمْ يُسْقَوْنَ الْمَطَرَ فَعَبَدُوهُمْ . وَرَوَى
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ :
وَدٌّ ،
وَيَغُوثُ ،
وَيَعُوقُ ،
وَسُوَاعٌ ،
وَنَسْرٌ ; أَوْلَادُ
آدَمَ . وَكَانَ
وَدٌّ أَكْبَرَهُمْ وَأَبَرَّهُمْ بِهِ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ [ ص: 249 ] مُوسَى ، حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ ، عَنْ
أَبِي الْمُطَهَّرِ قَالَ : ذَكَرُوا عِنْدَ
أَبِي جَعْفَرٍ هُوَ الْبَاقِرُ ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي
يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ ، قَالَ : فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صِلَاتِهِ قَالَ : ذَكَرْتُمْ
يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ أَمَا إِنَّهُ قُتِلَ فِي أَوَّلِ أَرْضٍ عُبِدَ فِيهَا غَيْرُ اللَّهِ . قَالَ : ذَكَرَ
وَدًّا رَجُلًا مُسْلِمًا ، وَكَانَ مُحَبَّبًا فِي قَوْمِهِ ، فَلَمَّا مَاتَ عَسْكَرُوا حَوْلَ قَبْرِهِ فِي أَرْضِ
بَابِلَ ، وَجَزِعُوا عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ جَزَعَهُمْ عَلَيْهِ تَشَبَّهَ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ ، ثُمَّ قَالَ : إِنِّي أَرَى جَزَعَكُمْ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ ، فَهَلْ لَكَمَ أَنْ أُصَوِّرَ لَكُمْ مِثْلَهُ فَيَكُونَ فِي نَادِيكُمْ فَتَذْكُرُونَهُ . قَالُوا : نَعَمْ . فَصَوَّرَ لَهُمْ مِثْلَهُ ، قَالَ : وَوَضَعُوهُ فِي نَادِيهِمْ وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَهُ ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ ذِكْرِهِ ، قَالَ : هَلْ لَكَمَ أَنْ أَجْعَلَ فِي مَنْزِلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ تِمْثَالًا مِثْلَهُ لِيَكُونَ لَهُ فِي بَيْتِهِ فَتَذْكُرُونَهُ . قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : فَمَثَّلَ لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ تِمْثَالًا مِثْلَهُ ، فَأَقْبَلُوا فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَهُ بِهِ . قَالَ : وَأَدْرَكَ أَبْنَاؤُهُمْ فَجَعَلُوا يَرَوْنَ مَا يَصْنَعُونَ بِهِ قَالَ : وَتَنَاسَلُوا ، وَدُرِسَ أَمْرُ ذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ حَتَّى اتَّخَذُوهُ إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِمْ فَكَانَ أَوَّلَ مَا عُبِدَ غَيْرَ اللَّهِ
وَدٌّ الصَّنَمُ الَّذِي سَمَّوْهُ وَدًّا .
وَمُقْتَضَى هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ كُلَّ صَنَمٍ مِنْ هَذِهِ عَبَدَهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا تَطَاوَلَتِ الْعُهُودُ وَالْأَزْمَانُ جَعَلُوا تِلْكَ الصُّوَرَ تَمَاثِيلَ مُجَسَّدَةً لِيَكُونَ أَثْبَتَ لَهَا ، ثُمَّ عُبِدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَهُمْ فِي عِبَادَتِهَا مَسَالِكُ كَثِيرَةٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ فِي مَوَاضِعِهَا ، وَلِلَّهِ
[ ص: 250 ] الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَتْ عِنْدَهُ
أُمُّ سَلَمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=10583وَأُمُّ حَبِيبَةَ تِلْكَ الْكَنِيسَةَ الَّتِي رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ
الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَّةُ . فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509735أُولَئِكَ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْفَسَادَ لَمَّا انْتَشَرَ فِي الْأَرْضِ ، وَعَمَّ الْبَلَاءُ بِعُبَّادِ الْأَصْنَامِ فِيهَا بَعَثَ اللَّهُ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ
نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَيَنْهَى عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ ، فَكَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=31828أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11992أَبِي حَيَّانَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12007أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509736فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ : يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ ، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا ، فَيَقُولُ : رَبِّي قَدْ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ ، نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ . فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ : يَا نُوحُ ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا ، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ : رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ . نَفْسِي نَفْسِي . وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ ، كَمَا أَوْرَدَهُ
[ ص: 251 ] الْبُخَارِيُّ فِي قِصَّةِ
نُوحٍ . فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ
نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَاهُمْ إِلَى إِفْرَادِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنْ لَا يَعْبُدُوا مَعَهُ صَنَمًا ، وَلَا تِمْثَالًا ، وَلَا طَاغُوتًا ، وَأَنْ يَعْتَرِفُوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الرُّسُلِ الَّذِينَ هُمْ كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=77وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [ الصَّافَّاتِ : 77 ] . وَقَالَ فِيهِ ، وَفِي
إِبْرَاهِيمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=26وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [ الْحَدِيدِ : 26 ] . أَيْ : كُلُّ نَبِيٍّ مِنْ بَعْدِ
نُوحٍ فَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ، وَكَذَلِكَ
إِبْرَاهِيمُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [ النَّحْلِ : 36 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [ الزُّخْرُفِ : 45 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=25وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [ الْأَنْبِيَاءِ : 25 ] . وَلِهَذَا قَالَ
نُوحٌ لِقَوْمِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [ الْأَعْرَافِ : 59 ] . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=26أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [ هُودٍ : 26 ] . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=23يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ [ الْمُؤْمِنُونَ : 23 ] . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=2يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [ نوحٍ : 2 - 14 ] .
[ ص: 252 ] الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ . فَذَكَرَ أَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ بِأَنْوَاعِ الدَّعْوَةِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَالسِّرِّ وَالْإِجْهَارِ ، بِالتَّرْغِيبِ تَارَةً وَالتَّرْهِيبِ أُخْرَى ، وَكُلُّ هَذَا فَلَمْ يَنْجَحْ فِيهِمْ ، بَلِ اسْتَمَرَّ أَكْثَرُهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ وَالطُّغْيَانِ ، وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ ، وَنَصَبُوا لَهُ الْعَدَاوَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَأَوَانٍ ، وَتَنَقَّصُوهُ وَتَنَقَّصُوا مَنْ آمَنَ بِهِ . وَتَوَعَّدُوهُمْ بِالرَّجْمِ وَالْإِخْرَاجِ ، وَنَالُوا مِنْهُمْ ، وَبَالَغُوا فِي أَمْرِهِمْ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ . أَيِ : السَّادَةُ الْكُبَرَاءُ مِنْهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=60إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ الْأَعْرَافِ : 60 ] . أَيْ : لَسْتُ كَمَا تَزْعُمُونَ مِنْ أَنِّي ضَالٌّ بَلْ عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ ، رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، أَيِ : الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [ الْأَعْرَافِ : 62 ] . وَهَذَا شَأْنُ الرَّسُولِ أَنْ يَكُونَ بَلِيغًا ، أَيْ : فَصِيحًا نَاصِحًا أَعْلَمَ النَّاسِ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَقَالُوا لَهُ فِيمَا قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=27مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ [ هُودٍ : 27 ] . تَعَجَّبُوا أَنْ يَكُونَ بَشَرًا رَسُولًا ، وَتَنَقَّصُوا بِمَنِ اتَّبَعَهُ ، وَرَأَوْهُمْ أَرَاذِلَهُمْ ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَقْيَادِ النَّاسِ ، وَهُمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، كَمَا قَالَ هِرَقْلُ : وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ . وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُمْ مِنَ اتِّبَاعِ الْحَقِّ . وَقَوْلُهُمْ : بَادِيَ الرَّأْيِ . أَيْ : بِمُجَرَّدِ مَا دَعَوْتَهُمُ اسْتَجَابُوا لَكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا رَوِيَّةٍ ، وَهَذَا الَّذِي ذَمُّوهُمْ بِهِ
[ ص: 253 ] هُوَ عَيْنُ مَا يُمْدَحُونَ بِسَبَبِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَإِنَّ الْحَقَّ الظَّاهِرَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى رَوِيَّةٍ ، وَلَا فِكْرٍ ، وَلَا نَظَرٍ . بَلْ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ ، وَالِانْقِيَادُ لَهُ مَتَى ظَهَرَ ، وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَادِحًا
لِلصَّدِّيقِ . مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ لَهُ كَبْوَةٌ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثَمْ . وَلِهَذَا كَانَتْ بَيْعَتُهُ يَوْمَ
السَّقِيفَةِ أَيْضًا سَرِيعَةً مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ ، وَلَا رَوِيَّةٍ ; لِأَنَّ أَفْضَلِيَّتَهُ عَلَى مَنْ عَدَاهُ ظَاهِرَةٌ جَلِيَّةٌ عِنْدَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ الْكِتَابَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَنُصَّ فِيهِ عَلَى خِلَافَتِهِ فَتَرَكَهُ . وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509738يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَوْلُ كَفَرَةِ قَوْمِ
نُوحٍ لَهُ ، وَلِمَنْ آمَنَ بِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=27وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ . أَيْ : لَمْ يَظْهَرْ لَكُمْ أَمْرٌ بَعْدَ اتِّصَافِكُمْ بِالْإِيمَانِ ، وَلَا مَزِيَّةٌ عَلَيْنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=27بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ [ هُودٍ : 27 - 28 ] .
وَهَذَا تَلَطُّفٌ فِي الْخِطَابِ مَعَهُمْ ، وَتَرَفُّقٌ بِهِمْ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الْحَقِّ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [ طه : 44 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ النَّحْلِ : 125 ] . وَهَذَا مِنْهُ يَقُولُ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=28أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ . أَيُّ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=28فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ . أَيْ فَلَمْ تَفْهَمُوهَا ، وَلَمْ تَهْتَدُوا إِلَيْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=28أَنُلْزِمُكُمُوهَا . أَيْ أَنَغْصِبُكُمْ بِهَا ، وَنَجْبُرُكُمْ عَلَيْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=28وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ .
[ ص: 254 ] أَيْ : لَيْسَ لِي فِيكُمْ حِيلَةٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ . أَيْ : لَسْتُ أُرِيدُ مِنْكُمْ أُجْرَةً عَلَى إِبْلَاغِي إِيَّاكُمْ مَا يَنْفَعُكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ ، وَأُخَرَاكُمْ إِنْ أَطْلُبْ ذَلِكَ إِلَّا مِنَ اللَّهِ الَّذِي ثَوَابُهُ خَيْرٌ لِي ، وَأَبْقَى مِمَّا تُعْطُونَنِي أَنْتُمْ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ [ هُودٍ : 29 ] كَأَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُبْعِدَ هَؤُلَاءِ عَنْهُ ، وَوَعَدُوهُ أَنْ يَجْتَمِعُوا بِهِ إِذَا هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ فَأَبَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ، وَقَالَ إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ فَأَخَافُ إِنْ طَرَدَتْهُمْ أَنْ يَشْكُونِي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=30وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [ هُودٍ : 30 ] . وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ كُفَّارُ
قُرَيْشٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُدَ عَنْهُ ضُعَفَاءَ الْمُؤْمِنِينَ ;
كَعَمَّارٍ ،
وَصُهَيْبٍ ،
وَبِلَالٍ ،
وَخَبَّابٍ ، وَأَشْبَاهِهِمْ نَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَتَيِ الْأَنْعَامِ ، وَالْكَهْفِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ . أَيْ بَلْ أَنَا عَبْدٌ رَسُولٌ لَا أَعْلَمُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مَا أَعْلَمَنِي بِهِ . وَلَا أَقْدِرُ إِلَّا عَلَى مَا أَقْدَرَنِي عَلَيْهِ ، وَلَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا ، وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ . يَعْنِي مِنْ أَتْبَاعِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ . أَيْ لَا أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا خَيْرَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمْ ، وَسَيُجَازِيهِمْ عَلَى مَا فِي نُفُوسِهِمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ ، كَمَا قَالُوا فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=111أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [ الشُّعَرَاءِ : 111 ] .
[ ص: 255 ] وَقَدْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ ، وَالْمُجَادَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [ الْعَنْكَبُوتِ : 14 ] . أَيْ : وَمَعَ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ فَمَا آمَنَ بِهِ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنْهُمْ ، وَكَانَ كُلَّمَا انْقَرَضَ جِيلٌ وَصَّوْا مَنْ بَعْدَهُمْ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ بِهِ . وَمُحَارَبَتِهِ ، وَمُخَالَفَتِهِ ، وَكَانَ الْوَالِدُ إِذَا بَلَغَ وَلَدُهُ وَعَقَلَ عَنْهُ كَلَامَهُ وَصَّاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَنْ لَا يُؤْمِنَ
بِنُوحٍ أَبَدًا مَا عَاشَ وَدَائِمًا مَا بَقِيَ ، وَكَانَتْ سَجَايَاهُمْ تَأْبَى الْإِيمَانَ وَاتِّبَاعَ الْحَقِّ ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [
نُوحٍ : 27 ] . وَلِهَذَا قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=32يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [ هُودٍ : 32 - 33 ] . أَيْ : إِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَكْتَرِثُهُ أَمْرٌ بَلْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ : كُنْ فَيَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ هُودٍ : 34 ] . أَيْ : مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ يَمْلِكَ أَحَدٌ هِدَايَتَهُ هُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْهِدَايَةَ وَمَنْ يَسْتَحِقُّ الْغِوَايَةَ ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ ، وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [ هُودٍ : 36 ] . وَهَذِهِ تَعْزِيَةٌ
لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْمِهِ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ، وَتَسْلِيَةٌ لَهُ عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . أَيْ : لَا يَسُوأَنَّكَ مَا جَرَى فَإِنَّ النَّصْرَ قَرِيبٌ ، وَالنَّبَأَ عَجِيبٌ
[ ص: 256 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ .
[ ص: 256 ] وَذَلِكَ أَنَّ
نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا يَئِسَ مِنْ صَلَاحِهِمْ ، وَفَلَاحِهِمْ ، وَرَأَى أَنَّهُمْ لَا خَيْرَ فِيهِمْ ، وَتَوَصَّلُوا إِلَى أَذِيَّتِهِ ، وَمُخَالَفَتِهِ ، وَتَكْذِيبِهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ مِنْ فِعَالٍ ، وَمَقَالٍ دَعَا عَلَيْهِمْ دَعْوَةَ غَضَبٍ لِلَّهِ فَلَبَّى اللَّهُ دَعْوَتَهُ وَأَجَابَ طِلْبَتَهُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=75وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [ الصَّافَّاتِ : 75 - 76 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=76وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [ الْأَنْبِيَاءِ : 76 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=117قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا ونَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ الشُّعَرَاءِ : 117 - 118 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [ الْقَمَرِ : 10 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=26قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ [ الْمُؤْمِنُونَ : 26 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=25مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [ نُوحٍ : 25 - 27 ] . فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ خَطَايَاهُمْ مِنْ كُفْرِهِمْ وَفُجُورِهِمْ ، وَدَعْوَةِ نَبِيِّهِمْ عَلَيْهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَصْنَعَ الْفُلْكَ ، وَهِيَ السَّفِينَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لَهَا نَظِيرٌ قَبْلَهَا ، وَلَا يَكُونُ بَعْدَهَا مِثْلَهَا ، وَتَقَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ أَمْرُهُ ، وَحَلَّ بِهِمْ بِأُسُهُ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ أَنَّهُ لَا يُعَاوِدُهُ فِيهِمْ وَلَا يُرَاجِعُهُ ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ قَدْ تُدْرِكُهُ رِقَّةٌ عَلَى قَوْمِهِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ النَّازِلِ بِهِمْ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ .
[ ص: 257 ] أَيْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ اسْتِبْعَادًا لِوُقُوعِ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ . أَيْ : نَحْنُ الَّذِينَ نَسْخَرُ مِنْكُمْ ، وَنَتَعَجَّبُ مِنْكُمْ فِي اسْتِمْرَارِكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ ، وَعِنَادِكُمُ الَّذِي يَقْتَضِي وُقُوعَ الْعَذَابِ بِكُمْ وَحُلُولَهُ عَلَيْكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=39فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ . وَقَدْ كَانَتْ سَجَايَاهُمُ الْكُفْرَ الْغَلِيظَ ، وَالْعِنَادَ الْبَالِغَ فِي الدُّنْيَا . وَهَكَذَا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُمْ يَجْحَدُونَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ جَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ رَسُولٌ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509739يَجِيءُ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأُمَّتُهُ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : هَلْ بَلَّغْتَ . فَيَقُولُ : نَعَمْ . أَيْ رَبِّ . فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ : هَلْ بَلَّغَكُمْ . فَيَقُولُونَ : لَا مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ . فَيَقُولُ لِنُوحٍ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ . فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ . فَتَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ . وَهُوَ قَوْلُهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [ الْبَقَرَةِ : 143 ] .
وَالْوَسَطُ : الْعَدْلُ فَهَذِهِ الْأُمَّةُ تَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ نَبِيِّهَا الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ
نُوحًا بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْحَقَّ وَأَمَرَهُ بِهِ . وَأَنَّهُ بَلَّغَهُ إِلَى أُمَّتِهِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَتَمِّهَا ، وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِمَّا يَنْفَعُهُمْ فِي دِينِهِمْ إِلَّا وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِهِ . وَلَا شَيْئًا مِمَّا قَدْ يَضُرُّهُمْ إِلَّا وَقَدْ نَهَاهُمْ عَنْهُ وَحَذَّرَهُمْ مِنْهُ . وَهَكَذَا شَأْنُ جَمِيعِ الرُّسُلِ حَتَّى إِنَّهُ حَذَّرَ قَوْمَهُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَوَقَّعُ
[ ص: 258 ] خُرُوجَهُ فِي زَمَانِهِمْ حَذَرًا عَلَيْهِمْ وَشَفَقَةً وَرَحْمَةً بِهِمْ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا
عَبْدَانُ ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ
يُونُسَ ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ
سَالِمٌ : قَالَ
ابْنُ عُمَرَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509740قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ ، فَقَالَ : إِنِّي لَأُنْذِرِكُمُوهُ ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمُهُ ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ ، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ ; تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ . وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ
شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17298يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12031أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509741أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَدِيثًا مَا حَدَّثَ بِهِ نَبِيٌّ قَوْمَهُ ؟ إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ بِمِثَالِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَالَّتِي يَقُولُ : إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ ، وَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ . لَفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ : لَمَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرًا لِيَعْمَلَ مِنْهُ السَّفِينَةَ فَغَرَسَهُ ، وَانْتَظَرَهُ مِائَةَ سَنَةٍ ، ثُمَّ نَجَرَهُ فِي مِائَةٍ أُخْرَى . وَقِيلَ : فِي أَرْبَعِينَ سَنَةً . فَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ
الثَّوْرِيِّ : وَكَانَ مِنْ خَشَبِ السَّاجِ . وَقِيلَ : مِنَ الصَّنَوْبَرِ . وَهُوَ نَصُّ التَّوْرَاةِ . قَالَ
الثَّوْرِيُّ : وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ طُولَهَا ثَمَانِينَ ذِرَاعًا ، وَعَرْضَهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا ، وَأَنْ يُطْلَى ظَاهِرُهَا وَبَاطِنُهَا بِالْقَارِ ، وَأَنْ يَجْعَلَ لَهَا جُؤْجُؤًا أَزْوَرَ يَشُقُّ الْمَاءَ . وَقَالَ
[ ص: 259 ] قَتَادَةُ : كَانَ طُولُهَا ثَلَثَمِائَةِ ذِرَاعٍ فِي عَرْضِ خَمْسِينَ ذِرَاعًا . وَهَذَا الَّذِي فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَا رَأَيْتُهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : سِتُّمِائَةٍ فِي عَرْضِ ثَلَثِمِائَةٍ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَلْفٌ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ فِي عَرْضِ سِتِّمِائَةِ ذِرَاعٍ . وَقِيلَ : كَانَ طُولُهَا أَلْفَيْ ذِرَاعٍ ، وَعَرْضُهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ ، قَالُوا كُلُّهُمْ : وَكَانَ ارْتِفَاعُهَا ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا ، وَكَانَتْ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَشْرُ أَذْرُعٍ ; فَالسُّفْلَى لِلدَّوَابِّ وَالْوُحُوشِ ، وَالْوُسْطَى لِلنَّاسِ ، وَالْعُلْيَا لِلطُّيُورِ ، وَكَانَ بَابُهَا فِي عَرْضِهَا ، وَلَهَا غِطَاءٌ مِنْ فَوْقِهَا مُطْبَقٌ عَلَيْهَا .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=26قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا [ الْمُؤْمِنُونَ : 26 ] . أَيْ ; بِأَمْرِنَا لَكَ ، وَبِمَرْأَى مِنَّا لِصَنْعَتِكَ لَهَا ، وَمُشَاهَدَتِنَا لِذَلِكَ لِنُرْشِدَكَ إِلَى الصَّوَابِ فِي صَنْعَتِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [ الْمُؤْمِنُونَ : 27 ] . فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِأَمْرِهِ الْعَظِيمِ الْعَالِي أَنَّهُ إِذَا جَاءَ أَمْرُهُ ، وَحَلَّ بَأْسُهُ أَنْ يَحْمِلَ فِي هَذِهِ السَّفِينَةِ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَسَائِرِ مَا فِيهِ رُوحٌ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ ، وَغَيْرِهَا لِبَقَاءِ نَسْلِهَا ، وَأَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ أَهْلَهُ أَيْ : أَهْلَ بَيْتِهِ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ; أَيْ إِلَّا مَنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ قَدْ نَفَذَتْ فِيهِ الدَّعْوَةُ الَّتِي لَا تُرَدُّ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ حُلُولُ الْبَأْسِ الَّذِي لَا يُرَدُّ ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُرَاجِعَهُ فِيهِمْ إِذَا حَلَّ بِهِمْ مَا يُعَايِنُهُ مِنَ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي قَدْ حَتَّمَهُ عَلَيْهِمُ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ ، كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ قَبْلُ .
[ ص: 260 ] وَالْمُرَادُ بِالتَّنُّورِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَجْهُ الْأَرْضِ أَيْ ; نَبَعَتِ الْأَرْضُ مِنْ سَائِرِ أَرْجَائِهَا حَتَّى نَبَعَتِ التَّنَانِيرُ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ النَّارِ ، وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : التَّنُّورُ عَيْنٌ فِي
الْهِنْدِ . وَعَنِ
الشَّعْبِيِّ :
بِالْكُوفَةِ . وَعَنْ
قَتَادَةَ :
بِالْجَزِيرَةِ . وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : الْمُرَادُ بِالتَّنُّورِ فَلَقُ الصُّبْحِ . وَتَنْوِيرُ الْفَجْرِ أَيْ : إِشْرَاقُهُ وَضِيَاؤُهُ أَيْ : عِنْدَ ذَلِكَ فَاحْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ، وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ . هَذَا أَمْرٌ ثَانٍ عِنْدَ حُلُولِ النِّقْمَةِ بِهِمْ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ . وَفِي كِتَابِ
أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ سَبْعَةَ أَزْوَاجٍ ، وَمِمَّا لَا يُؤَكَلُ زَوْجَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى ، وَهَذَا مُغَايِرٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي كِتَابِنَا الْحَقِّ : اثْنَيْنِ . إِنْ جَعْلَنَا ذَلِكَ مَفْعُولًا بِهِ . وَأَمَّا إِنْ جَعَلْنَاهُ تَوْكِيدًا لِزَوْجَيْنِ ، وَالْمَفْعُولُ بِهِ مَحْذُوفٌ فَلَا تَنَافِيَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ ، وَيُرْوَى عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ مِنَ الطُّيُورِ الدُّرَّةُ ، وَآخِرُ مَا دَخَلَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْحِمَارُ ، وَدَخَلَ إِبْلِيسُ مُتَعَلِّقًا بِذَنَبِ الْحِمَارِ . وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، [ ص: 261 ] حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ، حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17241هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
لَمَّا حَمَلَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قَالَ أَصْحَابُهُ : وَكَيْفَ نُطَمْئِنُ أَوْ كَيْفَ تَطْمَئِنُّ الْمَوَاشِي وَمَعَنَا الْأَسَدُ ؟ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحُمَّى فَكَانَتْ أَوَّلَ حُمَّى نَزَلَتْ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ شَكَوُا الْفَأْرَةَ فَقَالُوا : الْفُوَيْسِقَةُ تُفْسِدُ عَلَيْنَا طَعَامَنَا وَمَتَاعَنَا ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْأَسَدِ فَعَطَسَ فَخَرَجَتِ الْهِرَّةُ مِنْهُ فَتَخَبَّأَتِ الْفَأْرَةُ مِنْهَا . هَذَا مُرْسَلٌ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ . أَيْ مَنِ اسْتَجَبْتُ فِيهِمُ الدَّعْوَةَ النَّافِذَةَ مِمَّنْ كَفَرَ فَكَانَ مِنْهُمِ ابْنُهُ
يَامٌ الَّذِي غَرِقَ ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ : وَمَنْ آمَنَ ، أَيْ وَاحْمِلْ فِيهَا مَنْ آمَنَ بِكَ مِنْ أُمَّتِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ . هَذَا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَالْمُقَامِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، وَدَعْوَتِهِمُ الْأَكِيدَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا بِضُرُوبِ الْمَقَالِ ، وَفُنُونِ التَّلَطُّفَاتِ ، وَالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ تَارَةً ، وَالتَّرْغِيبِ وَالْوَعْدِ أُخْرَى .
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31836عِدَّةِ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ ; فَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ كَانُوا ثَمَانِينَ نَفْسًا مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ . وَعَنْ
كَعْبِ الْأَحْبَارِ كَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ نَفْسًا . وَقِيلَ : كَانُوا عَشَرَةً . وَقِيلَ : إِنَّمَا كَانُوا
نُوحًا وَبَنِيهِ الثَّلَاثَةَ ، وَكَنَائِنَهُ الْأَرْبَعَ بِامْرَأَةِ
يَامٍ الَّذِي انْخَزَلَ وَانْعَزَلَ وَسَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِ النَّجَاةِ فَمَا عَدَلَ إِذْ عَدَلَ . وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ بَلْ هِيَ نَصٌّ فِي أَنَّهُ قَدْ رَكِبَ مَعَهُ
[ ص: 262 ] مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ طَائِفَةٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ . كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=118وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : كَانُوا سَبْعَةً . وَأَمَّا
امْرَأَةُ نُوحٍ ، وَهِيَ أَمُّ أَوْلَادِهِ كُلِّهِمْ ; وَهُمْ
حَامٌ ،
وِسَامٌ ،
وَيَافِثُ ،
ويامٌ ، وَتُسَمِّيهِ
أَهْلُ الْكِتَابِ كَنْعَانَ ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ غَرِقَ ،
وَعَابِرٌ . وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ الطُّوفَانِ . قِيلَ : إِنَّهَا غَرِقَتْ مَعَ مَنْ غَرِقَ ، وَكَانَتْ مِمَّنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ لِكُفْرِهَا . وَعِنْدَ
أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي السَّفِينَةِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَفَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا أُنْظِرَتْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [ نُوحٍ : 26 ] . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ [ الْمُؤْمِنُونَ : 28 - 29 ] . أَمَرَهُ أَنَّ يَحْمَدَ رَبَّهُ عَلَى مَا سَخَّرَ لَهُ مِنْ هَذِهِ السَّفِينَةِ فَنَجَّاهُ بِهَا ، وَفَتَحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ ، وَأَقَرَّ عَيْنَهُ مِمَّنْ خَالَفَهُ وَكَذَّبَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=12الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [ الزُّخْرُفِ : 12 - 14 ] . وَهَكَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=32060_32061يُؤْمَرُ بِالدُّعَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْأُمُورِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ ، وَأَنْ تَكُونَ عَاقِبَتُهَا مَحْمُودَةٌ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَاجَرَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا [ الْإِسْرَاءِ : 80 ] .
[ ص: 263 ] وَقَدِ امْتَثَلَ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ . أَيْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ ابْتِدَاءُ سَيْرِهَا وَانْتِهَاؤُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ . أَيْ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ مَعَ كَوْنِهِ غَفُورًا رَحِيمًا لَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ، كَمَا أَحَلَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ . وَعَبَدُوا غَيْرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَطَرًا لَمْ تَعْهَدْهُ الْأَرْضُ قَبْلَهُ ، وَلَا تُمْطِرْهُ بَعْدَهُ كَانَ كَأَفْوَاهِ الْقِرَبِ ، وَأَمَرَ الْأَرْضَ فَنَبَعَتْ مِنْ جَمِيعِ فِجَاجِهَا وَسَائِرِ أَرْجَائِهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ [ الْقَمَرِ : 10 - 13 ] . وَالدُّسُرُ : الْمَسَامِيرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا أَيْ بِحِفْظِنَا وَكَلَاءَتِنَا وَحِرَاسَتِنَا وَمُشَاهَدَتِنَا لَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ .
وَقَدْ ذَكَرَ
ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ الطُّوفَانَ كَانَ فِي ثَالِثَ عَشَرَ شَهْرِ آبٍ فِي حَمَارَةِ الْقَيْظِ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=11إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ . أَيِ السَّفِينَةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=12لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ . قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : ارْتَفَعَ الْمَاءُ عَلَى أَعْلَى جَبَلٍ بِالْأَرْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا . وَهُوَ الَّذِي عِنْدَ
أَهْلِ الْكِتَابِ . وَقِيلَ : ثَمَانِينَ ذِرَاعًا . وَعَمَّ جَمِيعَ الْأَرْضِ ; طُولَهَا وَالْعَرْضَ ، سَهْلَهَا وَحَزْنَهَا ، وَجِبَالَهَا ، وَقِفَارَهَا وَرِمَالَهَا ، وَلَمْ
[ ص: 264 ] يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْأَحْيَاءِ عَيْنٌ تَطْرِفُ ، وَلَا صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ . قَالَ
الْإِمَامُ مَالِكٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ قَدْ مَلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ . وَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : لَمْ تَكُنْ بُقْعَةٌ فِي الْأَرْضِ إِلَّا وَلَهَا مَالِكٌ وَحَائِزٌ . رَوَاهُمَا
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [ هُودٍ : 42 - 43 ] . وَهَذَا الِابْنُ هُوَ
يَامٌ أَخُو
سَامٍ وَحَامٍ وَيَافِثَ . وَقِيلَ : اسْمُهُ
كَنْعَانُ . وَكَانَ كَافِرًا عَامِلًا غَيْرَ صَالِحٍ ، مُخَالِفًا أَبَاهُ فِي دِينِهِ وَمَذْهَبِهِ ، فَهَلَكَ مَعَ مَنْ هَلَكَ . هَذَا وَقَدْ نَجَا مَعَ أَبِيهِ الْأَجَانِبُ فِي النَّسَبِ لَمَّا كَانُوا مُوَافِقِينَ فِي الدِّينِ وَالْمَذْهَبِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . أَيْ ; لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ أَنْ تَبْلَعَ مَاءَهَا ، وَأَمَرَ السَّمَاءَ أَنْ تُقْلِعَ . أَيْ تُمْسِكُ عَنِ الْمَطَرِ وَغِيضَ الْمَاءُ . أَيْ نَقَصَ عَمَّا كَانَ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ، أَيْ وَقَعَ بِهِمُ الَّذِي كَانَ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ وَقَدَرِهِ ، مِنْ إِحْلَالِهِ بِهِمْ مَا حَلَّ بِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . أَيْ ; نُودِيَ عَلَيْهِمْ بِلِسَانِ الْقُدْرَةِ بُعْدًا لَهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ [ الْأَعْرَافِ : 64 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=73فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ [ يُونُسَ : 73 ] .
[ ص: 265 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=77وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 77 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=119فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [ الشُّعَرَاءِ : 119 - 122 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [ الْعَنْكَبُوتِ : 14 - 15 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=82ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ [ الصَّافَّاتِ : 82 ] وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرٍ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [ الْقَمَرِ : 15 - 17 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=25مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [ نُوحٍ : 25 - 27 ] . وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ دَعْوَتَهُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ .
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامَانِ :
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ
مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ ، عَنْ
فَائِدٍ مَوْلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ، أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ [ ص: 266 ] أَخْبَرَتْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509743فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ أَحَدًا لِرَحِمِ أُمَّ الصَّبِيِّ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509744nindex.php?page=treesubj&link=33953مَكَثَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ يَعْنِي إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ، وَغَرَسَ مِائَةَ سَنَةٍ الشَّجَرَ فَعَظُمَتْ ، وَذَهَبَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ ، ثُمَّ قَطَعَهَا ، ثُمَّ جَعَلَهَا سَفِينَةً ، وَيَمُرُّونَ عَلَيْهِ ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ ، وَيَقُولُونَ : تَعْمَلُ سَفِينَةً فِي الْبَرِّ كَيْفَ تَجْرِي . قَالَ : سَوْفَ تَعْلَمُونَ . فَلَمَّا فَرَغَ وَنَبَعَ الْمَاءُ وَصَارَ فِي السِّكَكِ . خَشِيَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا خَرَجَتْ بِهِ إِلَى الْجَبَلِ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلْثَهُ ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ ، خَرَجَتْ بِهِ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَلِ ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ رَقَبَتَهَا رَفَعَتْهُ بِيَدَيْهَا ، فَغَرِقَا ، فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَحَدًا لِرَحِمِ أُمَّ الصَّبِيِّ . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
كَعْبِ الْأَحْبَارِ ،
وَمُجَاهِدٍ ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ شَبِيهٌ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ ، وَأَحْرَى بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا مُتَلَقًّى عَنْ مِثْلِ
كَعْبِ الْأَحْبَارِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبْقِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ، فَكَيْفَ يَزْعُمُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : أَنَّ
عُوَجَ بْنَ عُنُقَ ، وَيُقَالُ :
ابْنَ عِنَاقَ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ قَبْلِ
نُوحٍ إِلَى زَمَانِ
مُوسَى وَيَقُولُونَ : كَانَ كَافِرًا مُتَمَرِّدًا جَبَّارًا عَنِيدًا ، وَيَقُولُونَ : كَانَ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ بَلْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
عُنُقُ بِنْتُ آدَمَ مِنْ زِنًا ، وَأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ طُولِهِ السَّمَكَ مِنْ قَرَارِ الْبِحَارِ ، وَيَشْوِيهِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
لِنُوحٍ ، وَهُوَ فِي السَّفِينَةِ : مَا هَذِهِ الْقُصَيْعَةُ الَّتِي لَكَ ، وَيَسْتَهْزِئُ بِهِ . وَيَذْكُرُونَ أَنَّهُ كَانَ طُولُهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَثُلُثًا ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْهَذَيَانَاتِ الَّتِي لَوْلَا أَنَّهَا مُسَطَّرَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ التَّفَاسِيرِ ، وَغَيْرِهَا مِنَ التَّوَارِيخِ ، وَأَيَّامِ النَّاسِ لَمَا تَعَرَّضْنَا لِحِكَايَتِهَا لِسَقَاطَتِهَا ، وَرَكَاكَتِهَا ، ثُمَّ إِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ .
[ ص: 267 ] أَمَّا الْمَعْقُولُ فَكَيْفَ يَسُوغُ فِيهِ أَنْ يُهْلِكَ اللَّهُ وَلَدَ
نُوحٍ لِكُفْرِهِ ، وَأَبُوهُ نَبِيُّ الْأُمَّةِ وَزَعِيمُ أَهْلِ الْإِيمَانِ ، وَلَا يُهْلِكُ
عُوجَ بْنَ عُنُقَ ، وَيُقَالُ :
عَنَاقُ . وَهُوَ أَظْلَمُ وَأَطْغَى عَلَى مَا ذَكَرُوا ، وَكَيْفَ لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْهُمْ أَحَدًا ، وَلَا أُمَّ الصَّبِيِّ ، وَلَا الصَّبِيَّ ، وَيَتْرُكُ هَذَا الدَّعِيَّ الْجَبَّارَ الْعَنِيدَ الْفَاجِرَ الشَّدِيدَ الْكَافِرَ الشَّيْطَانَ الْمَرِيدَ عَلَى مَا ذَكَرُوا ؟ !
وَأَمَّا الْمَنْقُولُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=82ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ثُمَّ هَذَا الطُّولُ الَّذِي ذَكَرُوهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509745إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ . فَهَذَا نَصُّ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ الْمَعْصُومِ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى . أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ أَيْ ; لَمْ يَزَلِ النَّاسُ فِي نُقْصَانٍ فِي طُولِهِمْ مِنْ
آدَمَ إِلَى يَوْمِ إِخْبَارِهِ بِذَلِكَ ، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ ذُرِّيَّةِ
آدَمَ مَنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ فَكَيْفَ يُتْرَكُ هَذَا وَيُذْهَلُ عَنْهُ ، وَيُصَارُ إِلَى أَقْوَالِ الْكَذَبَةِ الْكَفَرَةِ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ بَدَّلُوا كُتَبَ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةَ وَحَرَّفُوهَا وَأَوَّلُوهَا وَوَضَعُوهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا ، فَمَا ظَنُّكَ بِمَا هُمْ يَسْتَقِلُّونَ بِنَقْلِهِ أَوْ يُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ ، وَهُمُ الْكَذَبَةُ الْخَوَنَةُ ، عَلَيْهِمْ لِعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَمَا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ
عُوجَ بْنِ عَنَاقَ إِلَّا اخْتِلَاقًا مِنْ بَعْضِ زَنَادِقَتِهِمْ وَفُجَّارِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا أَعْدَاءَ
[ ص: 268 ] الْأَنْبِيَاءِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=31832مُنَاشَدَةَ نُوحٍ رَبَّهُ فِي وَلَدِهِ ، وَسُؤَالَهُ لَهُ عَنْ غَرَقِهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْلَامِ وَالِاسْتِكْشَافِ ، وَوَجْهُ السُّؤَالِ أَنَّكَ وَعَدْتَنِي بِنَجَاةِ أَهْلِي مَعِي وَهُوَ مِنْهُمْ وَقَدْ غَرِقَ فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أَيِ الَّذِينَ وَعَدْتُ بِنَجَاتِهِمْ أَيْ أَمَا قُلْنَا لَكَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ . فَكَانَ هَذَا مِمَّنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ بِأَنْ سَيَغْرَقُ بِكُفْرِهِ ، وَلِهَذَا سَاقَتْهُ الْأَقْدَارُ إِلَى أَنِ انْحَازَ عَنْ حَوْزَةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ ، فَغَرِقَ مَعَ حِزْبِهِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ . هَذَا أَمْرٌ
لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَأَمْكَنَ السَّعْيُ فِيهَا ، وَالِاسْتِقْرَارُ عَلَيْهَا ، أَنْ يَهْبِطَ مِنَ السَّفِينَةِ الَّتِي كَانَتْ قَدِ اسْتَقَرَّتْ بَعْدَ سَيْرِهَا الْعَظِيمِ عَلَى ظَهْرِ
جَبَلِ الْجُودِيِّ وَهُوَ جَبَلٌ بِأَرْضِ
الْجَزِيرَةِ مَشْهُورٌ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عِنْدَ خَلْقِ الْجِبَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ . أَيِ اهْبِطْ سَالِمًا مُبَارَكًا عَلَيْكَ ، وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ سَيُولَدُ بَعْدُ . أَيْ مِنْ أَوْلَادِكَ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ نَسْلًا ، وَلَا عَقِبًا سِوَى
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=77وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ . فَكُلُّ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ مِنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ يَنْتَسِبُونَ إِلَى أَوْلَادِ
نُوحٍ الثَّلَاثَةِ ; وَهُمْ
سَامٌ ،
وَحَامٌ ،
وَيَافِثُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ ، عَنْ
سَعِيدٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، عَنِ
الْحَسَنِ ، عَنْ
سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509746سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ ، وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ . وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَقَدِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17360يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12514سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، عَنِ
الْحَسَنِ ، عَنْ
سَمُرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13332الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ . قَالَ : وَالْمُرَادُ
بِالرُّومِ هُنَا
الرُّومُ الْأُوَلُ ، وَهُمُ الْيُونَانُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى
رُومِيِّ بْنِ لِيطِيِّ بْنِ يُونَانَ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ . ثُمَّ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ : وَلَدُ
نُوحٍ ثَلَاثَةٌ :
سَامٌ ،
وَيَافِثُ ،
وَحَامٌ . وَوَلَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةً ; فَوَلَدَ
سَامٌ الْعَرَبَ
وَفَارِسَ وَالرُّومَ . وَوَلَدَ
يَافِثُ التُّرْكَ وَالسَّقَالِبَةَ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ . وَوَلَدَ
حَامٌ الْقِبْطَ وَالسُّودَانَ
وَالْبَرْبَرَ . قُلْتُ : وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13863الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ ،
وَأَحْمَدُ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَبَّادٍ أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَا : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الرَّهَاوِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509747وُلِدَ لِنُوحٍ ; سَامٌ [ ص: 270 ] وَحَامٌ ، وَيَافِثُ . فَوُلِدَ لِسَامٍ الْعَرَبُ وَفَارِسُ وَالرُّومُ ، وَالْخَيْرُ فِيهِمْ . وَوُلِدَ لِيَافِثَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَالتُّرْكُ وَالصَّقَالِبَةُ ، وَلَا خَيْرَ فِيهِمْ . وَوُلِدَ لِحَامٍ الْقِبْطُ وَالْبَرْبَرُ وَالسُّودَانُ . ثُمَّ قَالَ : لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ تَفَرَّدَ بِهِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَاحْتَمَلُوا حَدِيثَهُ . وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُرْسَلًا وَلَمْ يُسْنِدْهُ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ
سَعِيدٍ . قُلْتُ : وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
أَبُو عُمَرَ هُوَ الْمَحْفُوظُ ، عَنْ
سَعِيدٍ قَوْلُهُ . وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مِثْلُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو فَرْوَةَ الرَّهَاوِيُّ ضَعِيفٌ بِمَرَّةٍ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ
نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُولَدْ لَهُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ الْأَوْلَادُ إِلَّا بَعْدَ الطُّوفَانِ ، وَإِنَّمَا وُلِدَ لَهُ قَبْلَ السَّفِينَةِ
كَنْعَانُ الَّذِي غَرِقَ ،
وَعَابِرُ مَاتَ قَبْلَ الطُّوفَانِ . وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَوْلَادَهُ الثَّلَاثَةَ كَانُوا مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ هُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأُمُّهُمْ ، وَهُوَ نَصُّ التَّوْرَاةِ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ
حَامًا وَاقَعَ امْرَأَتَهُ فِي السَّفِينَةِ ، فَدَعَا عَلَيْهِ
نُوحٌ أَنْ تُشَوَّهَ خِلْقَةُ نُطْفَتِهِ فَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَسْوَدُ وَهُوَ
كَنْعَانُ بْنُ حَامٍ جَدُّ السُّودَانِ . وَقِيلَ : بَلْ رَأَى أَبَاهُ نَائِمًا ، وَقَدْ بَدَتْ عَوْرَتُهُ فَلَمْ يَسْتُرْهَا وَسَتَرَهَا أَخَوَاهُ فَلِهَذَا دَعَا عَلَيْهِ أَنْ تُغَيَّرَ نُطْفَتُهُ ، وَأَنْ يَكُونَ
[ ص: 271 ] أَوْلَادُهُ عَبِيدًا لِإِخْوَتِهِ .
وَذَكَرَ الْإِمَامُ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16621عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ الْحَوَارِيُّونَ
لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ : لَوْ بَعَثْتَ لَنَا رَجُلًا شَهِدَ السَّفِينَةَ فَحَدَّثَنَا عَنْهَا ؟ قَالَ : فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى أَتَى إِلَى كَثِيبٍ مِنْ تُرَابٍ ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ بِكَفِّهِ ، قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : هَذَا
كَعْبُ حَامَ بْنِ نُوحٍ . قَالَ : وَضَرَبَ الْكَثِيبَ بِعَصَاهُ ، وَقَالَ : قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ . فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ قَدْ شَابَ . فَقَالَ لَهُ :
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَكَذَا هَلَكْتَ . قَالَ : لَا . وَلَكِنِّي مِتُّ وَأَنَا شَابٌّ ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّهَا السَّاعَةُ فَمِنْ ثَمَّ شِبْتُ . قَالَ : حَدِّثْنَا عَنْ سَفِينَةِ
نُوحٍ . قَالَ : كَانَ طُولُهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيْ ذِرَاعٍ ، وَعَرْضُهَا سِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ ، وَكَانَتْ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ ; فَطَبَقَةٌ فِيهَا الدَّوَابُّ وَالْوَحْشُ ، وَطَبَقَةٌ فِيهَا الْإِنْسُ ، وَطَبَقَةٌ فِيهَا الطَّيْرُ ، فَلَمَّا كَثُرَ أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنِ اغْمِزْ ذَنَبَ الْفِيلِ ، فَغَمَزَهُ فَوَقَعَ مِنْهُ خِنْزِيرٌ وَخِنْزِيرَةٌ فَأَقْبَلَا عَلَى الرَّوْثِ ، وَلَمَّا وَقَعَ الْفَأْرُ يَخْرِزُ السَّفِينَةَ بِقَرْضِهِ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنِ اضْرِبْ بَيْنَ عَيْنَيِ الْأَسَدِ ، فَخَرَجَ مِنْ مَنْخَرِهِ سِنَّوْرٌ وَسِنَّوْرَةٌ فَأَقْبَلَا عَلَى الْفَأْرِ . فَقَالَ لَهُ
عِيسَى : كَيْفَ عَلِمَ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْبِلَادَ
[ ص: 272 ] قَدْ غَرِقَتْ . قَالَ : بَعَثَ الْغُرَابَ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ . قَالَ : ثُمَّ بَعَثَ الْحَمَامَةَ فَجَاءَتْ بِوَرَقِ زَيْتُونٍ بِمِنْقَارِهَا وَطِينٍ بِرِجْلَيْهَا ، فَعَلِمَ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقَتْ فَطَوَّقَهَا الْخُضْرَةَ الَّتِي فِي عُنُقِهَا ، وَدَعَا لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي أُنْسٍ وَأَمَانٍ فَمِنْ ثَمَّ تَأْلَفُ الْبُيُوتَ . قَالَ : فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَنْطَلِقُ بِهِ إِلَى أَهْلِينَا فَيَجْلِسُ مَعَنَا وَيُحَدِّثُنَا ؟ قَالَ : كَيْفَ يَتْبَعُكُمْ مَنْ لَا رِزْقَ لَهُ ؟ قَالَ : فَقَالَ لَهُ : عُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَعَادَ تُرَابًا ، وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ جِدًّا .
وَرَوَى
عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ مَعَ
نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانُونَ رَجُلًا مَعَهُمْ أَهْلُوهُمْ ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا فِي السَّفِينَةِ مِائَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا ، وَأَنَّ اللَّهَ وَجَّهَ السَّفِينَةَ إِلَى
مَكَّةَ فَدَارَتْ بِالْبَيْتِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ وَجَّهَهَا إِلَى الْجُودِيِّ فَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ فَبَعَثَ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْغُرَابَ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْضِ ، فَذَهَبَ فَوَقَعَ عَلَى الْجِيَفِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ ، فَبَعَثَ الْحَمَامَةَ فَأَتَتْهُ بِوَرَقِ الزَّيْتُونِ ، وَلَطَّخَتْ رِجْلَيْهَا بِالطِّينِ ، فَعَرَفَ
نُوحٌ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ نَضَبَ ، فَهَبَطَ إِلَى أَسْفَلِ الْجُودِيِّ فَابْتَنَى قَرْيَةً ، وَسَمَّاهَا ثَمَانِينَ ، فَأَصْبَحُوا ذَاتَ يَوْمٍ ، وَقَدْ تَبَلْبَلَتْ أَلْسِنَتُهُمْ عَلَى ثَمَانِينَ لُغَةً ; إِحْدَاهَا لُغَةُ الْعَرَبِيِّ ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَفْقَهُ كَلَامَ بَعْضٍ ، فَكَانَ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُعَبِّرُ عَنْهُ .
وَقَالَ
قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ : رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ فَسَارُوا مِائَةً وَخَمْسِينَ
[ ص: 273 ] يَوْمًا ، وَاسْتَقَرَّتْ بِهِمْ عَلَى الْجُودِيِّ شَهْرًا ، وَكَانَ خُرُوجُهُمْ مِنَ السَّفِينَةِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنَ الْمُحَرَّمِ ، وَقَدْ رَوَى
ابْنُ جَرِيرٍ خَبَرًا مَرْفُوعًا يُوَافِقُ هَذَا ، وَأَنَّهُمْ صَامُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ الْأَزْدِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ
حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ
شِبْلٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509748مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُنَاسٍ مِنَ الْيَهُودِ ، وَقَدْ صَامُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ : " مَا هَذَا مِنَ الصَّوْمِ ؟ " فَقَالُوا : هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي نَجَّى اللَّهُ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْغَرَقِ ، وَغَرِقَ فِيهِ فِرْعَوْنُ ، وَهَذَا يَوْمٌ اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ فَصَامَ نُوحٌ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى وَأَحَقُّ بِصَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ " . وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، وَمَنْ كَانَ أَصَابَ مِنْ غَدَاءِ أَهْلِهِ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ " . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَالْمُسْتَغْرَبُ ذِكْرُ
نُوحٍ أَيْضًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجَهَلَةِ : أَنَّهُمْ أَكَلُوا مِنْ فُضُولِ أَزْوَادِهِمْ ، وَمِنْ حُبُوبٍ كَانَتْ مَعَهُمْ قَدِ اسْتَصْحَبُوهَا ، وَطَحَنُوا الْحُبُوبَ يَوْمَئِذٍ ، وَاكْتَحَلُوا
[ ص: 274 ] بِالْإِثْمِدِ لِتَقْوِيَةِ أَبْصَارِهِمْ لَمَّا ابْهَارَّتْ مِنَ الضِّيَاءِ بَعْدَ مَا كَانُوا فِي ظُلْمَةِ السَّفِينَةِ ، فَكُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِيهِ آثَارٌ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَلَا يُقْتَدَى بِهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ ذَلِكَ الطُّوفَانَ أَرْسَلَ رِيحًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَسَكَنَ الْمَاءُ ، وَانْسَدَّتْ يَنَابِيعُ الْأَرْضِ ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْقُصُ وَيَغِيضُ وَيُدْبِرُ ، وَكَانَ اسْتِوَاءُ الْفُلْكِ عَلَى الْجُودِيِّ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ لِسَبْعَ عَشْرَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْهُ ، وَفِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ رُئِيَتْ رُءُوسُ الْجِبَالِ ، فَلَمَّا مَضَى بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَتَحَ
نُوحٌ كَوَّةَ الْفُلْكِ الَّتِي صَنَعَ فِيهَا ، ثُمَّ أَرْسَلَ الْغُرَابَ لِيَنْظُرَ لَهُ مَا فَعَلَ الْمَاءُ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ ، فَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ لِرِجْلَيْهَا مَوْضِعًا ، فَبَسَطَ يَدَهُ لِلْحَمَامَةِ فَأَخَذَهَا فَأَدْخَلَهَا ، ثُمَّ مَضَتْ سَبْعَةُ أَيَّامٍ ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا لِتَنْظُرَ لَهُ ، فَرَجَعَتْ حِينَ أَمْسَتْ وَفِي فِيهَا وَرَقُ زَيْتُونَةٍ فَعَلِمَ
نُوحٌ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ قَلَّ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ ، ثُمَّ مَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا فَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ فَعَلِمَ
نُوحٌ أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ بَرَزَتْ ، فَلَمَّا كَمَلَتِ السَّنَةُ فِيمَا بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الطُّوفَانَ إِلَى أَنْ أَرْسَلَ
نُوحٌ الْحَمَامَةَ ، وَدَخَلَ يَوْمٌ وَاحِدٌ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ بَرَزَ وَجْهُ الْأَرْضِ وَظَهَرَ الْبَرُّ ، وَكَشَفَ
نُوحٌ غِطَاءَ الْفُلْكِ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
ابْنُ إِسْحَاقَ هُوَ بِعَيْنِهِ مَضْمُونُ سِيَاقِ التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِي
أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ :
[ ص: 275 ] وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ فِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَفِيمَا ذَكَرَ
أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ
نُوحًا قَائِلًا لَهُ : اخْرُجْ مِنَ الْفُلْكِ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ وَبَنُوكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ ، وَجَمِيعُ الدَّوَابِّ الَّتِي مَعَكَ ، وَلِتَنْمُوَا وَلِتَكْثُرُوا فِي الْأَرْضِ ، فَخَرَجُوا ، وَابْتَنَى
نُوحٌ مَذْبَحًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَخَذَ مِنْ جَمِيعِ الدَّوَابِّ الْحَلَالِ وَالطَّيْرِ الْحَلَالِ فَذَبَحَهَا قُرْبَانًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَعَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ لَا يُعِيدَ الطُّوفَانَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَجَعَلَ تَذْكَارَ الْمِيثَاقِ إِلَيْهِ الْقَوْسُ الَّذِي فِي الْغَمَامِ ، وَهُوَ قَوْسُ قُزَحَ الَّذِي قَدَّمْنَا عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَمَانٌ مِنَ الْغَرَقِ . قَالَ بَعْضُهُمْ : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ قَوْسٌ بِلَا وَتَرٍ . أَيْ ; أَنَّ هَذَا الْغَمَامَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ طُوفَانٌ كَأَوَّلِ مَرَّةٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ أَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْ جَهَلَةِ
الْفُرْسِ وَأَهْلِ الْهِنْدِ ، وُقُوعَ الطُّوفَانِ ، وَاعْتَرَفَ بِهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ . وَقَالُوا : إِنَّمَا كَانَ بِأَرْضِ
بَابِلَ ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْنَا . قَالُوا : وَلَمْ نَزَلْ نَتَوَارَثُ الْمُلْكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ مِنْ لَدُنْ كُيُومُرْثَ يَعْنُونَ
آدَمَ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا . وَهَذَا قَالَهُ مَنْ قَالَهُ مِنْ زَنَادِقَةِ الْمَجُوسِ عُبَّادِ النِّيرَانِ ، وَأَتْبَاعِ الشَّيْطَانِ . وَهَذِهِ سَفْسَطَةٌ مِنْهُمْ ، وَكُفْرٌ فَظِيعٌ ، وَجَهْلٌ بَلِيغٌ ، وَمُكَابَرَةٌ لِلْمَحْسُوسَاتِ ، وَتَكْذِيبٌ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ . وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ النَّاقِلُونَ عَنْ رُسُلِ الرَّحْمَنِ مَعَ مَا تَوَاتَرَ عِنْدَ النَّاسِ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ عَلَى وُقُوعِ الطُّوفَانِ ، وَأَنَّهُ عَمَّ جَمِيعَ الْبِلَادِ ، وَلَمْ يُبْقِ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ كَفَرَةِ الْعِبَادِ ; اسْتِجَابَةً لِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ الْمُؤَيِّدِ الْمَعْصُومِ ، وَتَنْفِيذًا لِمَا سَبَقَ فِي الْقَدَرِ الْمَحْتُومِ .